Site icon صحيفة الوطن

تركيا والتطبيع والسيادة الوطنية السورية

| د. قحطان السيوفي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان لاعباً لكرة القدم، أتى من كهوف التطرف، واقتحم ميدان السياسة بلباسه الرياضي، وفي هجمة سياسية داخلية تكتك على فريقه أولاً ليخرجه ويبقى الرجل الأوحد في الملعب، وحاول إعادة رسم الخرائط السياسية والثقافية، باتجاه تركيا العثمانية التوسعية، لعب على حبال السياسة وأعاد التموضع في السياسة الخارجية محاولاً تطبيع العلاقات مع قوى مختلفة وأساسية في المنطقة كان على علاقات صدام معها.

يقول المحللون السياسيون إن تركيا الآن في وضع صعب، ويأتي ذلك «في ظل المنافسة الحاصلة بين المعارضة وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم للتقارب مع سورية.

خلال كلمة له أمام قمة حلف شمال الأطلسي الـ«ناتو»، التي انعقدت مؤخراً بالولايات المتحدة الأميركية، قال أردوغان: إن «التفكير في إنشاء دولة إرهابية في منطقتنا هو حلم كبير إلى البعض»، وإن ذلك الحلم «لن يتحقق أبداً»، ومن الواضح أن الكلام كان موجهاً، بالدرجة الأولى، إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكن الأمر لم يثر حفيظة هذه الأخيرة كما يبدو، الخارجية الأميركية، تجاهلت التصريح رغم حدته، وذكرت أن واشنطن على «اطلاع بخصوص الجهود التركية للتطبيع مع سورية»، وأنها «لا تعارض تلك الخطوة».

بالمقابل سورية تتخذ موقفاً وطنياً ثابتاً من الاندفاعة التركية، وآخر دعوات أردوغان كانت للصحفيين وهو على متن الطائرة العائدة به من واشنطن: «سنوجه دعوتنا للرئيس الأسد، وبهذه الدعوة، نريد استعادة العلاقات التركية- السورية إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه في الماضي».

أواخر حزيران 2024 قال أردوغان إنه لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسورية، مشيراً إلى أنه لا يستبعد احتمال عقد اجتماع مع نظيره السوري الرئيس الأسد للمساعدة في استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين.

وتابع: «نحن مستعدون للعمل معاً على تطوير هذه العلاقات مع سورية بالطريقة نفسها التي عملنا بها في الماضي»، وأضاف: «إن الشعبين التركي والسوري شقيقان ويعيشان جنباً إلى جنب».

في السابع من تموز 2024 قال أردوغان: «وصلنا الآن إلى نقطة أنه بمجرد أن يتخذ الرئيس الأسد خطوة نحو تحسين العلاقات مع تركيا، سنظهر له النهج نفسه»، وأضاف: «قد عقدنا لقاءات (في الماضي) مع السيد الأسد، وحتى لقاءات عائلية، ويستحيل أن نقول إن ذلك لن يحدث في المستقبل، بل يمكن أن يحدث مرة أخرى».

الرئيس الأسد، بدبلوماسيته الوطنية كان قد كسر جزءاً من الجمود وأعلن مؤخراً بوضوح «الانفتاح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا»، وقال: إن تلك المبادرات يجب أن تكون «مستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته».

أكد الرئيس الأسد أن ما حددته دمشق لإعادة العلاقات مع أنقرة لشكلها الطبيعي ليست شروطاً بل هي متطلبات يفرضها القانون الدولي وطبيعة العلاقات بين الدول.

واختتم: «عندما نؤكد المبادئ والمتطلبات، فهذا انطلاقاً من حرصنا على نجاح العملية، وليس تشدداً ولا تردداً، فلا يوجد لدينا تردد»، وأصدرت وزارة خارجية الجمهورية العربية السورية بياناً علقت فيه على تصريحات أردوغان لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها، وقال البيان: إن «سورية أكدت أن عودة العلاقة الطبيعية مع تركيا تقوم على عودة الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2011، وهو الأساس لأمن وسلامة واستقرار البلدين»، مشيراً إلى أن «مصلحة الدول تُبنى على العلاقة السليمة فيما بينها، وليس على التصادم أو العدائية».

