Site icon صحيفة الوطن

«الكنيست» الإسرائيلي: الأمر لـ«شرعتي» أنا لا لـ«شرعة» الأمم المتحدة!

| عبد المنعم علي عيسى

صوت «الكنيست» الإسرائيلي يوم الخميس 18 تموز الجاري على مشروع قرار يرفض فيه إقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، فيما الذريعة التي احتواها نص القرار تقول: إن مثل دولة كهذه ستشكل «خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها»، وأضاف: «لن يستغرق الأمر سوى وقت قصير حتى تستولي حماس على الدولة الفلسطينية وتحويلها إلى قاعدة إرهابية إسلامية متطرفة هدفها القضاء على دولة إسرائيل».

صوت لمصلحة القرار 68 عضواً في «الكنيست» فيما رفضه 9 أعضاء فقط، واللافت في الخريطة السياسية الناجمة عن ذلك التصويت أمران اثنان، أولاهما عدد الأعضاء المتغيبين عن الجلسة الذي بلغ 43 عضواً، ما يشير إلى أن هؤلاء جرى تغييبهم على الأرجح لكي لا تتلطخ «الصورة» التي مفادها بأن هناك إجماعاً داخلياً لرفض فكرة قيام دولة فلسطينية، من دون أن يعني ذلك أن هؤلاء، فيما لو حضروا، فلسوف تكون هناك صورة نقيضة لتلك التي صدرتها جلسة الخميس آنفة الذكر، فـ«الكنيست» ومنذ أن جرى الإعلان عن تأسيسه، شهر شباط من العام 1949، لم يفرز أغلبية تقبل بقيام دولة فلسطينية، وثانيهما أن العضو السابق في مجلس الحرب الذي يتزعم «المعارضة» الإسرائيلية بيني غانتس، كان قد صوت لمصلحة القرار من دون تحفظ على الرغم من أنه يسعى في كل سياساته حتى تلك التي انتهجها خلال وجوده في «كابينت الحرب» إلى إسقاط حكومة نتنياهو، والراجح هنا أن رفض غانتس للقرار كان فعلاً من شأنه أن يعمق جراح هذا الأخير فيما لو فعل، لكنه فضل أن يهدي نتنياهو «درعاً» يمكن له أن يزيد من قوته غداة زيارته إلى واشنطن التي سيلقي فيها أمام «الكونغرس» الأميركي كلمة يرمي من خلالها للحصول على مزيد من الدعم الذي بات مشوبا بالعديد من المواقف «الرمادية» على وقع المجازر التي يرتكبها جيشه في غزة والتي ترقى، وفق «الجنائية» و«العدل» الدوليتين، إلى مصاف الإبادة الجماعية.

تصويت «الكنيست» الإسرائيلي فيه تصعيد ومحاولة لنسف الجهود الأميركية الرامية لإعادة الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى طاولة المفاوضات من جديد، واللكنة هنا تبدو مختلفة عن تلك التي استخدمها قبل أشهر، في شباط المنصرم، عندما رفض أي «اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية»، وعليه يبقى السؤال الأهم هنا: على ماذا سوف يتفاوض الفلسطينيون؟ ثم إلى ماذا تهدف واشنطن من خلال مساعيها الرامية كما تقول لعودة هؤلاء إلى طاولة المفاوضات؟ والمؤكد هنا أن الإجابة الحاسمة عن هذا التساؤل الأخير تقول إن تلك المرامي تنحصر في محاولة إثبات أن «أوسلو» لا يزال «حياً يرزق»، وفي الطيات، أي طيات المرامي، يمكن أن تلمس أمراً آخر يتمثل في محاولة إنشاء «سد» عازل أمام الضفة الغربية لكي لا يصلها «الطوفان»، وفي مطلق الأحوال جاء التصعيد الذي انتهجه «الكنيست» عاكساً تماماً للمزاج العام السائد في إسرائيل، ففي أتون الحديث عن تقاربات محتملة بين هذي الأخيرة وبين المملكة العربية السعودية نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أواخر شهر أيار المنصرم، استطلاعاً للرأي قالت نتيجته إن «64 بالمئة من الإسرائيليين يعارضون إقامة دولة فلسطينية حتى ولو كان ذلك ثمنا للتطبيع مع السعودية»، وفي حال كهذه فإن مواقف «الحكومة الإسرائيلية» ومعها «الكنيست» ستجد نفسها في موقع القوة الذي يحميها من الضغوط أياً بلغ حجمها لأنها ببساطة سوف تقول، إذا ما أضحت الضغوط غير محتملة، بأن الاستفتاء الشعبي على خطوة من هذا النوع هو الوحيد الذي يمكن له أن يحسم الأمر.

أجرت الجمعية العامة بالأمم المتحدة شهر أيار الفائت تصويتاً على حق فلسطين بالحصول على «العضوية الكاملة»، ونتيجة التصويت جاءت لتؤكد دعم 143 عضواً لذلك الحق ومعارضة 9 أعضاء فقط، والقرار المعتمد بنتيجة التصويت كان قد أكد على قناعة الجمعية العامة بأن «دولة فلسطين مؤهلة تماماً لعضوية الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها»، وكذا أوصى «مجلس الأمن» بوجوب «إعادة النظر في الطلب»، وهي الإعادة التي أفشلتها الولايات المتحدة شهر نيسان الماضي عندما وقفت في «مجلس الأمن» وحيدة، مع امتناع سويسرا والمملكة المتحدة عن التصويت، ضد 12 عضواً أيدوا حصول فلسطين على العضوية الكاملة، وما تشير إليه تلك الجلسة الصاخبة، ثم عاد وكرسها تصويت «الكنيست» يوم الخميس الماضي، هو أن إسرائيل تقف في ضفة، والعالم كله تقريباً، في ضفة أخرى، وما قاله السفير الإسرائيلي جلعاد أردان يشير بوضوح إلى ذلك، ففي كلمته التي ألقاها عشية التصويت على مشروع القرار قال إن الأمم المتحدة «ترتكب ذنباً لا يغتفر، وتبصق على القيم ذاتها التي صيغت لتلتزم بها تلك المنظمة»، ثم ختم بالقول «عار عليكم».

إذاً «عار» على العالم أن يعترف بحق شعب في الحياة، وبحقه في إقامة دولته على أرضه التاريخية، و«الشرف» كله يتجلى في تأييد مجازر إسرائيل التي فاقت نظيرتها عند «النازيين»، وذاك خطاب يضع إسرائيل برمتها في حالة تضاد مع العالم لتجد نفسها في السفينة عينها التي أبحر فيها نظام «الفصل العنصري» بجنوب إفريقيا منذ العام 1987 وصولاً إلى سقوطه بعد سبعة أعوام من هذا التاريخ الأخير.

ستغرق الكينونة الإسرائيلية ولو أبحرت في مركب من ذهب لأنها ضد منطق التاريخ والإنسانية.

كاتب سوري

Exit mobile version