Site icon صحيفة الوطن

تهافت مستنكر على رفع الأسعار

| ميشيل خياط

شهدنا في الأسابيع والأيام القليلة الماضية سباقاً محموماً وتهافتاً على زيادة الأسعار.

ومن المؤسف أن حامل لواء الزيادة هذه المرة، جهات رسمية: وزارة أو مؤسسة حكومية أو مكتب تنفيذي…!! ومن الأمثلة:

زيادة أجرة جلسة غسيل الكلية إلى 82500 ليرة ثم وبعد تدخل وزير الصحة ولتهدئة غضب المرضى، خفضها إلى 15 ألف ليرة، علماً أن المريض بالقصور الكلوي المزمن يحتاج إلى جلستين على الأقل في الأسبوع «وهناك مرسوم تشريعي ينص على العلاج المجاني لمرضى غسيل وزرع الكلية»، وزادت وزارة التربية أسعار الكتب المدرسية للشهادة الثانوية بنسبة 100 بالمئة فغدا سعر كتب الشهادة الثانوية الفرع العلمي 171,600 ليرة وكتب الفرع الأدبي 127000 ليرة.

ورفعت هيئة الإشراف على التأمين رسم التأمين الإلزامي للمركبات المتنوعة بنسبة 150 بالمئة، وزادت لجنة تحديد الأسعار في المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق سعر أسطوانة الغاز الصناعي المستخدمة في المطاعم إلى 212 ألف ليرة سورية، وكانت بـ185 ألف ليرة، ما أدى إلى زيادة في أسعار المعجنات والحلويات…إلخ.

ونشير في السياق ذاته إلى زيادة أجور النقل على متن البولمانات بين المحافظات، ما عمق التباعد بين الأسر في الوطن الواحد، وحرم كثيراً من العائلات الاستفادة من عطلة الصيف.

يضاف إلى تلك الزيادات «وهي نقطة في بحر زيادات سابقة عرفتها الكهرباء والاتصالات واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والزيوت والأجبان والألبان»، ما يعصف بالأسواق التي تبيع السلع الأساسية والضرورية من ارتفاع شبه يومي في الأسعار وإحساس المواطن بأنه مغبون ومسروق في مواجهة التباين في الأسعار بين دكان ودكان أو بسطة وأخرى..!!

والسؤال المر هو: كيف تجيز الجهات الرسمية لنفسها اعتماد أسعار جديدة، في وقت تعجز فيه عن ضبط الأسواق ولجم الغلاء الذي تجاوز بعشرات المرات، القيمة الشرائية للرواتب والأجور لمليونين وخمسمئة ألف أسرة سورية، تعتمد في الإعالة على رواتب ثابتة لا تواكب تلك الزيادات في الأسعار!

وقد يقال إن العاملين في الدولة والمتقاعدين، تصلهم مساعدات من أقربائهم في البلاد الأجنبية «حوالات»، ومثل هذا القول حتى يُعتمد رسمياً يجب أن يوثق بإحصاء رسمي يجب أن يضطلع به المكتب المركزي للإحصاء، وهو ليس صعباً بوجود البطاقة الذكية وشريحة المحرومين من الدعم لوجود الزوج خارج البلاد، وحتى لو كان صعباً لابد منه، فالعدد كبير جداً والقضية جوهرية، فالحياة بلا مال غير ممكنة، ومن الواضح أن الغلاء المستمر قد أفقد الرواتب جدواها، وتنجم عن تلك الهوة التي غدت سحيقة جداً جداً تداعيات مؤسفة كثيرة صحية واجتماعية ونفسية.

لا ننكر أن الدولة عندما ترفع الأسعار إنما تسعى إلى تجنب الخسائر بين تكلفة الخدمات أو السلع التي تبيعها للناس وبين الأسعار الرحيمة التي كانت تعتمدها، استناداً إلى أن الرواتب والأجور في سورية ضئيلة جداً ودون احتياجات العاملين وأسرهم.

ونعتقد أنه لا يحق للدولة أن تغير طرفاً في المعادلة لمصلحتها وان تبقي على الطرف الثاني ضد مصلحة العاملين.

إن أي زيادة في أسعار السلع وأجور الخدمات يجب أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة أجور العاملين حتى يمكنهم الاستمرار في العمل وفي العيش، وأي تصرف بعيد عن هذه الحقيقة يعني أن صاحب القرار لا يعيش مع الناس وبينهم وأنه غير مكترث ببقائهم…!!

وهذا مرفوض في بلد مثل سورية، بقي وصان حضارة ثمينة بتضحيات الكثير من الشهداء العظام، فإذا قيل إنها الحرب، فهذا هو الوجه الآخر لصورتها.

الناس أعطوا بلا حساب، والأرواح لا تقاس بالمال.

اخطأ من أدار الحياة فأهمل تشغيل مصانع القطاع العام وتركها مهدمة، ومن لم يحسن مكافحة الفساد والهدر، وترك الزراعة من دون سماد أو مازوت لنضح الماء.

وأخطأ من لم يـُحصل الضرائب على الأرباح الحقيقية لكثر ممن أصبحوا من أصحاب المليارات، وتغاضى عن فعاليات تجارية وصناعية منافقة تقول عكس ما تربح، ولم يهتد لطريقة تجبر اقتصاد الظل الرائج والرابح جداً على أن يسدد ضرائب على أرباحه الكبيرة.

كفى تجاهلاً لهذه الحقائق وكفى رفعاً للأسعار.

Exit mobile version