Site icon صحيفة الوطن

راهب الفن والمسرح يستعيد ذكرياته في صومعته … فرحان بلبل لـ«الوطن»: غياب مهرجان دمشق المسرحي تسبب في تراجع الحركة المسرحية

| إسماعيل مروة

فرحان بلبل ليس قامة عادية في تاريخ سورية الحديث والمعاصر في الجوانب الفنية والفكرية والإبداعية، والمسرحية على وجه الخصوص، رجل عاشق للفن والمسرح، يحمل على كتفيه وفي روحه أكثر من ستة عقود من الفن المسرحي، واستطاع أن يكون مجلياً في ميدان المسرح في مدينته بالمسرح الذي ارتبط باسمه زمناً طويلاً، وفي سورية من خلال إسهاماته الشجاعة والنادرة، وفي العالم العربي كله، لأن فرحان بلبل لم يكن فناناً عادياً مغلقاً، فهو المثقف الموسوعي والكاتب والناقد، والمتصالح مع نفسه والآخرين، وهو المخرج، وهو المدرس الذي مارس التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية أكثر من ستة وعشرين عاماً، فخرّج أجيالاً من المبدعين..

وهو المبدع الباقي من أجيال المسرحيين، رحل سعد الله ونوس ووليد إخلاصي واحتجب علي عقلة عرسان، اختارته منظمة اليونسكو ليقول كلمة المسرح العالمي في يوم المسرح في تونس عام 2018، ليبقى بلبل في صومعته بمدينة حمص يستقبل أحبابه وأصدقاءه ودون مواعيد مسبقة.

«الوطن» زارت المسرحي والأديب الكبير الحائز جائزة الدولة التقديرية منذ دورتين، وكانت هذه المحطة التي تتلاءم مع المبدعين واستمراريتهم وكبريائهم.

أهم كتاب المسرح المقربين منك والذين كنت تفضلهم؟

سعد اللـه ونوس وبصحبة عميقة وعلي عقلة عرسان ووليد إخلاصي وعبد الفتاح قلعجي وفايز الداية، وأنا لا أفضل واحداً عن غيره لأي سبب، فلكل كاتب سمته وبصمته وضرورته، وقبول واحد أو رفضه من مبدأ الحب والسياسة مرفوض، كلهم مبدعون.

جدران مكتبك مملوءة ببوسترات للأعمال التي قدمتها، حدثنا عن هذه الأعمال؟

أنا قدمت نحو 40 عملاً مسرحياً، وكل عرض استمر عرضه ما يقرب ثمانين مرة، وقد تم العرض في حمص وفي مختلف المدن السورية، وأنا أحب الاطلاع والقراءة والاستفادة من تراث العالم، لذلك كانت الأعمال التي قدمتها من مختلف المدارس والمذاهب، وتنطلق من خاصية المواطن العربي لكي يحبها، ولا يشعر أنه غريب عنها، لذلك أعمل على تحويلها إلى نص قريب من همومنا ومشاكلنا، وذات مرة كنت في الحسكة ودعيت لإلقاء محاضرة، فاخترت الحديث عن شكسبير، وقال مدير المركز الثقافي لي: هل يمكن أن يفهم شكسبير هنا في منطقتنا؟ لكنني اخترت من شكسبير قضايا تعني المواطن الذي أتوجه إليه، وأنا كذلك في الكتابة والمسرح وهذا هو المنطق الذي اشتغلت عليه.

هل تميل إلى اليسار في النصوص التي تعمل عليها؟

أنا لا أتعامل مع اليسار ولا مع اليمين، أنا يهمني النص الجيد الذي يقدم فكرة وخدمة جيدة، وهذا ما يعتبر أوسع من مفهوم اليمين واليسار وهو ما يخدم الإنسان والعدالة والخير، فقد يكون النص لكاتب لا أتفق مع رأيه، لكنني وجدت في نصه ما يعبر عني.

