Site icon صحيفة الوطن

«فيديو العماد» وردعِ الرد على الرد.. هل يكون قرار الحرب على لبنان أميركياً؟!

| فراس عزيز ديب

كسرَت المقاومة اللبنانية الجمودَ السياسي والإعلامي الذي طبعَ هذا الأسبوع، ليسَ على مساحةِ هذا الشرقِ البائس فحسب، بل على مستوى العالم، فالفيديو المُعنون بـ«عماد 4» والذي يستعرِض القدرات الصاروخية وغير الصاروخية للمقاومة بحرفيةٍ إعلامية قلَّ مثيلها والمخفية تماماً عن أعينِ شبكات التجسس، بما فيها تلك التي أوقعت بقياداتِ المقاومة وكانت للأسف عوناً للعدو في اغتيالهم أربكَت الكثير من الحسابات، دَع موقفك من الحزب والمقاومة جانباً، هذا لايهم، وتعاطى مع عظمةِ الحدث بصورةٍ لا تجعل منكَ أضحوكة وأنت تحاضر بنا بالإنسانية والسلام في وقتٍ بلغَ فيهِ عدد الشهداء والجرحى في لبنان، لا نقول غزة، نتيجة للاعتداءات الإسرائيلية اليومية المئات.

على المستوى العسكري، من الواضحِ بأن المقاومة طبقت القاعدة التي تقول:

سرِّب لعدوك ما تريد من معلومات واترك له التحليل والمفاجأة، كل تفصيلة بهذا الفيديو كانت رسالة، وكل دقيقة منه تحتاج للكثير من التحليلات التي تبدو بأنها أشبه بالمتاهة التي ما إن تخرج معها من باب حتى تجد أمامها باباً آخر، فإذا كان الرقم أربعة على جبهة مارون الراس مثلاً، هل يكون الرقم واحد على جبهةِ الجولان؟ أعشق الرقم سبعة لأنه يستمد قدسيته من كل ما هو مقدس فهل يكون على أطراف الجليل؟ ما الحل لتنطقَ هذه الصخور أو تصبحَ عميلة للعدو لتخبرهُ أين أبدعتها أذرع المقاومين؟

لكن الأهم أن هذه الرسائل في الإطار العسكري لاتبدو كما يسوّق البعض بأنها مقدمة لحتمية الرد على مقتل القيادي الكبير في الحزب فؤاد شكر، أعتقد وبموضوعية مطلقة بأن هذا الأمر بات خلفنا، لكنها ببساطة تبدو رسالة لإيضاح النتيجة المنتظَرة فيما لو تم الرد على الرد من قبل الكيان الصهيوني، فهل نجحت رسالة الردع العسكري سياسياً؟

