Site icon صحيفة الوطن

ما الذي تقدمه لنا السينما وهل غابت من حياتنا بطقوسها المعروفة؟ … أنزور لـ«الوطن»: السينما في الذاكرة طابور التذاكر وضجيج الجمهور

| مصعب أيوب

السينما تمثل الناس وتقدم مشاريع تعبر عنهم وتشرح واقعهم وهي ليست حكراً على تنظيم معين أو إقليم بذاته أو دولة محددة، بل إنها أسلوب للتواصل البشري بطريقة أو بأخرى، كما أن الأفلام تعلم المتلقي ثقافات الشعوب التي تأتي منها، وهي في كثير من الأحيان تعرفنا أحداثاً تاريخية ما كنا لنتعرف عليها لولا السينما، على حين أن نسبة كبيرة من الناس تعتقد أن السينما مجرد تسلية ومضيعة للوقت، وتتنوع موضوعاتها بين التاريخي والدراما والخيال العلمي والروائي والتوثيقي والكوميدي والأكشن والرعب، إضافة إلى الدور الترفيهي والثقافي المهم الذي تقدمه من خلال كثير من الأعمال الاجتماعية.

توجيه الاهتمام وتكوين الأفكار

يستطيع صنّاع الأفلام التعبير عن وجهات نظرهم ونقل آرائهم وتطلعاتهم ومعتقداتهم إلى الجمهور، وهذا بالطبع لا يعطي الحق للسينمائيين بتقديم ما يريدونه من الرسائل للجمهور، ولا بد من الالتزام بما يلائم ذائقته واهتماماته.

كما أن السينما تمثل قوة مهمة في تحريك المشاعر وتوجيه الاهتمام وهي تتعدى فكرة جني الأموال وتحقيق الربح المادي، فتساعدنا في فهم الآخرين وفهم أنفسنا لتجعل من المتلقي إنساناً أكثر نضجاً ووعياً من خلال تنمية معارفه، فربما يصعب على أحدنا فهم ما يتلقاه من معلومات ولا يستطيع إدراك حقيقة ما حوله، ولكن السينما تساعدنا في ذلك كثيراً في غضون ساعة ونصف الساعة أو ساعتين من الوقت، فهي تركز على جزئيات مصغرة من حياتنا ربما ما كنا لندركها لولا الفيلم الذي يسلط بدوره الضوء عليها بإيضاح الزوايا المخفية أو المعتمة في حياتنا وإظهار الجوانب غير الواضحة في واقعنا، علاوة على أن الأفلام تقدم لنا نماذج أخلاقية واجتماعية وإنسانية وتطرح أسئلة شائكة وتحفز العقل على إيجاد إجابات لها أو تغوص في أعماق النفس البشرية فتترك للمتلقي مهمة البحث والتقصي في سبيل ذلك.

مواضيع متنوعة

تذكرنا الأفلام الرومانسية بالحب وبأهميته في حياتنا وتأجج المشاعر بداخلنا وربما تكشف لنا بعض عيوبنا وتوضح لنا فهم الطرف الآخر، كما أن كثيراً من الأفلام الاجتماعية الدرامية تشجع المتلقي في التغلب على الآلام والهموم والتفكير بإيجابية وخلع كل ما هو سلبي، فهي تشحنه بالطاقة والتفاؤل وتزرع فيه الأمل.

وقد ظهرت خلال الحقبة الأخيرة نسبة كبيرة من الأفلام التي استعرضت ظواهر اجتماعية سيئة ومدمرة، فاستعرضت الآثار السلبية للمخدرات وأضاءت على ما يصنعه الكحول بشاربه، ولاسيما عندما تحكي هذه الأفلام عن بلدان تفتقد للتنظيم الإداري وبعيدة عن القانون الذي يحكم علاقات البشر.

