Site icon صحيفة الوطن

هزيمة القوى اليمينية في أوروبا

| معتز خليل

انشغل العالم خلال الساعات الماضية بخبر «اكتساح» حزب العمال نتائج الانتخابات البريطانية، فضلاً عن إظهار النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، يليه تحالف الرئيس ماكرون في حين حل تحالف أقصى اليمين في البلاد ثالثاً.

نتائج الانتخابات تعكس انهياراً واضحاً في شعبية اليمين في الدولتين المتشاطئتين على بحر المانش، فهو أمر يحمل الكثير من الدلالات على الساحة البريطانية من حيث:

1- فشل المحافظين في مساعدة المواطنين البريطانيين على مواجهة غلاء المعيشة.

2- عدم النجاح في تبرير الكثير من التوجهات السياسية الخارجية، ومنها مثلاً الدعم المطلق لأوكرانيا أو الدعم الكامل لإسرائيل في هذا الوقت الحساس من حربها على غزة.

3- طرح خصخصة الكثير من المرافق الصحية، وهي قضية تمثل خطورة وحساسية بالغة لدى المواطن البريطاني الذي يعتبر أن منظومة التأمين الصحي NHS، ورغم ما فيها من عيوب، فإنها تمثل له مظلة متميزة تساعده على مواجهة ضغوط الحياة.

4- طرح رئيس حزب المحافظين ريشي سوناك الكثير من المقترحات والخطط غير الواقعية، ومنها خطة تهجير اللاجئين غير الشرعيين إلي رواندا، وهي الخطة التي أعلن حزب العمال رسمياً عن إيقافها وتوقيف العمل بها تماماً لعدم واقعيتها.

وفي هذه النقطة بالذات نلاحظ أن رئيس حزب العمال كير ستارمر، وهو وكيل نيابة سابق بالمناسبة، حرص على استغلال:

أ‌- الرفض الشعبي لهذه الخطة ووصفها باللاواقعية.

ب‌- الرفض الملكي للخطة.

ت‌- الرفض الكنيسي لها تماماً.

ليمارس ستارمر خطة في منتهى الدقة وهي التصدي للخطط السياسية وتحديداً التي لا تحظى بالقبول في الشارع وعدم تنفيذها، من أجل تنفيذ سياساته التي يطالب بها من جهة، وليكسب في الوقت ذاته شعبية في الشارع البريطاني من جهة أخرى.

ورغم أن الحياة السياسية والاجتماعية البريطانية في الأساس هي حياة يمينية، إلا أن ستارمر نجح في مزج هذه الحياة ليصبغ الأفكار اليسارية التي لا يؤمن بها الكثير من البريطانيين، ببعض من الأفكار اليمينية، لتكون صورة حزبه في الانتخابات السابقة بمنزلة تحالف يسار وسط أقرب لليمين، فاستطاع حصد 412 مقعداً، في حين انخفضت مقاعد حزب المحافظين إلى 121 مقعداً فقط، وهو أمر في منتهى الدقة في دولة مثل بريطانيا.

على الضفة الأخرى من بحر المانش، منيت الحكومة الفرنسية الحالية بهزيمة واضحة، وفي هذا الصدد أعلن رئيس وزراء فرنسا، غابرييل أتال، أنه سيتقدم باستقالته، وذلك بعد أن أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، يليه تحالف الرئيس ماكرون، في حين حل تحالف أقصى اليمين في البلاد ثالثاً.

وأضاف رئيس الوزراء: إن «نتائج الانتخابات تؤكد تجنبنا لخطر الأغلبية المطلقة لأقصى اليسار أو اليمين»، مؤكداً أنه كان قد حذر من خطر أغلبية مطلقة لأي من الطرفين.

يبدو أن أكبر دولتين في القارة الأوروبية قد شهدتا بالفعل ثورة سياسية، لا يمكن تجاهلها أو عدم التفاعل معها، وخاصة أن نتائج الانتخابات في كلتا الدولتين تعكس بالفعل جنوحاً واضحاً نحو اليسار لا يمكن تجاهله، ومن هنا يطرح تساؤل بارز مفاده: أين العرب من كل ما يجري؟

من الواضح مثلا وفي الحديث عن الانتخابات البريطانية أن ما يجري في فلسطين والدعم الذي قدمته حكومة سوناك إلى إسرائيل قد لعب دوراً استراتيجياً واضحاً في هزيمة المحافظين، فضلاً عن أن التغيرات السياسية في فرنسا تخدم بصورة أو أخرى التوجهات السياسية العربية، الأمر الذي يفرض على العرب:

1- ضرورة العمل بيد واحدة من الآن على الحوار مع باريس ولندن بصورة تتصدى لانحيازهما السافر في كثير من الأحيان لإسرائيل.

2- توضيح الحقائق في الكثير من القضايا، ومنها مثلاً القضايا السياسية المرتبطة بالشرق الأوسط ومحاولة التصدي لقوة اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل في هذه الدول.

عموما وأياً كان الموقف فإن ما جرى بالفعل يحمل الكثير من الرسائل السياسية المهمة، وهي الرسائل التي من المفترض أن يستغلها العرب في ظل تعاظم التحديات السياسية الخارجية في منطقة الشرق الأوسط برمتها الآن.

صحفي مصري مقيم في لندن

Exit mobile version