Site icon صحيفة الوطن

التشاركية بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد الوطني … فضلية: قانون التشاركية ضعيف ويحتاج إلى تطوير بالكامل … عيسى: معظم الأفكار الاقتصادية لدينا مستوردة وبعضها «باله» عفا عليها الزمن

| جلنار العلي- راما العلاف

رأى الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور هيثم عيسى، أن سورية تعد كبقية الدول النامية غير منتجة على مستوى الفكر الاقتصادي، فمعظم الأفكار الاقتصادية لديها مستوردة من الخارج وبعضها «بالة» عفا عنها الزمن وانتهى منها، كما هو الحال بالنسبة لمعظم السلع، وذلك في معرض ردّه على تساؤلٍ طرحه فيما إذا كانت التشاركية في سورية موجودة في إطار سياق فكري محدد وتهدف إلى تعميق الفكر الاقتصادي الوطني الخاص لتقود إلى هوية اقتصادية وطنية.

جاء هذا التساؤل ضمن مداخلة للدكتور عيسى في ندوة حوارية أقامتها كلية الاقتصاد بجامعة دمشق يوم أمس حملت عنوان «التشاركية بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد الوطني» شارك فيها عدة أساتذة من كلية الاقتصاد اتفقوا جميعهم على وجود قصور في قوانين التشاركية في سورية المتمثلة بالقانون رقم 5 لعام 2016 والقانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بإحداث حوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية، إضافة إلى وجود حاجة ملحة لتعديل البيئة التشريعية للتشاركية لتكون جاذبة للمشاريع الداخلية والخارجية.

وبالعودة إلى الدكتور هيثم عيسى، فقد طرح عدة تساؤلات أخرى من قبيل هل مثلت التشاركية حاجة اقتصادية موضوعية ممكنة التحقيق، وإذا كانت قد حققت الغاية المرجوة منها؟ وهل خلق تطبيق التشاركية البيئة المناسبة والملائمة لنجاحها ولتطوير وتحفيز الاستثمار وفق التشاركية أو أي صيغة أخرى؟

وأكد عيسى أن مشاريع التشاركية في سورية قبل صدور قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 تفوق العدد الذي أصبحت عليه بعد صدور القانون، ففي الفترة التي صدر فيها القانون كانت سورية تعاني حصاراً اقتصادياً كبيراً يمنع أي مستثمر أجنبي من الاستفادة من هذا القانون وإقامة أي مشروع، فمثلاً حاولت إحدى الشركات الصينية تنفيذ مشروع في سورية مع إحدى الجهات العامة فعوقبت من الولايات المتحدة الأميركية ووصلت العقوبات إلى شخصية المدير التنفيذي للشركة، وهنا يمكن القول إن الظرف حينها لم يكن جاذباً للاستثمار الخارجي، والاقتصاد السوري كان منهكاً، فصحيح أن القطاع العام كان قد وصل حينها إلى عمر الـ70 عاماً وهو سن «الحكمة» ولكن معظم أصوله كانت متهالكة، وكانت موارد الحكومة متناقصة بشكل كبير ولم يكن لديها أي إمكانية للتشارك مع القطاع الخاص، متسائلاً عن حجم الرأسمال الذي كانت ستستند عليه لتغري المستثمر الأجنبي بالتشارك معها.

وحول مدى نجاح سورية بالتشاركية بعد صدور القانون عام 2016، أشار عيسى إلى أن سورية نفذت مشروعاً واحداً وفق هذا القانون خلال مدة 8 سنوات، معتبراً أن هذا المشروع لا يمثل نجاحاً، لافتاً إلى أنه على المستوى التشريعي فقد أضاف هذا القانون قانوناً جديداً إلى البيئة التشريعية الناظمة للاستثمار في سورية وزادها تعقيداً، وخاصة أنه خلال الخمسة عشر عاماً الماضية كان قد صدر ثلاثة قوانين للاستثمار ومجموعة من المراسيم، متابعاً: «ألم يكن ممكناً أن يتم تضمين التشاركية ضمن قانون الاستثمار؟ أولم يكن من الأبسط أن يكون هناك باب واحد بدل من تخيير المستثمر العمل وفق قانون الاستثمار أو التشاركية؟».

