Site icon صحيفة الوطن

أولمبياد الشكوى!

| فراس عزيز ديب

لو أردنا أن نلخص أولمبياد باريس حتى الآن بعيداً عن النتائج الرياضية، لقلنا بإنه أولمبياد الشكوى!

أهالي العاصمة الفرنسية كانوا أول من رفع شعار الشكوى قبل البطولة بأسابيع، إن كان لجهة رفع أسعار الكثير من المرافق العامة، أم لجهة قطع الكثير من الطرقات، لدرجة دفعت كثيرين منهم إلى اختيار موعد عطلتهم الصيفية بصورة متزامنة مع انعقاد الأولمبياد ليتمكنوا من الترحال إلى منطقة أخرى بقصد السياحة والابتعاد عن العاصمة، وبدل أن يكون الأولمبياد فرصة للترفيه عن سكان العاصمة بات نقمة دفعتهم للهروب.

في السياق ذاته لم تكن حال المشردين أفضل من حال أصحاب المنازل، فمصطلح SDF هو كناية عن الأشخاص الذين ينامون في الشوارع، أي من لا يمتلكون منازل، بعضهم بالتأكيد وصل إلى هذه الحال نتيجة خللٍ ما جعله يفقد كل ما يملك كالسكّر والقمار، وبعضهم الآخر ينام في الشارع لأنه ببساطة لا يريد العمل ودفع الضرائب، تبدو هذه الظاهرة في المدن الفرنسية الكبرى أكثر وضوحاً من مثيلاتها الصغرى، لكن قبل انطلاق الأولمبياد بأيام قامت البلدية بجمع كل هؤلاء ونقلهم إلى مركز استضافة مؤقت، على اعتبار أن وجودهم في الشوارع بهذه الطريقة يسيء إلى مظهر مدينة النور التي تستضيف الحدث الرياضي الأضخم في العالم.

شيء ما يشبه ما تقوم به الجهات المعنية في شرقنا البائس من تحسين للمظهر الخارجي، عند قيام مسؤول ما بجولةٍ تفقدية، هؤلاء بدؤوا في الساعات الأخيرة يشتكون من حجز حرياتهم، أحد المسؤولين غمز من جهة أن سبب انزعاجهم هو انخفاض دخلهم المادي نتيجة لما كانوا يحصلون عليه نتيجة التسول، أو ما يعطيهم الآخرون من مساعدات لهم ولكلابهم التي ترافقهم.

الشكوى أيضاً وصلت إلى أعضاء الكثير من الوفود المشاركة، إن كان لنوعية الخدمات المقدمة في القرية الأولمبية كالحمامات المشتركة، أو حتى نوعية الطعام التي تفرض وجود ما نسبته أكثر من ستين بالمئة من الطعام النباتي، ما اضطر الكثير من الوفود لمغادرة القرية الأولمبية والاستقرار في فنادق على نفقتهم الخاصة، معبرين عن استيائهم من الطريقة التي تدار بها هذه القرية بما في ذلك ارتفاع حجم سرقات الأشياء الشخصية من مجوهرات ومستلزمات تدريب، ليصبح السؤال فعلياً، هل يعيش العالم في أولمبياد رياضي أم أولمبياد للشكوى!

هذه الأفكار تعود بنا إلى مقولة «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، كما تعود بنا أساساً إلى الشكوى كمفهومٍ عام، هل هي متناسبة طرداً مع حجم الصعوبات؟ أم هي فعلياً أقرب لكي تكون حالة نفسية تمنع البعض من رؤية الإيجابيات بتعويم السلبيات؟

بصراحة وبعيداً عن أخبار الأولمبياد، يبدو الجواب عن هذه المقاربة أياً كان تبريراً للفشل اللاحق للشكوى، ويبدو بالوقت ذاته هجوماً على من أعيتهم المصاعب فقرروا الشكوى، لكن في كلتا الحالتين علينا تقنين الشكوى كي لا تضيع الشكوى المحقة بجريرة تلك التي تبدو.. ترفاً.

Exit mobile version