Site icon صحيفة الوطن

الدراما النفسية.. هل تؤدي الغرض منها؟ «عقد إلحاق» شخصيات واقعية تمر بأحداث غريبة وتصاب بأمراض اجتماعية ونفسية

لا تزال الدراما النفسية تحتل المساحة الأوسع في فلك أعمال المنصات القصيرة التي مهدت طريق صناعة قصص الإثارة والغموض المقرونة بالاضطرابات والأمراض النفسية، وافتتحت بذلك خطاً درامياً جديداً لاقى إقبالاً من جانب الكتاب والمخرجين والجماهير الذين انجذبوا إليه.

واليوم يتجدد حضور هذه الأعمال من خلال مسلسل «عقد إلحاق» الذي قدم حكاية اجتماعية خالصة عن نحاتة موهوبة لها ماضٍ مليء بالأسرار إذ عاشت طفولة صعبة جداً أثرت فيها في مرحلة الشباب، تلتقي بمصور فوتوغرافي وتنشأ بينهما قصة حب يتخللها الكثير من الأحداث والمشاكل بسبب ماضيها القاسي.

العمل مكون من 12 حلقة، ومن تأليف ورشة كتاب: دعاء حرون، أحمد أبو شقير، هدى بيرقدار، بيسان شقير، محمد رجب، ورد حيدر، ومن إخراج ورد حيدر، وبطولة كوكبة من ألمع النجوم السوريين: دانا مارديني، مهيار خضور، سمر سامي، نانسي خوري، قمر خلف، شادي الصفدي، سارة بركة، حسن عويتي، صباح الجزائري، سلمى المصري، فادي إبراهيم، جمال القبش، تامر العربيد، وسام رضا، فرح خضر، وائل زيدان، جمال العلي، سعد مينا، أندريه سكاف، أمانة والي، كفاح الخوص، وغيرهم.

قصة العمل

تدور قصة العمل حول النحاتة «ريما» مجهولة النسب حيث تنشأ في دار رعاية للأيتام وتتبناها عائلة لمدة ثماني سنوات وبعد أن يرزق الوالدان بطفلتهما الحقيقية يقرر والدها بالتبني التخلي عنها فيعيدها إلى الميتم الذي تهرب منه لاحقاً، وتواجه قسوة الشارع ووحشية الناس فيه فتتعرض للاغتصاب وهي لا تزال طفلة وتعود من جديد إلى دار الأيتام حيث تبدأ اضطراباتها النفسية بالظهور وتخلق أشخاصاً وهميين لتخبرهم بسرها، إلى أن تأتي المرشدة النفسية الجديدة وتشاهد أعمالها ورسوماتها فتعجب بها وتقرر اصطحابها إلى والدتها التي تكون فنانة أيضاً فتحبها وترعاها إلى أن تكبر وتدخل كلية الفنون الجميلة.

وفي أحد المعارض تلتقي «ريما» بمصور الفوتوغراف «جاد» الذي ينتمي لعائلة ارستقراطية ذات نفوذ واسع ويطمح بتسجيل أول أفلامه الوثائقية عن الاتجار بالبشر وتهريبهم بالبحر، تنشأ بينهم علاقة حب ويتورط بسبب فيلمه بعدة مشكلات تتداخل مع أزمات «ريما» النفسية وتخلق حبكة درامية متشابكة وجديدة.

رسائل إنسانية

ولم تغب الرسائل الإنسانية عن حكاية العمل التي سلطت الضوء على قضايا اجتماعية حساسة، بدءاً من قصية اللقطاء والمعاملة القاسية التي يلقونها في دور الرعاية ببعض الأحيان، والعقد الكبيرة التي يولدها شعورهم بالتخلي عنهم من جانب والديهم وإحساساهم بأنهم غير مرغوب فيهم من قبل الجميع، وأكد العمل في طياته على مدى خطورة وأهمية مسؤولية رعاية الطفل وتبنيه فإن لم يقم بها الأبوان بشكل صحيح فستولد أناس غير أسوياء نفسياً كما حصل مع «ريما». كما وجه الأنظار إلى التحرش الجنسي بالأطفال والأساليب التي يتبعها المتحرش قبل قيامه بجريمته فيستغل حاجتهم للعطف والأمان والدفء والطعام ليقوم بفعله الوحشي.

وعلى الضفة الأخرى من العمل عادت آلام السوريين وأحزانهم لتتصدر المشهد مجدداً من خلال قضية المهاجرين غير الشرعيين الذين خسروا أرواحهم في البحر أثناء رحلتهم للبحث عن حياة أفضل.