ومن جهة أخرى انتقد عيسى عدم وجود وحدة خاصة لدى الحكومة تعنى بدراسة الجدوى الاقتصادية لتقييم المشاريع المطروحة على قانون التشاركية، معتبراً أن هذه الوحدة تزيد ثقة المستثمر بالحكومة، وتزيد الرغبة بالاستثمار.

الدولة توسع خياراتها التنموية

الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد الدكتور عدنان سليمان، أشار في مداخلته إلى أن الهدف من قانون التشاركية أن يتيح للقطاع الخاص ضمن صيغة تعاقدية ما إن يقوم بالاستثمار التنموي والتمويلي، إذ لا يوجد مجال لا يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة فيه وفق هذين القانونين سوى استخراج النفط والغاز، فقد كان آخر القطاعات التي تم السماح بالمشاركة بها هو شراء التبغ الذي كان محصوراً بالحكومة فقط، معتبراً أن هذا الأمر يعد خير دليل على أن الدولة توسع خياراتها التنموية لتخفيف العجز والتمويل.

واعتبر أن القانون رقم 3 لعام 2024 يعد أكثر جرأة وانفتاحاً من القانون رقم 5 لعام 2016، لأنه سمح وفتح المجال لكل الشركات والمؤسسات العامة أياً كان شكلها أن تدخل في شراكة مع قطاع الأعمال الخاص عبر شركة مشتركة، شريطة أن تكون مشاركة القطاع العام فيها تقل عن 49 بالمئة، وهذا الأمر يحفز على استقطاب الرأسمال العربي والأجنبي بالدرجة الأولى، وستعمل الشركات المساهمة المحدثة من خلاله وفق مبادئ المحاسبة وحوكمة الشركات وغير ذلك، ولكن بالانتباه إلى الجانب الفني الإجرائي للقانون يتبين أنه ما يزال معقداً ويحتاج إلى تطوير، إذ يوجد حتى الآن قانون للشركات وقانون للتجارة ومذكرات ترفعها الشركة إلى الوزارة لترفعها بدورها إلى رئاسة مجلس الوزراء ثم إلى اللجنة الاقتصادية وغير ذلك، وقد يفزع المستثمر أو المساهم من الصيغ التعاقدية، وهذا الأمر يعد أحد التحديات الهامة التي يجب العمل عليها للتشجيع على التشاركية.

وفي تقييم القانونين، أوضح سليمان أن التشاركية يمكن أن تفهم على أنها شكل من أشكال التعاون الإستراتيجي لصيغ تمويلية بين القطاعين العام والخاص، والمقصود فيها هو الاستثمار التنموي بين القطاعين العام والخاص لتوفير الخدمات والسلع والبنى التحتية، وهذا يعني العودة إلى فترة تسبق السبعينيات لإعادة إعطاء القطاع الخاص دوراً قيادياً، لأن نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة تجاوزت 65 بالمئة، أي إن دوره متقدم على القطاع العام في المساهمة والتوظيف وإنتاج السلع.

ضعيف وفيه فجوات

الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عابد فضلية، أكد في بداية حديثه أن المعطيات التي تم الحديث عنها تبيّن أن قانون التشاركية الذي صدر في عام 2016 ضعيف جداً ويحتوي على فجوات، وقد دخل بتفاصيل لا يمكن تطبيقها بشكل عملي، مؤكداً أنه سيقدم دراسة لتطويره على اعتبار أن كل القانون لا يصلح ويجب تعديله بشكل جذري، مشيراً إلى أن المطلوب هو استهداف المشاريع الكبيرة ذات الوزن الاقتصادي التنموي بشكل تتداخل به الخبرة والمعرفة والقوة الاقتصادية ما بين القطاعين العام والخاص.