ما أهم النصوص التي اشتغلت عليها وتركت أثراً؟

مسرحيتي «الممثلون يتراشقون الحجارة»، وقد عرضت في مختلف الدول العربية، وأذكر في أحد البلدان العربية تم الترحيب بي باسم هذا العمل، فقيل لي: أهلاً بصاحب «الممثلون يتراشقون الحجارة»، وهذا العمل من الأعمال التي تركت أثراً في حياتي المسرحية، ولكنني في كل الأعمال التي قدمتها أفتخر، بما في ذلك أعمالي التي ألفتها، أو التي أخذتها لكتاب عالميين أو عرب مثل سعد الله ونوس وعزيز نيسن.

لماذا يرتبط المسرح العمالي في حمص باسمك؟

أنا أطلقت هذا الاسم، لأنهم هم من احتضنونا بعد أن كنا فرقة تائهة، قدموا لنا كل دعم، وشجعوا حركتنا المسرحية، وبالمقابل اشترطت أن أسمي الفرقة «المسرح العمالي» في حمص تعبيراً عن شكري لهم مقابل ألا يفرض عليّ نص معين أو فكرة ما، وأنا أقدم ما أجده مناسباً وقد أعطيت ذلك، وقد كانت تلك أزهى أيام المسرح، وهذه الفرقة هي من خلقت فيما بعد «مهرجان المسرح العمالي»، وقد نافس هذا المهرجان في حينه مهرجان دمشق، وعلى ما أذكر تزامن توقيت عرض المهرجانين مرة، وطلبت مني الوزيرة تأجيل عرضنا حتى لا تتضارب العروض، وقد أجلنا عرضنا ليكون ضمن عروض المهرجان.

وأضاف الصديق نضال بشارة الذي كان له فضل تحديد الموعد بأن فضل فرحان بلبل كونه حوّل حمص كلها إلى الأدب والثقافة.. وزاد د. حسان فلاح ملاحظة بأن أهم ما يميز مسرح بلبل أنه أسري، وجعل حمص كلها أسرته.

مهرجان دمشق للفنون المسرحية توقف منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، ما الدور الذي قدمه وما أهمية وجوده وماذا أحدث في غيابه؟

ربط المسرح العربي ببعضه، وبتنا نعرف الآخرين، وماذا يقدمون، فلولاه لما تعرفنا على عروض الدول المجاورة، وبتوقفه أعتقد أن المسرح توقف بشكل عام، المهرجان أحدث نهضة مسرحية غير طبيعية في سورية، وغيابه ترك أثراً سلبياً في المسرح والحركة المسرحية بشكل عام.

أنت مشهور بمسرحك وبالنقد والتأليف، أين تجد نفسك أكثر وما فضاؤك المميز؟

ما مضى مضى بخيره وشره، وكل ما قدمته لأنني أحبه، ولكن ما أفعله في هذه الأيام هو تأليف كتاب «محمد» وهو جاهز وسينشر قريباً، وقد أرسلته إلى اتحاد الكتاب من أجل الموافقات أصولاً ليتواصل معي أحدهم ويخبرني بأن جميع ما قرأه عن حياة الرجل في كفة، وما قرأه في المخطوط الذي أرسلته في كفة أخرى، فقال لي بأنه لم يجد أمتع ولا أدق مما قرأه ضمن ما أرسلته لهم، هكذا أخبرني برأيه.

لماذا اخترت كتابته؟ ولماذا الآن؟

لم أتعمد ذلك من منطلق ديني، وإنما لعظم شأن هذا الإنسان عندي، وأنا أعشق محمد منذ كنت بعمر 12 عاماً، وللعلم أذكر أنني عندما كنت في الابتدائي عشت في «الميتم الإسلامي» كنت أخرج صباحاً عند السابعة وأصل إلى المسجد الكبير الذي كان إمامه الشيخ طاهر الرئيس علامة حمص، وأحضر الدرس لمدة نصف ساعة، وبعدها أذهب إلى المدرسة وأتناول الإفطار في الطريق، وبقيت على هذه الحال قرابة عامين، وخلال هذه الدروس كنت أتلقى علوم الفقه والتفسير، وبعدها انشغلت في الحياة والمسرح والأفكار وما إلى ذلك، وربما لو استمررت في ذلك لكنت الآن ضمن الحلقة الدينية، وتأطرت في مكان محدد، ولكن اليوم عندما هممت بالكتابة عن محمد لم أكتب من ناحية الرجل المتدين، وإنما كتابة المؤرخ وشتان بين الاثنين.