كما تروي الكثير من الأفلام التاريخية حقائق ومواثيق لأحداث مهمة جرت في الماضي بتواريخ محددة، فهي تصور أحداثاً جرت في الماضي ولكن بأجهزة وتقنيات حديثة فتربط الحاضر بالماضي ومنها أفلام حرب فيتنام وأفلام الحرب العالمية الثانية، وإن كانت هذه الأفلام موجهة لخدمة فئة معينة وربما لا تقدم حقائق موضوعية مئة بالمئة، إلا أنها تستند في جوهرها إلى أحداث تاريخية محورية، ومن أمثلتها أيضاً الأفلام التي تحدثت ووثقت للحرب الأخيرة التي شهدتها سورية كـ«فانية وتتبدد» و«مطر حمص» و«أنا وأنت وأمي وأبي» و«رد القضاء» و«غيوم داكنة».

على حين يرى كثيرون أن أفلام الأكشن والقتال تشجع على العنف وكذلك الكثير من الأفلام التي وضعت الآباء أمام تحديات كبيرة في تربية الأبناء واستخدام إستراتيجيات ومنهجيات معينة للتعامل معهم، ولاسيما أن السينما كما أسلفنا احتلت البيوت وولجت إلى حياتنا شئنا أم أبينا.

وقد تم تسخير السينما سياسياً في خدمة مواضيع معينة، بحيث يلجأ إليها بعض القادة أو أصحاب النفوذ في كثير من الأحيان لتشكيل رأي عام حول موضوع معين أو صرف نظر واهتمام الجمهور بقضية ما وإشغالهم بقضايا أخرى، وهو ما بات يخدم أولئك بصورة أفضل بعد دخول الترجمة إلى الأفلام وسهولة وصولها إلى الجهة المطلوبة أو المستهدفة بسرعة وسهولة.

والفيلم في نهاية الأمر يشكل توجهاً شخصياً، فما تأخذه أنت من فيلم ما ليس بالضرورة أن يكون نفسه ما يأخذه غيرك، وما تجده أنت في هذا البطل أو تلك الشخصية ربما لا يجدها المشاهد الآخر، إلا أنها كما أشرنا سابقاً تبقى وسيلة تساعد الشخص في فهم الناس من حوله والنظر إلى حياته من زوايا متعددة، وهذا ما أكده المخرج يزن أنزور في حديث لـ«الوطن» عند عرض فيلمه (خلص الشحن)، بحيث أن الغاية من متابعة الأفلام تختلف من شخص لآخر، فالفرد العادي ربما يرتاد السينما ليحظى بفترة من المرح وقضاء الوقت، على حين أنه ربما يدخل شخص ناقد ومهتم بالواقع السينمائي إلى صالة العرض غايته أن يرى شيئاً معرفياً وثقافياً عميقاً.

صالات العرض

استطاعت السينما أن تحجز لنفسها مكاناً مهماً في المدن كسائر المباني المهمة والمعالم البارزة في المدينة كالملعب أو المدرسة والمستشفى وغيرها، وبالنسبة لقاعات وصالات العرض لم تكن مكاناً محبباً لروادها فحسب، بل هي مكان فيه روح تجمع المحبين ببعضهم الذين اعتادوا زيارة السينما برفقة بعضهم بعضاً وتقاسموا الآراء فيما بينهم وتبادلوا التأويلات والتفسيرات حول قضية فيلم ما وحول ما شاهدوه من العروض، وربما أحدهم تبنى رؤية وتطلعات أحد أبطال القصة، فتتيح لنا صالات العرض معرفة الأشخاص الذين يشبهوننا في توجهاتهم واهتماماتهم، وعليه فهذه الصالات تعد منتدىً اجتماعياً وثقافياً مهماً.

الأفلام اليوم لم تعد قاصرة على دور العرض في السينما فحسب، بل كل واحد منا راح يمتلك صالة عرض مصغرة في هاتفه الذكي ويمكنه اختيار الفيلم الذي يريده وربما هذه إحدى ميزات التكنولوجيا الحديثة، ولكن عشاق السينما والأوفياء والمخلصين لهذا الفن الأصيل لم ترق لهم هذه الفكرة، فالسينما عندهم هي طابور التذاكر وضجيج الجمهور وصوت أقدامهم دخولاً وخروجاً إلى الصالة ويجدون أن الهواتف النقالة اليوم احتلت شيئاً من روح وعبق السينما اللذين أصبحا غائبين وغير موجودين.