وحاول فضلية الإحاطة بتفاصيل القانون رقم 3 لعام 2024 لأنه يساعد على التشاركية، مشيراً إلى أنه نص على ثلاثة مستويات مؤسسية، الأول: مؤسسة قطاع عام تتحول إلى شركة مساهمة عمومية وتمتلك الدولة كل أسهمها، معتبراً أن هذا الأمر غير مفهوم، فكيف لشركة مساهمة عمومية أن تمتلك الدولة كل أسهمها، فأين المشاركة من القطاع الخاص؟ مؤكداً أن إدارة الشركات المساهمة العمومية عادة يكون فيها حوكمة لأن الإدارة منفصلة عن الملكية ويكون فيها رقابة من أصحاب المال، أما في هذه الحالة إذا تحولت مؤسسة عامة إلى شركة مساهمة عمومية فهذا يعني وجود موظف حكومي يدير أملاك الدولة لكن بشكل حر ووفق آراء شخصية ضمن الشركة، وليس ضمن القوانين والأنظمة الأساسية التي وضعتها الدولة، وهذا يعني فلتاناً للمؤسسة العامة.

وأردف فضلية إن المستوى الثاني يشمل تشارك عدة جهات عامة بإنشاء شركة مساهمة عامة، وتمتلك الدولة أيضاً كل أسهمها وهذا الأمر يعود بالسلبيات ذاتها التي تم التحدث عنها في المستوى الأول، أما المستوى الثالث فيمكن فيه أن تشارك الجهات الحكومية بشركة مساهمة عامة مع القطاع الخاص ويطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، وهذا المستوى إيجابي.

وفي السياق، اعتبر فضلية أن أحد المتطلبات هو وجود ثقافة تشاركية لدى الجهات الاقتصادية من جهة والجمهور من جهة أخرى، حيث يعتقد البعض أن مشاركة القطاع الخاص بمؤسسة حكومية ستؤدي إلى مزيد من الفساد، لذا فإن التشاركية تفترض وجود قناعة لدى الجميع بأهميتها، مؤكداً وجود حاجة كبيرة للتشاركية خلال الفترة الحالية، فليس مطلوباً من الدولة أن تتولى بمفردها القضايا الاقتصادية، لذا يجب أن تساهم القطاعات الخاصة والمشتركة في بناء الاقتصاد.

الدور الإستراتيجي للشراكة

الأستاذ في كلية الاقتصاد- جامعة دمشق الدكتور أحمد صالح بدأ حديثه بسؤال حول ما المدخل الإستراتيجي للتنمية الاقتصادية الذي يؤدي إلى قطع بنيوي مع مرحلة ما قبل الحرب؟

وناقش صالح خلاصة عدد من الدراسات والأبحاث الحديثة في مجال تحليل للدور الإستراتيجي للشراكة وكيف يمكن أن نقوم في تعزيز الابتكار في الطاقة الاندماجية، وأشار إلى ضرورة الحديث حول الشركات الأهلية أو المحلية أو الوطنية غير الحكومية أو الخاص وأقطاب النمو أو محفزات النمو على الصعيد الوطني في سورية وفي السياق الإستراتيجي للتنمية الاقتصادية، وكيفية إيجاد صيغة تسمح بتعظيم الاستفادة على الصعيد المجتمعي.

ولفت إلى أن التشاركية هي تلبية لمجموعة من الاحتياجات والتحديات الوطنية ليس أقلها مرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب، وهي استجابة للفكر النيوكلاسيكي لما يسمى اقتصادات الرفاه وفشل السوق الذي يستدعي تدخل الدولة بالحد الأدنى لتصحيح هذا الخلل في مهام السوق، إذ لا يمكن أن نتخلى عن دور الدولة على الإطلاق، لكن الحاجة اليوم إلى أن نفهم طبيعة هذا الدور.