ألم يخطر في بالك أن يقال فرحان بلبل غيَّر مبادئه؟

ربما سيبدي بعض القراء المتدينين رفضهم لما في الكتاب، لأنني أتيت فيه بما لم يتعرض إليه أحد، فأنا نظرت إليه وإلى حياته من منظور إنساني، ربما لا يروق لكثيرين ذلك، وقد أخذ الكتاب جميع الموافقات اللازمة وآمل أن يصدر في أسرع وقت.

ما أهم الأشياء التي تندم عليها اليوم؟

لا أندم على أي مرحلة ولا على أي عمل، وأنا لا يمكن أن أقول إنني لم أخطئ، فأنا بشر في نهاية الأمر، ولكن في كل خطوة كنت أفكر وأتدبر الأمر بحيث أتجنب الأخطاء، ولا أندم على أي مرحلة، ولا على أي تصرف قمت به.

وما أكثر ما يسعدك اليوم؟

شيئان فقط هما ما يسعدني، أسرتي وأصدقائي، إن تأخروا عني أستعجلهم، وأهمُّ في التواصل معهم، فأنا بسيط وأحب البسطاء ومن يشبهونني، وكما ترى فإن أصدقائي يملؤون عليّ حياتي، ولا يتركونني في أي وقت، فهل هناك مصدر للسعادة أهم من حب الأصدقاء، وأنت تشهد هذا الحب بلا أي ترتيب.

هناك الكثير من القامات التي زارت حمص في أثناء عملك في ميدان الثقافة، أخبرني عن أبرز تلك الشخصيات وأهم الذكريات.

من أهمها كانت الموسيقية المصرية الدكتورة رتيبة الحفني التي جاءت إلى حمص نحو 3 مرات على ما أذكر، وأنا دعيت إلياس الرحباني ومنصور الرحباني، ومنير بشير والكثير من القامات العربية، الغريب أن ذلك أدى إلى إقالتي من النقابة، فكان من المستهجن ألا يستطيع نقيب الفنانين استقدامهم، وأنا استطعت بحبي لهم وعلاقتي الشخصية أن آتي بهم، على الرغم من أن ما قمت به كان يصب في مصلحة البلد والثقافة، لكنني عوقبت عليه وفصلت من النقابة.

حدثني عن تدريسك في المعهد العالي للفنون المسرحية؟

درّست في المعهد العالي المسرحي لمدة 26 عاماً حتى عام 2011، وكنت أنطلق باكراً عند السابعة وأصل عند التاسعة، واستمر في التعليم حتى الثالثة عصراً، وقد تتلمذ على يدي الكثير من نجوم الفن اليوم، وأنا أفخر بالتدريس وإخلاصي له، وبكل الذين قمت بتدريسهم.

هل أنت راض عن الواقع الثقافي؟

لا يعنيني كثيراً هذا الأمر، وأنا لا أنتظر من أحد شيئاً، لقيت التكريم والحفاوة، وأصدقائي حولي، وعشت حياة مملوءة بالأدب والثقافة، ولا أتذمر من شيء.

لخَّص لي رحلتك بكلمات قصيرة

أنا سعيد جداً وقدمت كل ما أستطيع للثقافة والأدب، وراض عن كل ما قدمت، وقد وجدت في الأمور التي قدمتها متعة، والناس الذين عشت معهم أعطوا الحالة الفنية والأدبية جماليتها.

Exit mobile version