Site icon صحيفة الوطن

الحوار الفلسطيني حرث جديد في الماء

| نعيم إبراهيم

انفض حوار الصين الفلسطيني- الفلسطيني الذي رعته بكين، واتفق المجتمعون على ضم الفصائل والقوى الفلسطينية كافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس محمود عباس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد.

كما اتفق المتحاورون على الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة طبقاً لقرار 194 وعلى تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي وفقاً لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 أيار 2011، حتى يتم تشكيل المجلس الوطني الجديد وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية، مؤكدين رفضهم الحازم لكل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه أو مصادرة قراره الوطني المستقل.

حوار الصين الفلسطيني يأتي بعد لقاءات عديدة على مر السنوات الماضية وآخرها في موسكو- روسيا 2024، وفي تركيا كانون الأول 2023، وفي مدينة العلمين المصرية تموز 2023، وفي الجزائر تشرين الأول 2022، وغيرها دون أن تُسفر عن خطوات عملية لإنهاء الخلافات.

واليوم ما اتفق عليه ضيوف الصين ليس جديداً ألبتة، بل على العكس من ذلك كان متوقعاً من الجميع في الساحة الفلسطينية من شعب وسلطة وقوى وفصائل وشرائح مختلفة، أي إن هؤلاء الذين تجشموا عناء السفر إلى هذا البلد البعيد بدعوة كريمة منه، أبوا إلا أن يجددوا الحرث في الماء، ويبتعدوا عن جوهر الملفات المطروحة ليقدموا وعوداً كما في السابق «لا تسمن ولا تغني من جوع» وقد سال مداد كثير من أجلها، ومن يبحث في متحف الحوار الفلسطيني – الفلسطيني منذ العام 1965 فسيجدها في أدراج الأرشيف تختلف في الصياغات للألفاظ والمصطلحات وترتيب الجمل المنمقة، ولا أقول ذلك من باب التندر أو الاعتراض على الحوار والمصالحة والوحدة وحتى القواسم المشتركة التي لم يصلوا إليها، إنما على عدم مصداقية كثير من أصحاب القرار في الساحة الفلسطينية.

ما جرى في الصين لم يكن على مستوى الحدث الفلسطيني داخل وخارج فلسطين المحتلة والمواجهة الفلسطينية والعربية الجمعية المطلوبة ضد حرب الإبادة الجماعية والعدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني ووطنه من النهر إلى البحر.

تغنى الجميع بمعزوفة إنهاء الانقسام بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني في الوحدة الوطنية والحرية والاستقلال الوطني، غير أن تغريبة غزة الآن وما قبلها فضحت المستور في ملف المصالحة والحوار والوحدة الوطنية، حيث ما زالت الخلافات والاختلافات متجذرة لدى جميع مكونات الطيف السياسي الفلسطيني، وكأن ما يجري من حرب إبادة صهيونية شاملة ضد الأرض والإنسان لم يحرك ساكناً في تحقيق تقدم ملموس على صعيد هذا الملف بسبب تمسك كل طرف بمواقفه وأجنداته الخاصة به.

فهل يستطيع الأربعة عشر فصيلاً الذين تحاوروا وتسامروا في الصين وتركوا أقرانا لهم في الشارع لم تتم دعوتهم إلى بكين، على ضوء البيان الختامي إصلاح ذات البين وإعادة الأمور إلى نصابها فلسطينياً على الصعد كافة من منظمة التحرير والمجلس الوطني والمقاومة بكل أشكالها والوحدة الوطنية.

أذكر بعض بنود حوار الصين التي تتطرق إلى ذلك، وأترك استخلاص النتائج للقارئ المهتم، حيث جاء في البند الثالث:

انطلاقاً من اتفاقية الوفاق الوطني التي وقعت في القاهرة بتاريخ 4/5/2011 وإعلان الجزائر الذي وقع في 12/10/2022، الاستمرار في متابعة تنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام بمساعدة الشقيقتين مصر والجزائر والأصدقاء في جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وفق ما يلي:

– الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

– تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، على أن تبدأ الحكومة بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد.

– وإلى أن يتم تنفيذ الخطوات العملية لتشكيل المجلس الوطني الجديد وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تم تأكيد الاتفاق على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي وفقا لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 أيار 2011.

للتدليل على ما ذهبت إليه في هذا المقال، أشير فقط إلى ما قاله أحد أعضاء الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين خلال فعالية حول استهداف الاحتلال الصهيوني للصحفيين في ظل عدوانه المستمر على قطاع غزة: «قريباً جداً ستتم إعادة توحيد اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في جسم واحد وإنهاء تشظيه بين رام اللـه ودمشق وباقي الساحات».

طبعاً مثل هذا الكلام سمعناه مراراً وتكراراً وفي مناسبات شتى منذ توقيع اتفاقات أوسلو في العام 1993 وحتى الآن حيث بقي الداء لا بل استفحل أكثر مع مرور الزمن، وبقي المريض يعاني سكرات الموت إن لم يكن قد فارق الحياة فعلاً، لكنهم يصرون على الاحتفاظ بجثته في المتحف الراهن لإلقاء نظرة الوداع عليها والترحم على صاحبها رغم تعفنها.

أعتقد أن هذا المثال تأكيد جلي على أن ما تمخض عن حوار الصين الفلسطيني حول المصالحة والوحدة الوطنية ومنظمة التحرير والمجلس الوطني وغير ذلك على صعيد البيت الداخلي، سيكون مآله الفشل الذريع والموت. وربما سنجد من ينادي بعد ذلك بحوار جديد تحت عنوان: «اطلبوا الحوار الفلسطيني ولو كان ما بعد الصين».

إعلامي فلسطيني مقيم في دمشق

Exit mobile version