ورأى أن القطاع التعاوني قد يكون حلاً مساعداً في كثير من المشاكل المطروحة على أساس الشراكة والبدء بقطاع الخدمات إذ إن كل أنماط الشراكة في العالم لم تقترب من قطاع الصناعة التحويلية وكل تجارب التنمية الاقتصادية تقوم على التصنيع مما يشير إلى مفارقة مذهلة جداً في حين أن التصنيع بحاجة كبيرة للدولة ولحمايتها ورؤيتها.

رؤية مستقبلية

من جانبه تطرق الأستاذ في كلية الاقتصاد- جامعة دمشق الدكتور رسلان خضور إلى الرؤية المستقبلية للتشاركية وكيفية تفعيلها طارحاً عدداً من التساؤلات أولها ما حاجتنا للتشاركية؟ هل تهدف التشاركية إلى تقليص دور الدولة أو تقويته؟ هل لأننا فشلنا في إصلاح القطاع العام وتطويره ونحتاج لبديل؟ هل السبب وجود عجز في الميزانية وعدم وجود إمكانية لتمويل المشاريع والرغبة بالاستفادة من أموال القطاع الخاص؟ هل القطاع الخاص المحلي مؤهل لإدارة مشاريع كبرى بإمكانيته؟

ولفت إلى وجود مشاريع تشاركية ناجحة جداً في سورية قبل وجود قوانين للتشاركية مثل مشروع استجرار مياه عين الفيجة في شباط 1924 والفنادق 5 نجوم كلها مشاريع تشاركية وغيرها الكثير، ولا بد أن الهدف من التشاركية هو تقوية القطاع العام وله دور إدارة المشروع التنموي ولا شك أنه قد يكون هناك إخفاق في إصلاح القطاع العام ووجود طاقات إنتاجية معطلة بسبب البيروقراطية الإدارية والدليل وجود مشروع واحد بعد مرور 8 سنوات على القانون رقم 5 للعام 2016مشيراً إلى ضرورة تقييم للعقود التشاركية من ضمنها العقود ما قبل صدور القوانين الناجح منها والفاشل لمعرفة أسباب نجاحها واستحضار روح هذه المشاريع الناجحة جداً.

وحول أسس تفعيل التشاركية أوضح خضور أنه يجب على التشاركية أن تحقق ثلاث غايات وهي تحسين وتطوير المشاريع التي سيتم التشارك بها، وإنجاز المشاريع بوقت أسرع وتكاليف أقل، وتقديم سلع وخدمات بأسعار أقل، ولا تعني تقاسم الأرباح فقط إنما المخاطر والمسؤوليات الاجتماعية في ظل توفر الشفافية والمعلومات والبيانات الإحصائية للجميع كركن أساسي للتشاركية.

وأشار إلى ضرورة تقييم للتجارب التشاركية السابقة منها فنادق 5 نجوم في سورية بالتشارك مع وزارة السياحة ومشاريع وزارة الزراعة لمعرفة نقاط الضعف والقوة لأن التشاركية تعمل وفق آليات السوق التي تحتاج إلى دولة قوية وتكون صاحبة السلطات والتشريع غير المنحاز والتنظيم والإشراف والضبط وخلق بيئة تنافسية عامة ضخمة وتعزيز سلطة الدولة لتقود مشروعاً تنموياً بشكل من أشكال التشاركية إذ إن السبب الرئيس بفشل أو نجاح التشاركية هو البيئة التي تعمل بها سواء القانونية والتشريعية أم السياسية وغيرها.

ولفت خضور إلى ضرورة تمتع الفريق الحكومي الذي سيفاوض عقود المشاريع التشاركية بالخبرة للحفاظ على حقوق الدولة على الأقل وعلى الحكومة القادمة طرح مشاريع جديدة مع دراسة جدوى للتشارك مع القطاع الخاص والمبادرة بتأسيس شركات مساهمة بهذه الصيغة التشاركية كما مشاريع فنادق 5 نجوم.

Exit mobile version