Site icon صحيفة الوطن

الرشوة.. وقطعة الشوكولا!

| عصام داري

أذكر أنني كتبت منذ سنوات، وربما في هذا الحيز نفسه من «دفتر الوطن» مقالة طالبت فيها بحصتي من الفساد!

لم أقصد حصتي أنا وحدي كفرد، بل للمواطنين أجمعين كي يتساوى أبناء الوطن في الفساد، طالما لم تكن هناك مساواة في توزيع الدخل الوطني على الجميع، فالظلم للجميع نوع من العدالة.
والفساد- أيها السادة له رائحة كريهة تزكم الأنوف وتسبب الغثيان والتقيؤ، وهذه الرائحة تسبب المرض للمواطن الذي لا يريد حصته من الفساد.
لكنني هذه الأيام أشم بأنف «أبو كلبشة» الذي لا يخطئ رائحة من نوع آخر تدل على أن رائحة الفساد فاحت إلى حد لا يطاق وقد حان موعد تخليص البلد منها ومن آثارها المدمرة، وفي أسوأ الأحوال تطويقها فيما إذا استحال بترها.
وتذكرت مقولة الحجاج بن يوسف الثقفي عندما وصل بغداد وخطب خطبته العصماء التي قال فيها: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها.
نحن لا نريد «قطف الرؤوس» بل وضع ضوابط وإجراءات وقوانين واجبة التنفيذ للحد من ظاهرة الفساد التي دمرت اقتصاد البلد، وانعكست على المواطنين، بحيث صارت قلة من الناس ربما لا تتجاوز العشرة بالمئة، تضع يدها على تسعين بالمئة من خلال الرشوة وسرقة المال العام واستغلال النفوذ لكسب غير مشروع وحصد المليارات وإيداعها في المصارف العالمية، وخاصة في جزر كايمان التي لا يصلها أي قانون دولي!
جميل أن تصل إلينا رائحة زكية تشير إلى العمل في سبيل مكافحة آفة الآفات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد البلد، والأجمل أن نضع أسساً راسخة، والعمل على زرع المثل والأخلاق في النفوس من المهد إلى اللحد.
في اليابان يدرسون الأخلاق منذ المراحل المبكرة من الدراسة، وهذا انعكس على هذه الدولة التي يضرب فيها المثل في الانضباط والأخلاق الحميدة والقيم وحب العمل والإخلاص وغير ذلك.
تذكرت كهلاً كان يروي في المقاهي حكايات وقصصاً تدور حول كل ما يخطر على البال، وكان الناس ينبهرون في أحاديثه، بل إن هناك من كان يسجل تلك القصص على آلة تسجيل.
من الحكايات المضحكة التي كان يكررها أننا- ويقصد العرب وليس السوريين فقط- نعلّم أولادنا على الفساد والرشوة منذ الطفولة المبكرة، فعندما يبكي الطفل يقولون لأمه: «عطيه بزه»، وهذه رشوة، وعندما يكبر قليلاً تكبر الرشوة من سكرة أو قطعة شوكولا، وتتطور الأمور إلى مبالغ صغيرة وعندما يكبر تصبح الرشوة عادية في حياته فهي ليست غريبة على تربيته المنزلية.
طبعاً أنا أخالف ذلك الكهل تماماً، فالإنسان يملك العقل والمحاكمة والتمييز بين الخير والشر، ومن الطبيعي أن ينحرف بعض الناس ليصبحوا لصوصاً وفاسدين خارجين عن كل القيم والمثل المجتمعية، ومن كان يحصل على قطعة الشوكولا في طفولته قد يحصل على رشوة تمكنه من بناء مصنع شوكولا، وقد يحدث العكس.
المهم، أنا كمواطن في هذا البلد أتمنى أن نفيد من التجربة اليابانية، وأن نعلم طفلنا الأخلاق قبل أن يتعلم معنى الكلمة وقبل أن يفك الأحرف.
أرى أنه من المفيد جداً أن تكون هناك وزارة في الحكومة القادمة لمكافحة الفساد وبذلك نخفف العبء عن الباحثين عن مكافحة الفساد بعد فوات الأوان.

Exit mobile version