Site icon صحيفة الوطن

التعليم المهني.. الأمل المفقود

| ميشيل خياط

تشتد معاناة الناس في سورية مع المهنيين لصيانة احتياجات بيوتهم وأجهزتهم المتنوعة، فبعد تصاعد حدتها مالياً لجهة الأجور الفلكية، دخلت تلك المعاناة في منعطف آخر سلوكي، يتبدى في الغطرسة والامتناع والمماطلة.

علاقة غير إنسانية بات يتحكم بها قانون العرض والطلب!

ومن الواضح أن ندرة المهنيين هي السبب، ولعل هذه الواقعة تتناقض مع التوق إلى إعادة الإعمار في بلد انهالت عليه معاول الهدم الإرهابية، أكثر من عشر سنوات.

ولعل أهم ينابيع الأيدي الماهرة، بمقاييس هذا العصر وتطوراته التقنية واحتياجاته الفنية، هي المدارس المهنية والمعاهد التقنية، ولقد حظيت بحفاوة على أعلى المستويات، إذ صدر من أجلها قانونان، سمحا بتحويلها إلى مراكز إنتاجية وإلى إقامة شراكات مع القطاع الخاص الصناعي والتجاري، وزج طلابها وطالباتها في مشاريع التلمذة الصناعية، وذلك منذ نهاية عام 2021 حيث صدر القانون رقم 38 للمدارس الصناعية ثم بعد عام واحد صدر القانون 39 للمعاهد المتوسطة، بناء على إلحاح وزارة التعليم العالي التي رفضت تطبيق القانون 38على معاهدها.

ومن المؤسف أن القانونين، وكانا بمنزلة -آخر الطب الكي- وجاءا بعد توصية مؤتمرات بحثية نوعية عديدة بهما، وتلبية لإلحاح التربويين والإداريين والمدرسين والمدربين، لم يحققا ما كان مرجوا منهما، ولم يقودا إلى تغيير في النظرة الدونية إلى التعليم المهني مع بقاء الإجبار، استنادا إلى العلامات المتدنية، بالمقارنة مع من يحق لهم التسجيل في المدارس العامة، التي تقود إلى الشهادة الثانوية العامة في الفرعين العلمي والأدبي.

لقد صدرت مؤخراً تعليمات القيد والقبول في الأول الثانوي، ولئن تباينت نسبياً مع تعليمات العام الماضي، إلا إنها ظلت تجبر من حصل على أقل من 212.8 من طلاب مدينة طرطوس على التسجيل في المدرسة المهنية…! وهم يعدون من المجتهدين، وعلى طالب من مدينة اللاذقية أن يحصل على 200.5 علامة ليسمح له بالتسجيل في الثانوية العامة، وطالب السويداء 191.6… إلخ.

كان يجب في سياق الجهد الخلاق، فتح المدارس والمعاهد لخدمة مأجورة لكل الناس، بأسعار مدروسة رحيمة تحقق ربحاً للطلاب والمدربين والمدرسين.

وكان يجب تشغيل الطلاب في المصانع العامة والخاصة بإشراف مدربيهم وأساتذتهم والاستفادة من المدارس والمعاهد وتحويلها إلى مصانع صغيرة، لتحقق ربحاً يوزع على الطلاب والمدربين…. إلخ.

لو تم ذلك خلال ثلاث سنوات مضت «بكثافة»، لأقبل الطلاب بحماسة على التسجيل في المدارس المهنية من دون إجبار، لأن الدخل الشهري المجزي 300- 600 ألف ليرة سورية، كان سيغريهم على التهافت على المدرسة المهنية، ولكن من المؤسف والمحزن أن هذا لم يحدث، وأن التعليم المهني في مدارس وزارة التربية قد شهد تراجعاً بدلاً من أن يتقدم، ففي العام الحالي نجح في الدورة الأولى 13632 طالباً وطالبة في الشهادة الثانوية المهنية من أصل 133784 ناجحاً في الشهادة الثانوية العامة، وفي العام الماضي نجح 17138 من أصل 161971 ناجحاً في الشهادة الثانوية العامة وفي العام 2022 نجح 19788 من أصل 151224 في الشهادة الثانوية العامة.

إن التراجع في عدد الناجحين، خلال ثلاث سنوات بلغ 6156 طالباً وطالبة بدلاً من الزيادة وهذا مؤشر عن نسب التسرب العالية من المدارس المهنية المُكلفة جداً.

وأكرر إن هذا الأمر محزن وطنياً، لأن التعليم المهني أساس تقدمنا الصناعي، ولأنه يتيح لطلابه امتلاك مهنة إلى جانب الشهادة الثانوية المهنية التي باتت فرصها كبيرة في الوصول إلى المعاهد المتوسطة والجامعات وعدة كليات نوعية هامة جداً، في حين أن الشهادة الثانوية العامة بفرعيها لا توفر لخريجيها مهنة تحميهم من الفقر، إلى جانب أن الحصول على شهادات جامعية نظرية، مهم ثقافياً واجتماعياً لكنه لا يساعد على دخول سوق العمل بسهولة.

يجب إعادة النظر بملف التعليم المهني، ودراسة أسباب تراجعه، ولاسيما عدم تعاون باقي الوزارات والمؤسسات والهيئات مع وزارة التربية، لتمكينه من تجاوز صعابه، والاهتمام الجدي به بصفته ضرورة وطنية، كي لا نخسره نهائياً.

Exit mobile version