بواقعيةٍ تامة، فربما لو كانَ حزب اللـه قد استعجلَ نشر فيديو «عماد4» ليومٍ واحد، لكانَ قد وفَّرَ على دافعِ الضرائب الفرنسي المبلغ الذي كلفتهُ الرحلة التي قامَ بها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت، ولقائهِ بعددٍ من المسؤولين اللبنانيين بداعي البحث عن مخرجٍ لحالةِ الغليان التي تعاني منها المنطقة، بانتظارِ الرد الذي وعدَت بهِ المقاومة اللبنانية على اغتيال القائد في حزب اللـه فؤاد شكر، سيجورنيه وكعادةِ المسؤولين الأوروبيين لم يحمِل معهُ أي جديد على مستوى المقترحات، بل مجردَ تمنياتٍ بوقفِ التصعيد وانزلاق المنطقة نحوَ حربٍ شاملة، هذا إن افترضنا أساساً بأن ما تعيشهُ المنطقة حالياً هو بعكس ذلك، وشعاراتٍ مكررة عن الوقوف إلى جانبِ لبنان، لكن اللافت بهذهِ الزيارة كذلكَ الأمر، والتي طبَّلَ لها بعض الإعلام اللبناني المنتمي للفصيلة الفينيقية التي ترى بفرنسا «الأم الرؤوم»، أنها لم تحظ حتى باهتمامٍ إعلامي فرنسي، ليسَ فقط بسبب الانقسام الذي تعيشهُ فرنسا أساساً بعدَ نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وعدم الاتفاق على تشكيلِ حكومةٍ جديدة وهو حال يشبه حال لبنان الرسمي، ولا حتى الانقسام الاجتماعي والسياسي الذي تعيشهُ نتيجة للموقف من الوضعِ في الشرق الأوسط والقدرة على مجاراةِ إسرائيل في تبرير جرائِمها، لكن ببساطة لأن فرنسا لم تعد فرنسا لا بالقوة ولا النفوذ، والنتيجة ما هي؟ عادَ وزير الخارجية الفرنسي أدراجه مكتفياً بنقل التمنيات بالتهدئة، ولا أحد يعرف لماذا لا تُنقل هذهِ التمنيات في الاتجاه المعاكس؟ ففي لحظةِ كتابةِ هذهِ السطور ارتقى أكثر من عشرةِ شهداء من المدنيين في جنوب لبنان معظمهم من السوريين بعدَ قصفِ العدو الإسرائيلي لمستودعٍ ادعوا بأنهُ مصنع للصواريخ المحلية التي ينتجها حزب الله، فيما أثبتت الشهادات الحية بأنه مجرد ورشة مدنية لتصنيعِ الألمنيوم، هنا تختفي الأمنيات الأوروبية وتحديداً الفرنسية بوقف التصعيد، وتعلو راية الرواية الصهيونية التي لايجرؤون على تكذيبها!

إذن بدا موقف المقاومة اللبنانية واضحاً وثابتاً لناحية ثبات الجبهة اللبنانية سياسياً وعسكرياً، لكن ماذا عن شقيقتها الفلسطينية؟

إن الفشل في مساعي التهدئة لم يتوقف عندَ حدودِ بيروت، ففي الدوحة، انتهى الاجتماع متعدِّد الأقطاب بهدف التوصل لاتفاقِ وقف إطلاق النار والذي ضم كلاً من مصر والولايات المتحدة وقطر وإسرائيل إلى «لا نتيجة»، مهما حاولت الدعاية الإعلامية اللعبَ على التفاصيل لتقطيع الوقت، كأن يقول الرئيس الأميركي جو بايدن: لم نتوصل إلى اتفاق لكننا أحرزنَا تقدماً»، أو تأكيد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن لوزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كنه حدوث هذا التقدم، لكن وكما جرت العادة لم يشرَح لنا بايدن ولا غيره من أبطالِ هذهِ التصريحات ماهيةَ هذا التقدم، والأهم أن هذا الاجتماع اتسم بمفارقتين لابدَّ من الإضاءة عليهما مهما حُكي عن أجواء إيجابية:

أولاً: غياب حركة حماس، أو بصورة أدق، هل غابت الحركة بقرارٍ مستقل منها لكونها ترى بأنها قدمت مسبقاً موافقتها على المقترحات الأميركية ولا يوجد لديها المزيد لتقدمه، فالكرة الآن في الملعب الإسرائيلي الذي انقلب على الاتفاقات المبدئية بقرارٍ شخصي من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي كان ولا يزال يراهن على الوقت؟ أم إنها غُيبت عن قصد، لأن الجانب القطري تحديداً لم يكن مرتاحاً لانتخاب يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة وكان مرشحه المفضَّل أحد الناطقين باسم الحركة في الخارج؟!

بذات السياق، هل غابَت حماس لأن الولايات المتحدة لا تريد حضورها من مبدأ عدم إمكانية الجلوس مع منظمة تعتبرها إرهابية؟ هذا وارد أيضاً، لكن كل ماسبق يقودنا لنتيجة واحدة مفادها إخفاق المفاوضات قبل بدئها، إلا إن كانت حماس سلَّمت دفةَ التفاوض باسمها لكل من مصر وقطر، وهي فكرة قد لا تبدو غريبة لكن الغريب هو انتظار نتائج مثمرة منها!