فنانة متمكنة

تبدع الفنانة دانا مارديني بأداء شخصية «ريما» وتبرع في إظهار اضطراباتها النفسية بلغة جسدها وحركاتها كمشيتها المنحنية والخجولة التي توضح خوفها من العالم الخارجي، وتعثرها في الكلام، وإيماءات وجهها ونظرات عينيها التي وظفتها بكل إتقان.

تتأرجح في هذه الشخصية بين مشاعر مختلفة كالحب والحزن والفرح والغضب، وتعطي كل منها حقها لتثبت أنها فنانة متمكنة تحلق في فضاء شخصياتها إلى أبعد الحدود لترسو بها على بر النجاح.

وأظهرت دانا أدواتها بقوة في مشهد نوبة الذهان الذي أدته بصراخ وبكاء هستيري بدا وكأنها تعيش هذه المشاعر في الواقع دون أن تفتعلها.

حضور ساحر

بحضورها الساحر تعود الفنانة القديرة سمر سامي إلى الدراما الاجتماعية بعد مسلسل «على قيد الحب» من خلال شخصية «عصمت» الرسامة التي تبنت «ريما» بعقد إلحاق لأطفال مجهولي النسب وتقدم لها الرعاية والحب، وتجتمع مع الفنانة دانا مارديني بمشاهد ملؤها الدفء والحنان جذبت المشاهدين منذ الدقائق الأولى.

وتبدع بتجسيد أعراض مرض «الزهايمر» الذي تعاني منه وتصور اضطراباته الصعبة والمؤلمة فتبدو كطفلة صغيرة بين ذراعي ابنتها التي تخلص لها وترد معروفها فتبقى إلى جانبها حتى تفارق الحياة.

شخصية متزنة

يطل الفنان مهيار خضور بشخصية مصور الفوتوغراف «جاد» الذي يقع بحب «ريما» التي تدعمه ليصل إلى حلمه المنشود بصناعة الأفلام الوثائقية، ويتعرض للضغط من أهله للتخلي عن ريما بعد اكتشافهم لماضيها، فيقرر تركهم والزواج منها ليرعاها بعد أن تتدهور حالتها النفسية والصحية.

ويؤدي خلال هذا العمل شخصية متزنة لا تخلو من بعض التصرفات الطائشة بسبب سعيه وراء طموحه وموهبته، ووراء حبه وعاطفته اللذين يخلص لهما حتى اللحظات الأخيرة.

مشاهد قليلة

وبمشاهدها القليلة استطاعت الفنانة القديرة صباح الجزائري أن تضيف المزيد من العظمة على مجريات العمل، بتصويرها حالة أم ثكلى تفقد وحيدها بعد سفره بالبحر بتشجيع من صديقه، وتظهر بمشاهدها لوعة الأم وحسرتها التي عكستها بمزيج من مشاعر الغضب والحزن الذي أخرجته بالصراخ تارة والبكاء تارة أخرى.

إضافة إلى الفنانة القديرة سلمى المصري بشخصية «أم جاد» الأم الارستقراطية المتسلطة والمتكبرة التي تسعى لإدارة حياته بحسب رغبتها وتزويجه بالفتاة التي تختارها له.

وعلى الرغم من صغر مساحة شخصيته استطاع الشاب وسام رضا أن يثبت أنه فنان حقيقي متمكن من أدواته بتجسيده شخصية «جلال» الذي يعيش في الميتم ويعاني من اضطرابات عقلية نجح بتمثيلها بكل براعة وخفة بحركاته وكلامه.

كما تضمن العمل الظهور الأخير للفنان اللبناني فادي إبراهيم الذي رحل عن عالمنا في شهر شباط الماضي، فشكل حضوره البسيط قيمة مضافة لأحداث المسلسل الذي ترك فيه آخر بصماته.

شريط متكامل

تتناغم العناصر المتممة لهذا العمل الدرامي من موسيقا تصويرية أبدعها آري جان، وديكورات مناسبة ومتناسقة مع الفوضى التي تعيشها شخصياته، وإضاءة خافتة تلائم الأجواء التي يصورها، والملابس التي تعكس طبيعة الشخصيات وتنسجم معها لتخلق كل تلك الإضافات شريطاً درامياً متكاملاً وضعت فيه كل الأشياء والطاقات بمكانها الصحيح وأظهرت الرؤية الشبابية المميزة التي يمتلكها صناعه.

Exit mobile version