Site icon صحيفة الوطن

المقاومة الفلسطينية ترمي الكرة بالملعب الإسرائيلي

قبل رد الفصائل المقاومة بالموافقة على ما قدمه الوسطاء من مبادئ عامة في 27 نيسان الماضي، فإن معظم المؤشرات التي سادت خلال الأيام السابقة على مستوى الخريطة الإقليمية وحتى بعض المواقف الدولية، أكدت أن هناك حاجة باتت ملحة من أجل التوصل لهدنة أياً كان شكلها في قطاع غزة، سواء كانت على غرار سابقتها هدنة مؤقتة أم دائمة، وقبل الحديث عن احتمالات التوصل لهذه التهدئة لابد من الإشارة لمروحة من المواقف الدالة على ذلك وفق أربعة مستويات:

المستوى الإسرائيلي: إن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تضيق عليه دائرة الضغوط وخاصة بين تيار داعم لمطالب أهالي الأسرى للتوصل لاتفاق يحرر أبناءهم، وتيار آخر يعبر عنه شركاؤه في ائتلاف حكومي من اليمين المتطرف لعدم وقف الآلية العسكرية، فضلاً عن الضغوط الأميركية للتوصل لهذه الصفقة لاعتبارات عدة سيتم الإشارة إليها فيما بعد، يسعى للتوصل لاتفاق أو صفقة تلبي الأهداف الإسرائيلية من خلال تحرير الأسرى ولا تتضمن وقفاً لإطلاق نار دائم، ولا تنص على انسحاب كامل من القطاع، وتقديم ضمانات أميركية للمساعدة في اجتياح رفح، وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية.

المستوى الفلسطيني: إنها الأحوج للوصول لصفقة بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية لأهالي القطاع من ناحية، وتفنيد الرواية المتنامية حول وجود خلافات داخل حماس بين جناحيها العسكري والسياسي، إلا أن ذلك لن يدفع الفصائل لتقديم أي تنازل، ولن توافق على أي صفقة من شأنها أن تعيد العدوان على القطاع، ولن تضمن تحقيق المطالب التي تم تبنيها مع إطلاق عملية طوفان الأقصى، لأن عدم تحقيق ذلك سيقلب الحاضنة الشعبية ضد الفصائل، وستسقط قواعد الاشتباك التي تحددت معالمها خلال الأشهر السبعة الماضية.

المستوى الأميركي: ويعد من أكثر الفاعلين الباحثين لتكريس صفقة تحافظ على المصالح الأميركية بالمنطقة وتحقق المصالح الإسرائيلية في الوقت ذاته، فإلى جانب توظيف هذه الصفقة لتحسين الواقع الانتخابي للرئيس الأميركي جو بايدن من خلال السعي لتحرير الأسرى الذين يحملون الجنسية المزدوجة الإسرائيلية الأميركية، ومحاولة تخفيف الضغوط الداخلية التي تمارس على إدارته من قوى داخل الكونغرس طالبته بوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة، والحد من اتساع المظاهرات داخل الجامعات والتي زادت من تآكل صورة أميركا الديمقراطية، فإن واشنطن تريد تحقيق هدف إستراتيجي من خلال هذه الصفقة، عبر تمهيد الأجواء لعقد اتفاق إقليمي تحت ستار معاهدة الدفاع المشترك مع السعودية التي لن تحصل من دون تطبيع إسرائيلي سعودي، وهو ما يتطلب وقف إطلاق نار في قطاع غزة، إذ إن هذا الاتفاق الساعية لتكريسه واشنطن، يضمن ثلاثة مكاسب:

1. توطيد العلاقة مع السعودية عبر مجموعة من الاتفاقيات تزيد من تحالفهما الذي تجاوز سبعة عقود، ما يقلص الفرصة أمام خصوم واشنطن سواء كانت الصين أم روسيا أو إيران من توسيع نفوذهم باتجاه الخليج ويهدد المصالح والنفوذ الأميركي.

2. تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية سيساعد بشكل كبير على تعويم إسرائيلي على مستوى المنطقة، لأن مثل هذا التطبيع في حال حصوله، يمثل اتفاقاً مع أكبر دولة إسلامية وهو ما سيدفع الكثير من الدول للانخراط به.

3. تخفيف حدة التوتر بالمنطقة وإعادة ضبطه ما يدفع واشنطن لتعزيز سياسة الحرب بالوكالة من خلال زيادة الحصار الاقتصادي وتدعيم دور القوى الانفصالية أو الإرهابية لاستنزاف دول المنطقة وإبقائها في حالة فوضى.

المستوى الإقليمي: وخاصة فيما يتعلق بالدول الوسيطة الساعية لتعزيز دورها في إيجاد حلول لوقف العدوان، وتجنيب الأمن القومي الإقليمي وخاصة المصري والأردني لأي خطر قد يحصل في حال عدم التوصل لأي اتفاق يدفع قوات الاحتلال لاجتياح رفح.

