Site icon صحيفة الوطن

لماذا لم ننجح في إقامة شركات مساهمة؟! … الحلاق: إعادة الألق للشركات تتطلب تحديد هوية الاقتصاد السوري وإعادة النظر بالكثير من التشريعات

| هناء غانم

تصدرت عبارة (الشركات المساهمة) مؤخراً معظم الأخبار والتصريحات والقرارات حتى أصبحت «تريند»، رجل الأعمال محمد الحلاق قدم في جمعية العلوم الاقتصادية محاضرة تناول من خلالها أهمية الشركات المساهمة ودورها المحوري في التنمية الاقتصادية.

الحلاق بدأ حديثه بالقول: إننا كمجتمع سوري نجهل أهمية هذه الشركات وقدرتها على تحريك الاقتصاد نتيجة عدم وجود هذه الثقافة بشكل جيد، ولا نبالغ إذا قلنا إننا نخاف كمجتمع من شراء الأسهم حتى لا نفقدها نتيجة تجارب سابقة.

لكنه عاد وأكد أن الوضع اليوم مختلف تماماً لأن هذه الاستثمارات والأسهم أصبحت محمية بالقوانين والتشريعات التي تشجع على إقامة الشركات موضحاً الفائدة منها لجهة استثمار المدخرات الشخصية بشركات تجارية أو صناعية أو زراعية، من أجل توليد ضمان ربح هذه الأسهم عند اللزوم، لكن نحن بحاجة لإعادة بناء الثقة مع أصحاب المدخرات لاستثمارها في سوق الأوراق المالية.

الحلاق أوضح أن هناك عدداً من التحديات التي يجب التغلب عليها لإقامة الشركات المساهمة وتتمثل بنقص التمويل وصعوبة الحصول عليه من البنوك أو المستثمرين نتيجة للوضع الاقتصادي الصعب والعقوبات الدولية إضافة إلى البيروقراطية المعقدة مبيناً أن عملية تأسيس شركة مساهمة في سورية تتطلب العديد من الإجراءات الإدارية المعقّدة والمُكلفة للحصول على التراخيص اللازمة.

إضافة لذلك نقص المهارات حيث يفتقر أصحاب الأعمال وبعض رواد الأعمال السوريين إلى المهارات والخبرة اللازمة لإدارة شركات مساهمة ناجحة. كما أن هناك صعوبة في العثور على موظفين ذوي خبرة، مشيراً إلى أنه يمكن للقطاع الخاص لعب دور مهم في تحفيز إنشاء شركات مساهمة في سورية من خلال: الاستثمار في الشركات الناشئة مما سيوفر لهم رأس المال اللازم للنمو وتقديم الدعم الاستشاري للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لمساعدتهم على تحسين أدائهم. كما يمكن للحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني تحفيز إنشاء شركات مساهمة في سورية، مما سيساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري وخلق فرص عمل جديدة.

ولكي نتجاوز هذه التحديات، اقترح الحلاق عدة خطوات يجب على الحكومة توضيحها أولها تحديد هوية الاقتصاد السوري وتحسين بيئة الاستثمار، وإعادة النظر بالكثير من التشريعات بناءً على الهوية الاقتصادية إضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال برامج متعددة وتطوير البنية التحتية ومعالجة الفساد. من خلال هذه الجهود، يمكن للشركات المساهمة في سورية أن تلعب دوراً هاماً في إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

ويرى المحاضر أنه لابد من تسهيل عملية بيع وشراء الأسهم وتداولها بأبسط الإجراءات وأقلها تكلفة، ودعم إنشاء شركات مساهمة، تساهم بالبنى التحتية وتطويرها، من طرق وجسور وطاقة والكثير من الأمور الإستراتيجية، وذلك من خلال تسهيل تأسيس الشركات المساهمة وتأمين كل ما يلزم من أجل إنجاحها.

وذكر أن الشركات المدرجة حالياً أخذت هذا الشكل القانوني نتيجة إلزام القانون وعليه لا بد من تشجيع تأسيس شركات مساهمة في القطاعات الصناعية وتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية وغيرها مثل الطاقة والأدوية والمراكز الصحية، مع التركيز على مميزات الشركات المساهمة حيث إنها تتمتع بمعدلات ضريبية أقل من الشركات الأخرى، وحيث إن الوضوح والشفافية أعلى، وإعادة النظر بشكل حقيقي بالأسباب التي لا تزال تُعيق تحوّل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة.

ولفت إلى تسهيل عملية بيع وشراء الأسهم وتبسيط الإجراءات بالنسبة للمستثمر السوري غير المقيم، حيث إنه يعامل معاملة المستثمر الأجنبي، حيث يُطلب منه تسديد المبلغ بالقطع الأجنبي.