وأضاف البيان: في الوقت الذي تتوالى فيه المواقف والتصريحات حول العلاقة بين سورية وتركيا، تود الجمهورية العربية السورية التذكير بأنها حرصت دائماً على التمييز الواضح بين الشعوب من جهة وسياسات وممارسات الحكومات التي ألحقت الأذى بسورية وبدولها من جهة أخرى، وفق ما أثبتته الوقائع والأحداث.

وسورية أكدت على الأسس التي يجب أن تبنى على أساسها العلاقات بين البلدين، ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوّة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية، وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً.

المحللون يرون أن «الاندفاعة التركية» الحاصلة نحو التطبيع مع سورية ترتبط بعدة مواضيع: أولها قضية اللاجئين السوريين وضرورة عودتهم إلى بلادهم، والثانية تتمثل بـ«الخطر» الذي يشكله «حزب العمال الكردستاني» على الأمن القومي التركي و«قوات سورية الديمقراطية- قسد» المدعومة من الولايات المتحدة.

ويعتقد المحللون أن «الاندفاعة التركية» الحاصلة لا يمكن فصلها عن «الاستعداد لتحول محتمل في الموقف الأميركي في سورية في حال عودة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب للبيت الأبيض».

إن اندفاعة الرئيس التركي نحو التطبيع مع سورية «متعلقة بمصالح تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم»، وترتبط أيضاً بـ«مشكلة اللاجئين والأحداث الأخيرة» التي حصلت في قيصري.

وتستضيف تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري علماً أن «قضية الهجرة كانت قد لعبت دوراً في خسارة أصوات حزب أردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة، وبمساعي أردوغان «للخروج من العزلة التي فرضتها مواقفه السابقة من الربيع العربي أن «الرئيس التركي يريد حل مشكلة اللاجئين بالتشاور مع سورية».

المراقبون يرون أن اندفاعة أردوغان للتطبيع مع سورية ترتبط بـ«التهديد الذي تشكله وحدات حماية الشعب الإرهابية»، ويرى المراقبون أن «التغييرات في سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية والشرق الأوسط الأوسع يمكن أن تؤثر أيضاً في إستراتيجية تركيا».

إن مبادرة أردوغان للتطبيع مع سورية وما تظهره نيات التطبيع تُشير إلى أن هذه العملية ستكون مساراً طويلاً وربما مملوءاً بالألغام.

انتقاد أردوغان للإدارة الأميركية حيال الأزمة السورية، وتحديداً منها الدعم الذي تقدمه الأخيرة لـ«قوات سورية الديمقراطية- قسد»، وتفضيل واشنطن أسلوب التراجع منعاً للصدام، يعني تماماً أن الطريق الذي يسعى أردوغان لسلوكه منذ حين بات أمراً مرجحاً في ظل هذا المعطى الجديد، وربما تكون واشنطن قررت الاستجابة لمطالب «الأمن القومي التركي» التي لطالما اعتبرتها أنقرة أردوغان بنداً أولاً وشرطاً لا بديل منه، لعودة العلاقة التركية- الأميركية إلى عهودها السابقة، الأمر الذي يعني أن طريق أنقرة- دمشق زالت من على جنباته عقبة كبرى من دون أن يعني ذلك زوال كل العقبات، وتذليلها سوف يحتاج لجهود كبرى عبر التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي من على متن الطائرة التي أقلته في طريق العودة إلى بلاده حين قال: «يجب أن تدعم كل من الولايات المتحدة وإيران تطبيع علاقاتنا مع سورية».

الانعطافة التركية تعكس تلمس أردوغان اتجاه الرياح المقبلة على المنطقة، وسورية في قلبها، وحصول تغييرات إيجابية مهمة على المشهد السوري، الأمر الذي دفع أردوغان للبحث عن تسوية سياسية مع الرئيس الأسد بغض النظر عن المسارات الأخرى بدءاً من «جنيف» إلى «فيينا» ثم وصولاً إلى «سوتشي» و«أستانا»، ولكن ضمن السيادة الوطنية السورية.

وزير وسفير سوري سابق

Exit mobile version