ثانياً: التصريحات الإسرائيلية التي لا تزال تقلِّل من احتماليةِ التوصل إلى اتفاقٍ، أو تسخر حتى من مجردِ التفكير بقيامِ نتنياهو بإيقاف الحرب من دون الحصول على ما يريد إن كان في ملف الأسرى أو المساعدات وحتى تصفية الأجنحة العسكرية للمنظمات الفلسطينية، حتى لو أدى تعنته لاندلاعِ حربٍ شاملة، هذه الطريقة التي يتعاطى بها نتنياهو جعلَت الأصوات في الكيان الصهيوني ترتفع مطالبةً بإيجاد حلٍّ سريع لإيقاف الحرب، يُعيد مئات الآلاف من سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم قبلَ التفكير بعودةِ بضعة أسرى إلى عائلاتهم، ويوقف تدفق المهاجرين من فلسطين المحتلة باتجاهِ كل من فرنسا واليونان والمغرب هرباً من جحيم الحرب، قبلَ التفكير بتوسيعِ نطاق عمليات التجنيد الإجباري وتوسيع شريحة أعمار المستدعين للاحتياط.

إن هذا التخبط بين طموحات نتنياهو والواقع على الأرض بات فعلياً أحد أهم نقاط الضعف التي يعاني منها مجتمع دولة الاحتلال، لدرجةِ أن هناك من بات يعتبر ماتمر بهِ «الدولة» هو الكارثة الأكبر بتاريخ الكيان المسخ، هذا الكلام قاله رئيس حزب «معسكر الدولة» الإسرائيلي بيني غانتس لنتنياهو متوعداً إياه بمصيرٍ يشابهُ مصيرَ رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت الذي قاد الكيان لهزيمة نكراء في حرب تموز 2006، هذا يعني بأن طرفي النزاع إن جاز التعبير هما خارج هذه المباحثات شكلاً أو مضموناً فعلى ماذا يجري التفاوض؟

مفارقتان توضحان لنا بأن كل ما يُحكى عن دعواتٍ للتهدئة وما شابه هي مجردَ فرصةٍ لشراء الوقت من قبل الإسرائيلي وبدعمٍ أميركي مطلق، عملية شراء الوقت تلك يريد الأميركي جعلها فرصة لاستنزاف جميع الخصوم، بمن فيهم الروس في أوكرانيا، هو نجح لحد الآن بهذه العملية تحديداً أن تصريحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب حول مساحة إسرائيل التي تبدو صغيرة جداً مقارنةً بمن سماهم جيرانها لا تبدو مجردَ خطب ود اللوبي الصهيوني قبل الانتخابات، بل هي جواب لكل من ينتظر الانتخابات الأميركية أملاً بتغيير السياسة الداعمة للكيان من دون قيدٍ أو شرط، كما يتجسد الآن بدعم الإدارة الديمقراطية المطلق فماذا ينتظرنا؟

لا يبدو الثبات الذي تتمتع به الجبهة الفلسطينية يماثل تلك اللبنانية، لكن هناك وجهة نظر تقول إن نتنياهو قد يسرّع الحل في غزة من أجل التفرغ للجبهة اللبنانية، عندها فقط ستنكشف نقاط الضعف التي تعاني منها هذهِ الجبهة، ببساطة هذا الأمر قد يحدث، لكن علينا ألا ننسى بأن الحرب على جبهة مُحاصرة لعقودٍ من الزمن لا يشبه أبداً الحرب على جبهة لاقت من الدعم والإسناد ما لاقته الجبهة اللبنانية من الجانب السوري، إلا إن كان قرار الحرب على لبنان لفرض واقعٍ جديد هو قرار أميركي وليسَ إسرائيلياً، عندها لن تكون هناك خطوط حمر، ولا زرق!

كاتب سوري مقيم في فرنسا

Exit mobile version