Site icon صحيفة الوطن

على من يكذبون؟

| منذر عيد

وحدها الولايات المتحدة الأميركية من يتحدث عن إحراز تقدم إيجابي على طريق المفاوضات بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، حتى يخال المرء أن إنجاز الاتفاق بات وراء الباب، فيما الحقيقة بخلاف ذلك، وبأن التقدم هو على طريق مصلحة إسرائيل، إذ أظهرت التسريبات عن التعديلات الجديدة على الاتفاق، بأنه خُط بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مكرساً جميع ما أعلنه من أهدف في بداية العدوان على قطاع غزة بعد السابع من تشرين الأول الماضي، ليكون الحديث عن سيطرة الاحتلال على محوري فيلادلفيا ونتساريم، وإعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، والحديث عن وقف إطلاق نار، وليس إنهاء العدوان والانسحاب من غزة وعودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع.

في جملة التصريحات الصادرة عن المستويين العسكري والسياسي داخل الكيان والتي تدعو إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق، يبدو أن مسألة التفاوض هي مسألة شخصية لنتنياهو، كما عبر رئيس «المعسكر الوطني» في إسرائيل بيني غانتس، بأن نتنياهو يخشى على أمنه السياسي، وهو «يتأثر بمعاييره السياسية وليس من المعايير الموضوعية»، حيث تؤكد الموضوعية حسب وصف زعيم حزب العمل الإسرائيلي يائير غولان أن «إطالة أمد الحرب يعرّض أمن إسرائيل للخطر والحلّ هو التوصّل لصفقة، لم يكن من الصواب عدم إنهاء هذه الحرب منذ زمن طويل، بل لأن استمرار هذه المعركة يخدم المصالح السياسية للسيد الذي فرّطَ بأمن إسرائيل اليوم، وهذا الشخص لا يزال، للأسف، رئيس حكومتها».

من خلال سلسلة المواقف الصادرة عن نتنياهو المعطلة لأي اتفاق لوقف الحرب على غزة، تبدو الأمور بأن القصة أو الموضوع ليس عملية تفاوض، هدفها إعادة الأسرى، بل هي عملية انتقام بأبشع صور الإجرام بحق غزة وأهلها ومقاومتها، نتيجة شعور جميع المستويات الإسرائيلية بالإذلال نتيجة عملية «طوفان الأقصى»، ويقين نتنياهو أنه هزم بالفعل أمام المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وعليه إعادة هيبته وهيبة الجيش الإسرائيلي التي هدرت تحت أقدام رجال المقاومة، وعليه فهو يعمل على إفشال أي اتفاق بهدف الاستمرار في الحرب، مهما تكن التداعيات والنتائج، فهو مؤمن بأنه ليس أكثر من جثة في اليوم التالي للحرب، ولذلك فإن آخر اهتماماته إعادة الأسرى أحياء أم جثثاً أم أشلاء.

من المؤكد أن استمرار نتنياهو في نهجه الإجرامي والمعطل لأي حل، ليس وليد قوة الشخصية التي من الصعب إيجاد بديل عنها، بل لأنه مدعوم من شرذمة فاعلة ومؤثرة من اليمين الصهيوني المتطرف، هي سبب استمرار حكومته حتى الآن، إضافة إلى أنه عرف كيف يجيد استغلال المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة الأميركية، ويستثمر في سوق انتخاباتها الرئاسية، ليتمكن وبشكل ناجح جداً في كسب تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتسابقهما إلى مده بجميع أدوات القتل، والوقوف إلى جانبه في المحافل الدولية الداعية إلى وقف العدوان على غزة وتقديم قادة الكيان كمجرمي حرب أمام المحاكم الدولية، وعليه من السخافة الحديث أو التعويل على أي ضغط مرتجى قد تمارسه واشنطن على نتنياهو للقبول بوقف العدوان والانسحاب من القطاع، فهي في حقيقة الأمر شريك في الجريمة، وليست وسيطا، وهو ما بدا واضحاً من خلال كلام نتنياهو بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وتعبيره عن تقديره الكبير «للتفهّم الذي أبدته الولايات المتحدة لمصالحنا الأمنية».

الرحلات الاستعراضية التي يقوم بها بلينكن حالياً في المنطقة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والقاهرة والدوحة، وحديثه عن تقدم في المفاوضات، وسد ثغرات، وموافقة إسرائيلية، وفرصة أخيرة، ليس سوى حفلة كذب دولية، لكن على من يكذبون؟ على أنفسهم، فهم يعرفون لب الحقيقة، لجهة من يعطل، ومن يملك نيات الإجرام والقتل ومن يقوم بهما، أم على بيئة محور المقاومة والداعمين للقضية الفلسطينية، وهم أيضاً يعرفون لب الحقيقة أن إسرائيل وواشنطن والبعض الغربي هم المعتدون على الشعب الفلسطيني، وأن ما تقوم به المقاومة هو دفاع عن النفس، وحق مشروع كفلته القوانين الدولية بضرورة التحرر من أي محتل، في الحقيقة هم يكذبون لكسب الوقت وإفساحاً لآلة القتل الإسرائيلية في ارتكاب المزيد من المجازر في غزة، وهروباً من يوم غد الذي وعدت به إيران وحزب اللـه بأن عقاباً ينتظر الكيان فيه على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران والقيادي في حزب اللـه فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية.

Exit mobile version