Site icon صحيفة الوطن

مناهل من دون ماء وحر لا يطاق

| ميشيل خياط

اضطررت إلى تأدية واجب اجتماعي في ظهيرة أحد الأيام القائظة التي عرفناها مؤخراً، ووجدت نفسي أمشي تحت الشمس الحارقة التي لم نعرف مثلها في الشام في حزيران، وهو شهر معتدل الحرارة عادة، ثلاثة أرباعه في الربيع!!.

كانت المعاناة حادة جداً إذ جرت وقائعها في الزمن المحرم فيه –صحياً- السير تحت أشعة الشمس ما بين الساعة 12 والساعة 4 بعد الظهر، وسط هذه الموجة الحارة جداً الآن، حسب تعليمات وزارة الصحة.

وما لفت انتباهي قبل يومين عندما اشتد بي العطش وغدا حلقي كحطبة مجففة تحت شمس حارة، الغياب المطلق لأي قطرة ماء في الشوارع والأماكن العامة في دمشق، سألت الباعة في الأكشاك وعلى البسطات عن سعر عبوة الماء الصغيرة «بقين أو السن» فكان الجواب الموحد: خمسة آلاف ليرة!، سرني اتفاقهم وآلمني جشعهم، فسعرها المبالغ به أصلاً، ثلاثة آلاف ليرة فلماذا يجعلون من العيد مناسبة ابتزاز، والأسوأ من ذلك كله، فظاظة عمال الأكشاك والبسطات واستهتارهم بالرقابة التموينية.

إنه جشع غير مسوغ، سلبياته الكبرى تكمن في أذيته، فقد لا تقوى أم على شراء عبوة لطفلها أو مسن ليروي ظمأه مما قد يمرضهما.

والسؤال المشروع، ماذا قدمت الجهات الرسمية المُكلفة إدارة شؤون الناس، للمواطنين السوريين لمواجهة موجة الحر الشديدة، إنه لحر استثنائي، وهو حسبما تؤكد نشرات وزارة الصحة السورية قد يؤدي إلى الإصابة بـالسحايا وحمى الضنك والجلطات!!.

وهذا كله يعطي سؤالنا أهمية كبرى: ماذا قدمت وكيف ساعدت المواطن على مواجهة موجة الحر الهائلة، في وقت وصلت فيه درجة الحرارة في دمشق في 20 حزيران الجاري، إلى 43 درجة مئوية مرتفعة 9 درجات عن معدلها؟

للأسف لم أعثر على أية مبادرة رسمية، مثل تسيير شاحنات محملة بالمياه لإرواء الناس أو نصب أجهزة نفث المياه على شكل رذاذ في الساحات العامة، أو تشغيل المناهل العامة «استثناء» وفي فترة الذروة الحارة لمن لا يملك خمسة آلاف ليرة ثمن «جرعة ماء»!.

نكاد نختنق غيظاً من جمود أصحاب القرار وتكتيفهم لأيديهم في مواجهة مثل هذه الاحتياجات الحيوية للناس، سواء في الوزارات أم المكاتب التنفيذية للمحافظات أو البلديات.

صحيح أنه لا يوجد نص قانوني ملزم، لكنه عرف وتعامل منطقي مع واقعة استثنائية تحتاج إلى صهاريج وشاحنات وبراميل وعبوات!!

في أيام أقل قيظاً بكثير كان أحد عمال البلدية منذ أكثر من ستين سنة، يحمل على ظهره ضرفاً من الجلد مملوءاً بالماء يمر في حارتنا ويرش الماء على إسفلت الحارة للترطيب…! لم تكن الصهاريج قد رأت النور بعد، الماء موجود، موسم الأمطار كان جيداً في كل المحافظات السورية املؤوا الصهاريج ورطبوا الحارات والدروب والشوارع تنعشوا الناس، وتحصنوا أماكن كثيرة ضد الحرائق التي غدت شائعة.

إن هذا الأداء الإسعافي لا يعفي من العمل بجدية لاستعادة الغطاء الأخضر في سورية، فقد بات معروفاً أن الأشجار الكثيفة، تخفض الحرارة 7 درجات على الأقل بشرط أن تشكل 25 بالمئة من مساحة المدينة.

ونحن في سورية وبسبب الحرب وتداعياتها فقدنا أغلب أشجارنا، وما نعوضه ضئيل جداً، لا يتجاوز 3 ملايين شجرة في السنة.

العالم تجاوز هذه الأرقام، فلدى «الفاو» حالياً مشروع انضمت إليه 120 مدينة في 23 دولة، وكمثال عنه فإن مدينة «حيدر أباد» الهندية غرست 2.2 مليار شتلة في الفترة ما بين 2015 و2020 أي ما يقرب من 450 مليون شجيرة كل عام!!. فلننضم إليه …!!

ولدى المملكة العربية السعودية مشروع الشرق الأوسط الأخضر وينص على غرس 50 مليار شجرة في إقليم شرق المتوسط في 21 دولة أي 2،4 مليار شجرة لكل دولة، خلال عشر سنوات، علماً أن للسعودية مشروعها الثاني الخاص بها ويحتوي على 10 مليارات شجرة. رجاء وزارة الإدارة المحلية والبيئة، تواصلي مع مصلحة الأرصاد الجوية والبيئة في المملكة العربية السعودية ونسقي معها للاستفادة من هذا المشروع الذي يعني حياة جديدة لسورية.

Exit mobile version