Site icon صحيفة الوطن

فجوة التفاوت الاقتصادي العالمي وتداعياته

| د. قحطان السيوفي

بعد مرور أربعة أعوام على التداعيات التي سببتها جائحة كورونا والصراعات الجيوسياسية والتضخم وتشديد السياسات النقدية، يبدو أن النمو الاقتصادي العالمي جاء في مستويات أقل مما كانت عليه قبل 2020، بل إن الآفاق المستقبلية للاقتصادات النامية في العالم تعد أكثر إثارة للقلق، حيث تواجه مستويات قاسية من خدمة الديون، وتضييق فرص التجارة، إلى جانب الظواهر المناخية الحادة.

في عام 2024 يظل واحد من كل أربعة اقتصادات نامية أكثر فقراً مما كان عليه قبيل تفشي الجائحة عام 2019، وتبلغ هذه النسبة الضعف بالنسبة للبلدان التي تعاني أوضاعاً هشة ومتأثرة بالصراعات، علاوة على ذلك، اتسعت فجوة الدخل بين الاقتصادات النامية والاقتصادات المتقدمة في نحو نصف الاقتصادات خلال الفترة 2020- 2024، وهي أعلى نسبة منذ تسعينيات القرن الماضي.

كثير من الناس يشعرون بالقلق بل بالغضب، ونحن نشهد الآن هذه الظاهرة في المجتمع وفي السياسة، ما يثير شبح «عصر الغضب» والمزيد من الاستقطاب وعدم الاستقرار.

شهد العالم في العقود الأخيرة اتساع فجوة التفاوت الاقتصادي داخل البلدان وفيما بينها، إذ إن نحو ثلاثة أرباع ثروة العالم اليوم يملكها عشر السكان فقط.

بالمقابل يواجه أكثر من 780 مليون شخص في العالم التفاوت الاقتصادي أو «اللامساواة الدولية» وهي انعدام المساواة بين دول العالم، والتفاوت الاقتصادي الشاسع بين الدول الغنية والفقيرة، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في الدول ذات التنمية البشرية العالية والمتوسطة والمنخفضة، حسب مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، على النحو التالي: 24806 و4269 و1184 دولاراً، على مقياس تعادل القوة الشرائية.

في دراسة أجراها المعهد العالمي لبحوث اقتصاديات التنمية- تقرير جامعة الأمم المتحدة، تبين أن 1 بالمئة من الأثرياء يمتلكون 40 بالمئة من الأصول العالمية، وأن هذه الفئة تمثل 10 بالمئة من إجمالي 85 بالمئة من المجموع العالمي، أي ما يمتلكه نصف البالغين في العالم.

يتألف المكون الرئيسي لعدم المساواة في الدخل العالمي «معامل جيني» من مجموعتين من الدول حسب عضو المجلس الوطني الاقتصادي في ماليزيا البروفسور داني كوا، والمجموعة الأولى تضم 13 بالمئة من سكان العالم وتتلقى 45 بالمئة من الدخل، تعادل القوة الشرائية، في العالم، هذه المجموعة تضم الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا، وتضم 500 مليون شخص على مستوى الدخل السنوي أكثر من 11500 دولار.

المجموعة الثانية تضم 42 بالمئة من سكان العالم وتتلقى 9 بالمئة فقط من الدخل العالمي، وهذه المجموعة تضم الهند واندونيسيا والصين، وتتألف من 2100 مليون نسمة مع مستوى الدخل أقل من 1000 دولار.

إن الفجوة بين الدول الفقيرة والغنية متعلق بالتقارب، ويمكن تعريف التقارب بأنه «اتجاه الدول الأكثر فقراً إلى النمو بشكل أسرع من الدول الغنية.

من جانب آخر من الممكن أن يكون هناك بعض أوجه التفاوت الاقتصادي عند مقارنة الدول الغنية والبلدان النامية والفقيرة، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالتفاوت في الدخل، ووفقاً لبعض التقديرات من البنك الدولي، فإن إجمالي الدخل لـ25 مليون شخص من أغنى الأميركيين يساوي مجموع الدخل لما يقارب ملياري نسمة.

