Site icon صحيفة الوطن

منظمات الضغط اليهودية – البريطانية وأساليب تأثيرها

| تحسين حلبي

لا تزال الحكومات البريطانية تسخّر قدراتها لخدمة مشروعها الذي أكدته في وعد بلفور المشؤوم ويعد حتى الآن أكبر جريمة تاريخية بحق الشعب الفلسطيني وشعوب العالم كله.

بات الحزبان التاريخيان حزب المحافظين وحزب العمال اللذان تداولا الحكم في بريطانيا خلال أكثر من قرن، يشبهان تماماً الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة في كل مواقفهما المعادية والمتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني، ويدافعان على غرار الحزبين الأميركيين عن مذابح الكيان الإسرائيلي ضد شعب لم يتوقف جيش الاحتلال عن قتل أبنائه منذ عام 1948 حتى الآن، فلا بريطانيا اعتذرت عن توظيف يهود أوروبيين لقتل الفلسطينيين وسلبهم وطنهم، ولا الولايات المتحدة قدمت اعتذارها عن قتل أكثر من مئة ألف من اليابانيين بسلاح نووي عام 1945، وهذه العلاقة بين لندن وواشنطن تشكل منذ قرن قاعدة دائمة للاستعمار وتقاسم الغنائم الإمبريالية، وهو ما أكده المفكر البريطاني مارك كورتيس مؤلف خمسة كتب عن السياسة الخارجية البريطانية في مجلته الإلكترونية «ديكلاسيفايد» في 12 تشرين الثاني الماضي حين أوضح حقيقة اتفاق الجانبين الأميركي والبريطاني على الدفاع المشترك عن المذابح الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية.

كورتيس كشف أن رئيس حزب العمال كير ستارمر أكد لرئيس حزب المحافظين الحاكم ريشي سوناك منذ انتخابه رئيساً لحزب العمال، أنه يتفق معه في تقديم كل أشكال الدعم العسكري للدفاع عن إسرائيل وما تقوم به ضد الفلسطينيين، وكان ذلك قبل الانتخابات التي فاز فيها ستارمر الذي أصبح رئيسا للحكومة الآن، ومثلما توجد مجموعة ضغط يهودية أميركية في واشنطن المعروفة باسم «آيباك»، ففي لندن أيضاً توجد مجموعة مماثلة تستخدم كلا الحزبين العمال والمحافظين، فمنظمة «أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين- سي إف آي» تضم في عضويتها بموجب ما يذكره كورتيس 80 بالمئة من أعضاء حزب المحافظين في البرلمان، وتقوم «سي إف آي» بتقديم المال لثلث وزراء حكومة المحافظين البريطانية، وتكشف المجلة الإلكترونية «اوبين ديموكراسي» أن هذه المنظمة أنفقت على 155 رحلة لأعضاء برلمانيين من حزب المحافظين إلى إسرائيل خلال عشر سنوات، وأنها قدمت مبلغ 4000 جنيه بريطاني لبعض المدعوين مثل جيمس كليفرلي، وسويلا برافيرمان في آب 2015، ويضيف كورتيس: إن نصف أعضاء حكومة الظل التابعة لحزب العمال الموالين لإسرائيل كانوا يحصلون على تمويل خاص من المنظمات اليهودية البريطانية ومن بينهم رئيس الحزب ستارمر، وهناك أعضاء برلمانيون من حزب العمال هم أعضاء في «منظمة أصدقاء إسرائيل التابعين لحزب العمال – إل إف آي» يزيد عددهم على 75 عضواً يضاف لهم 30 عضواً من مجلس اللوردات، ويكشف كورتيس أن «إسرائيل تشكل أيضاً شريكاً في عمليات التجسس مع بريطانيا، وعلى سبيل المثال كان ضابط المخابرات الأميركي المنشق عن الـ«سي أي إي» إدوارد سنودين قد كشف في إحدى الوثائق التي عرضها أن المخابرات البريطانية قدمت في عام 2009 أثناء العملية الإسرائيلية «الرصاص المسكوب» ضد قطاع غزة معلومات استخباراتية استفادت منها إسرائيل حين قتلت أكثر من 1400 من الفلسطينيين، ورفضت حكومة بريطانيا عرض اتفاقها حول التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل على الصحافة، ويبين كورتيس أن بريطانيا على غرار الولايات المتحدة تجد في إسرائيل أفضل قاعدة عسكرية سياسية لحماية المصالح والمخططات البريطانية في الشرق الأوسط ولا تقبل بالتخلي عن تقديم كل ما ترغب إسرائيل في الحصول عليه من دعم.

بهذا الشكل يصبح اللوبي اليهودي في بريطانيا قادراً على تجنيد وزراء وأعضاء برلمان ويقدم لهم المال الشخصي والتمويل لحملاتهم الانتخابية، ويصبح صاحب نفوذ قوي ظهر دوره حين شن حملات معادية ضد رئيس حزب العمال السابق جيرمي كوربين واتهمه بمعاداة السامية لأنه ندد بالمذابح الإسرائيلية، ونجح هذا اللوبي اليهودي في لندن بإقالة كوربين من رئاسة الحزب بعد تقديم المال لأكبر عدد من أعضاء الحزب، بهدف منع بقائه رئيساً لحزب العمال.

لا تقتصر سياسة إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية فقط على تشكيل منظمات الضغط والنفوذ لتمرير سياساتها، بل هي توظف وتستخدم أجهزة استخباراتها ومنها جهاز «التجسس والمهام الخاصة – الموساد» لابتزاز الحكام المتنفذين عن طريق التجسس على حياتهم الشخصية وتهديدهم باستغلالها ضدهم إذا لم يتجاوبوا مع سياسات إسرائيل ومن لا يخضع لهم بالإغراءات المالية يبتكرون له وسائل شريرة وإشاعات تلحق الضرر به لكي ينصاع لهم، وسجلات الكيان الإسرائيلي في هذا المجال معروفة في مختلف أنحاء العالم.

Exit mobile version