رد الفصائل الفلسطينية والمتضمن الموافقة على الإطار العام المقترح لوقف إطلاق النار في غزة سواء تم تطبيقه أم لا، إلا أنها كانت خطوة ذكية من هذه الفصائل لعدة اعتبارات أهمها:

1. تمكن الفصائل من إعادة الكرة ورميها في الملعب الإسرائيلي، ولاسيما بعد جملة التصريحات والاتهامات التي أطلقتها مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بحق هذه الفصائل من خلال تحميلها مسؤولية عرقلة الاتفاق، بالتزامن مع تبني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لخيار الحسم العسكري في رفح سواء تم التوصل للاتفاق أم لا.

2. تمكن الفصائل من الحصول على ضمانات شخصية من الرئيس الأميركي جو بايدن لتطبيق كل مراحل الاتفاق، وهو ما يفسر إعلان هذه الموافقة من دون أي تمهيد، لذلك فإن رفض الكيان لتطبيق الاتفاق وتوسيع دائرة العدوان في رفح، سيكون صفعة بحق بايدن من اليمين المتطرف في إسرائيل.

3. موافقة الفصائل على الإطار العام للاتفاق زادت من تضييق الخيارات أمام نتنياهو للمراوغة والمناورة في عدة نقاط أبرزها:

أولاً- في حال موافقة الكبينت أو المجلس الحربي لهذا الاتفاق فإن ذلك سيجعل الكيان أمام تطورات على الصعيد السياسي الداخلي من حيث المطالبة بتشكيل لجان محاسبة لما حصل في السابع من تشرين الأول لعام 2023، وفشل قوات الاحتلال من تحقيق أهدافها العسكرية في القطاع رغم مرور سبعة أشهر على إطلاق العملية العسكرية، ومن ثم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة وهو ما سينهي حياة نتنياهو السياسية بعد سبعة عشر عاماً من رئاسته للحكومة الإسرائيلية على فترات متقطعة.

ثانياً- إن رئيس الحكومة الإسرائيلي في حالة تأزم، فعلى المستوى الداخلي، عدم موافقة نتنياهو على هذا الاتفاق سيدفع الشركاء داخل مجلس الحرب ولاسيما بني غانتس ورئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت للانضمام للمظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة بعد انسحابهما من مجلس الحرب، وفي حال الذهاب للاتفاق فإن نتنياهو أمام احتمال كبير لانسحاب شركائه من الائتلاف الحاكم من السلطة وفق تهديد كل من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية يتسلائيل سموتريتش، أما على المستوى الخارجي المتمثل في البعدين الإقليمي والدولي، فإنه سيتمثل من ناحية في تصعيد الجبهات المساندة لغزة وخاصة جبهة جنوب لبنان، في حين سيزداد حرج موقف الدول الغربية ولاسيما الأوروبية منها أمام شعوبها نتيجة السلوك الإسرائيلي العنصري وهو ما قد يسرع من وتيرة اتساع نطاق المظاهرات بالجامعات، واتساع رقعة المطالبات بوقف دعم إسرائيل وممارسة الضغوط لتبني إجراءات ضمن المنظمات الدولية لمحاسبة مسؤولي الكيان.

ما بين المؤشرات الإيجابية التي كانت سائدة وحالة الاضطراب التي فرضها رد المقاومة، فإننا أمام واقع يفرض ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: يكمن في سعي نتنياهو لعدم التوصل لأي اتفاق إن لم يلب مصالحه ومصالح إسرائيل، ويضمن عودته للحرب مرة جديدة ما يخفف الضغط الداخلي والخارجي عليه من جانب، ويضمن بقاءه في السلطة لأكبر قدر ممكن، وضمن هذا السيناريو لا يمكن استبعاد قيام نتنياهو بتوسيع عدوانه في رفح أو الإقليم لخلط الأوراق وكسب المزيد من الوقت للتملص من الضغط الأميركي.

السيناريو الثاني: قد يتم التوصل لاتفاق يتسم بالهشاشة والتصدع نتيجة الضغوط التي تمارسها واشنطن على حكومة تل أبيب للقبول بالتوجهات الأميركية، ولاسيما مع تسريب موقع «أكسيوس» خبراً مفاده بتجميد إرسال شحنات أسلحة للكيان، وهذا السيناريو يحمل احتمالات عدم نجاح الاتفاق أو قد يكون أي اتفاق هو مجرد استراحة مقاتل تضمن عودته لحلبة المواجهة مجدداً.

السيناريو الثالث: أن تتمكن الجهود الإقليمية والدولية من وضع إطار عام لاتفاق وقف إطلاق نار مؤقت يؤسس لهدنة مستدامة، إلا أن مثل هذا السيناريو مازال يواجه العديد من التحديات أبرزها، سعي نتنياهو للبقاء في السلطة، ووجود اليمين المتطرف الساعي لاستمرار الهيمنة على مكانته التي حصّلها في إسرائيل، فضلاً عن استمرار واشنطن بتأييد مطالب إسرائيل ولو بات هناك اتساع لهوة الخلاف في التكتيك وليس الإستراتيجية، وأخيراً عدم رغبة الفصائل الفلسطينية في تقديم أي تنازل سياسي عجزت عن تحقيقه آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية.

كاتب سوري

Exit mobile version