وأشار إلى أنه سابقاً كان هذا الإجراء إيجابياً عند بداية تأسيس الشركات، أما حالياً فهو عائق أمام المستثمر السوري غير المقيم وخاصة في حال الرغبة بزيادة رأس مال الشركات القائمة الحالية أو المراد تأسيسها، لذلك لا بد من زيادة الوعي والمعرفة بأهمية هذه الشركات ودورها الهام بالمرحلة الحالية وخاصة مع صدور القانون رقم ٤٠ وإلزام الشركات الزراعية بزيادة رأس مالها إلى ٥٠ ملياراً.

وأضاف: كما أن تشجيع وإلزام تأسيس شركات مساهمة، سوف يتيح إمكانية خلق أدوات استثمارية وتمويلية جديدة أمام الجهات الراغبة بالحصول على مصادر تمويل وأمام صغار المستثمرين ومنها على سبيل المثال الصناديق الاستثمارية وبرامج الاستثمار الجماعي وغيرها من الأدوات المنتشرة والمستخدمة حالياً في الدول الأخرى.

وأشار إلى زيادة التعريف بالحوكمة للشركات الحالية (العائلية وسواها) ورفع كفاءتها وتطوير أعمالها من خلال الغُرف والنقابات وسواها، وإدخال ثقافة الشركات المساهمة وشراء الأسهم والادخار أو الاستثمار بها، في المناهج المدرسية.

أخيراً وليس آخراً، أكد الحلاق أهمية تناغم التشريعات بين بعضها مع بعضها الآخر، لأن مدخلات صحيحة تؤدي إلى مخرجات صحيحة ضمن خط سير عمل واضح المعالم قابل للتطبيق موافق عليه من جميع عناصر العملية التجارية والصناعية والسياحية والزراعية وجميع قطاعات الأعمال.

وباعتبار عنوان المحاضرة تناول الشركات المساهمة بين الماضي والحاضر نجد أن الحلاق كان قد عرج في بداية حديثه على أهمية الشركات المساهمة في سورية وظهورها لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر مبيناً أن أهم هذه الشركات المساهمة في الماضي كانت شركة التبغ والتنباك التي أسست عام 1907، وكانت من أوائل الشركات المساهمة في سورية. وشركة النسيج السورية وكانت من أكبر الشركات الصناعية، إضافة إلى الشركة الخماسية التي أسست مطلع 1945 وشركة مصانع الحديد والصلب: أسست عام 1957، وكانت من أهم المشاريع الصناعية في سورية وغيرها.

وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن الشركات المساهمة من دون الدخول بتفاصيل هامة عن الشركة الخماسية حيث اجتمع في مطلع 1945 خمسة تجار من كبرى عائلات دمشق، وقرروا توحيد رأس مالهم وجهودهم في مشروعٍ اقتصادي ضخم عُرف باسم «الشركة التجارية الصناعية المتحدة المساهمة المغفلة» أو «الخماسية»، حيث بدأت فكرة المشاركة أيام الحرب العالمية الثانية، نتيجة نظام «الكوتا»، بحيث اجتمع عدد من التجار وصاروا يجمعون «الكوتا» المسموحة لكل واحد منهم ليستوردوا كميات أكبر من البضائع في آن واحد، حُدد رأس مال «الخماسية» بعشرة ملايين ليرة سورية، وتم رفعه عام 1948 إلى 15 مليوناً لشراء معمل للنسيج من أميركا، قوامه 400 آلة نول، بعد أن قرر المؤسسون توسيع أعمالهم لتشمل الصناعة والتجارة معاً، وكان هذا الرأسمال هو الأكبر في تاريخ سورية الصناعي، في وقت كانت ميزانية الدولة لذلك العام لا تتجاوز 107 ملايين ليرة سورية.

وحول تأثير الأزمة على الشركات المساهمة قال هناك تحديات كبيرة خلال الأزمة السورية، مما أدى وللأسف إلى تراجع دورها في الاقتصاد الوطني. كما لم يتم إنشاء شركات مساهمة جديدة خلال فترة الأزمة، فقد بلغت القيمة السوقية لأكبر 5 شركات مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية بتاريخ 1/7/2024 نحو 7.57 تريليونات ليرة سوية.

وحول مستقبل الشركات المساهمة أكد الحلاق أن عودة ازدهار الشركات المساهمة في سورية تعتمد على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتحسين بيئة الاستثمار، وخلق فرص ربحية عالية.. مشيراً إلى أن عودة الشركات المساهمة إلى سابق عهدها يعتبر ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة.

Exit mobile version