عمق وبعد معرفي

وشرح أنزور أن السينما هي هوية الشعوب وهي المسرح والشعر والصورة والرسم وهي جملة من الفنون المتكاملة الموجودة في طرح متكامل تحت مسمى السينما، والفن السابع هو أحلامنا التي نقوم بتحويلها من الورق إلى الواقع ليستطيع المتابع العادي رؤيتها، وهي لا بد أن تتضمن جانباً ترفيهياً والتسلية عنصر أساسي فيها، لكنها ليست تسلية بحتة، مؤكداً أن الأفلام التوعوية وذات العمق والبعد المعرفي ليس شرطاً أن تكون خالية من التسلية، وهناك الكثير من الأفلام الشهيرة ذات الطروحات المهمة والعظيمة لم تخل من بعض التسلية والترفيه، ونحن كشعوب نقدم من خلال السينما تاريخنا وأفكارنا ومشاريعنا وآمالنا ويمكننا تقديم الكثير من الرسائل بوساطة السينما للحضارات والشعوب الأخرى.

حالة غير صحية

وأشار مخرج فيلم «خلص الشحن» إلى أننا نحن السوريين ذواقون للسينما ومنجذبون لها ولكن الواقع الاقتصادي والظرف المرير ربما أثر بشكل أو بآخر في ذلك، فلجأ عدد كبير من صناع وأهل السينما إلى القطاع الدرامي التلفزيوني وابتعدوا عن شباك التذاكر في سبيل تحقيق مكاسب مادية أفضل، إضافة إلى أن المنتجين راحوا يعكفون عن دفع الأموال في سبيل إنتاج أعمال سينمائية ربما لا يحضرها إلا عدد قليل في دور العرض، بحيث بات بالإمكان مشاهدتها بضغطة زر بوساطة التكنولوجيا ومنصات العرض الإلكترونية، وهو ما وصفه بأنه حالة غير صحية بحيث أن الأفضل أن تحضر العروض في صالات السينما لما لها من وقع في النفوس وأثر بالغ في المتلقي ولاسيما أن المشاهد عبر شاشة الهاتف النقال تفقد الفيلم ألقه وبريقه.

سينما لطيفة وخفيفة

وأردف أنزور أن مفهوم السينما التجارية مفهوم خاطئ، بحيث أن السينما موجهة لكل طبقات المجتمع وهدفها أن يشاهدها المتلقي ويتفاعل معها وتشبع رغبته بالمتعة بمفردات بسيطة وسهلة يمكن أن يتلقاها المشاهد بيسر، وقال: عادةً يتم استهداف الطبقة المثقفة في السينما والمهرجانات وهو ما جعل السينما تبتعد عن اهتمامات الجمهور العادي البسيط، مؤكداً أهمية وجود سينما تجارية تدعم السينما الثقافية فيجب علينا أن نقدم سينما لطيفة بطريقة فنية عالية وفي الوقت ذاته بحبكة وحدوتة مفهومة وواضحة للمشاهد بكل اهتماماته وتوجهاته وأنواعه ومن ضمنها بعض الأفكار العميقة للمشاهد الذي يريد التعمق بشكل أكبر.

وتابع: السينما مرآة للمجتمع فالكثير من القضايا يمكننا التكلم عنها وفي محورها من خلال السينما وأنا أؤمن بفكرة الرسائل التي تحملها السينما وأفضل أن أقدم أفلاماً لم تطرح سابقاً أو طرحت ولكن على عجل ولم تأخذ حقها كما ينبغي وأتمنى أن نقدم طرحاً جديداً بشكل أعمق عن مشاكلنا الحقيقية ويتاح لنا رقابياً أن ننتقد بطريقة بناءة بشكل شبه حقيقي يمكن للمشاهد معرفة أن الفيلم يعنيه كإنسان.

Exit mobile version