وفيما يتعلق بالتفاوت في الثروة، وقد حدد الباحثون الثروة بقيمة الأصول المادية والمالية مطروحاً منها الديون، وحسب تقرير لعام 2016 توصل الباحثون إلى ما يلي: «الهند تسيطر على الثلث الأخير من توزيع الثروة العالمية، ثم الصين بزيادة أكثر قليلاً من الثلث، حتى نصل إلى القمة أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا ذات الدخل المرتفع مع احتكار العشر الأعلى، أي 10 بالمئة من أثرياء العالم لديهم إجمالي 85 بالمئة من ثروات سكان العالم، وهو 25 أضعاف المعدل مقارنة بالمجموعة الفقيرة التي لا تملك سوى 1 بالمئة من الثروة العالمية، وهكذا فإن 1 بالمئة من أغنى الأثرياء يمتلكون مثل ما يمتلكه 50 بالمئة من الفقراء.

قال أستاذ الاقتصاد في جامعة ويسترن اونتاريو، جيمس ديفيز، وهو أحد مؤلفي التقرير: إن «عدم المساواة في الدخل» ظلت ترتفع في السنوات 20-25 الماضية، ونعتقد صحة عدم وجود المساواة في توزيع الثروة»، وقال: «هناك مجموعة من المشاكل في البلدان النامية التي تجعل من الصعب على الناس بناء الأصول، لكون الحياة غير مستقرة للغاية»، ووفقاً لبعض التقديرات، على سبيل المثال: «أقل من 50 مليون شخص من الأغنياء يحصلون على قدر 2.7 مليار شخص من الفقراء».

إن 1 بالمئة من سكان العالم يملكون 40 بالمئة من الأصول العالمية، وأغنى 10 بالمئة يملكون 85 بالمئة من الأصول العالمية، و50 بالمئة من سكان العالم يمتلكون أقل من 1 بالمئة من الأصول العالمية.

حجم كامل الأصول العالمية 125 تريليون دولار، أكثر من 80 بالمئة من سكان العالم يعيشون على أقل من 10 دولار في اليوم، وأكثر من 50 بالمئة من سكان العالم يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وأكثر من 20 بالمئة من سكان العالم يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم.

يمتلك أثرياء العالم، الذين لا يتعدون نسبة 1 بالمئة من إجمالي السكان، أكثر بكثير مما يمتلكه الـ99 بالمئة الباقون، وهذا ما يبرهن على صحة إعلان منظمة أوكسفام بشأن اتساع الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء وخروجها عن السيطرة.

وتعد هذه الفجوة ظاهرة غير عادلة ولا تمت للإنسانية بشيء، وتداعياتها تؤثر سلباً على كل فرد داخل المجتمع وتضر بالسياسية وتعوق النمو الاقتصادي وتخنق الحراك الاجتماعي، وتشجع على انتشار الجريمة والعنف بين الأفراد، وذلك فضلاً عن تأثيرها المعنوي إذ إنها تهدد سلامة الديمقراطية حيث يسيطر الأغنياء على السلطتين السياسية والاقتصادية، وهكذا فإن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء يعرقل كل محاولات القضاء على الفقر في العالم أجمع.

ووفقاً للخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، يجب أن تستفيد الفئات الأكثر فقراً في المجتمع من النمو الاقتصادي بنقطتين أعلى من بقية السكان، وذلك من أجل القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030 .

وجد الباحثون أن زيادة دخول الفئات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع تؤدي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ووفقاً للخبير الاقتصادي بجامعة كامبردج ها جون تشانج، ينبغي على المنظمات الدولية والحكومات أن تهتم بالفوارق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، وأن تتابع الثروات وعمليات نقل المداخيل بين قطبي هذه الفجوة.

باستطاعة الحكومات أن تُقرب بين حافتي هذه الفجوة باتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها إعادة توزيع الثروات كنظام الضرائب التصاعدية التي تسمح بإعادة توزيع المداخيل بطريقة عادلة وتزيد الاستثمارات في قطاع المرافق العامة وبرامج الحماية الاجتماعية الشاملة ذات النوعية الجيدة والمجانية وعلى الحكومات أن تدرك أنها، أولا وقبل كل شيء، تعمل في خدمة مواطنيها وليس في خدمة مصالحها الخاصة، كما يجب أن تلتزم الحكومات بمنع المصالح التجارية من إضعاف حقوق الإنسان، حتى نستطيع معالجة آفة التفاوت الاقتصادي الشديد.

ختاماً، تمثل الفجوة الاقتصادية العالمية الكبيرة بين الأغنياء والفقراء عائقاً أمام النمو الاقتصادي المستقبلي، لأنها تحد من الاستثمارات المنتجة وتحد من القدرة الإنتاجية والاستهلاكية للاقتصاد وتُضعف عمل المؤسسات اللازم للحد من تداعيات فجوة التفاوت الاقتصادي العالمي ولإقامة مجتمعات عادلة.

وزير وسفير سوري سابق

Exit mobile version