Site icon صحيفة الوطن

كيف غذّت الصور الغزيرة والأخبار المتلاحقة للحروب منابع الإبداع لدى الكتّاب؟ … الحوراني لـ«الوطن»: الإنجاز في ساحة المعركة لابد أن يتم تثبيته وتأصيله أدبياً وفنياً ودرامياً

| مصعب أيوب

في كثير من الأحيان تكون الانكسارات والهزائم سبباً ومحفزاً للإبداع والكتابة فتلهب مشاهد الدماء والقتل والتهجير القسري في نفس الأديب والمثقف وحتى الشخص العادي رغبة جامحة لتغيير ذلك حتى لو بكلمة أو الحديث عنه وتوثيقه، فلا يكتفي أهل الأدب ببلاغة عباراتهم وصورهم الإبداعية بل يحملون من خلالها قضية وطنية استحوذت على تفكيرهم.

وقد ارتبط الشعر والعديد من جوانب الثقافة والفن بالمقاومة والقضايا العربية بعد انتصاف القرن الماضي، فالأدباء هم لسان حال الأمة وعليه فقد جعلوا أدب المقاومة البذرة الأولى والرئيسية لإنتاجاتهم، وقد كان من أعلامهم الروائي الأديب غسان كنفاني والشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم وغيرهم الكثير.

فن تشكيلي

منذ قرابة العام وسلاح الوحش الإسرائيلي يدك المنازل والأحياء السكنية في غزة ويحصد الأرواح ويدمر كل شيء، وما إن بدأت عملية طوفان الأقصى حتى راح الفنانون التشكيليون يقيمون المعارض التي حملت عناوين الطوفان والمقاومة وفلسطين والقضية رداً على العدوان الغاشم الذي تقوم به يد الاحتلال الإسرائيلي ليلاً ونهاراً، فأقيمت المعارض وعرضت اللوحات التي جسدت الهم الفلسطيني الذي يعيشه الفلسطينيون منذ أكثر من سبعة عقود.

برنامج متكامل

على الجانب الآخر سارع اتحاد الكتاب العرب في سورية إلى إصدار بيان دعا فيه الاتحاد كل الكتاب والأدباء والمثقفين إلى الكتابة بمداد القلب ونبض الروح لتوثيق هذه المعركة الفاصلة وغيرها من المعارك، فكيف تعامل أهل الأدب والثقافة مع دعوة الاتحاد؟

وهل سيحدث طوفان الأقصى تحولات أدبية وفكرية ويخلق مرحلة مفصلية في الواقع الثقافي العربي؟

وكيف غزت الصور الغزيرة والأخبار المتلاحقة منابع الإبداع لدى الكتاب؟

كل هذا وأكثر يتوسع معنا به رئيس اتحاد الكتاب العرب د. محمد الحوراني في حديثه الذي خصّ «الوطن» به فيقول: في الحقيقة إن معركة طوفان الأقصى وما تلاها كان لهما الدور الفاعل في تثبيت السردية الحقيقية، وفي كشف حقيقة المجازر الصهيونية بحق أبناء فلسطين وغيرهم من المقاومين الرافضين لما يقوم به المحتل، وقد اشتغلنا في اتحاد الكتاب العرب منذ اللحظة الأولى على القيام بواجبنا تجاه هذا الأمر وبمختلف الاتجاهات، (مسابقات لمختلف الشرائح العمرية، أفلام.. صراخ أطفال غزة، غزة.. لتكن حكاية، إضافة إلى مسابقة الأفلام القصيرة للشباب والمكرسة لرؤية الشباب لتعميق التمسك بالأرض وتعزيز ثقافة الانتماء)، وهناك برنامج متكامل من كتب ودراسات في مختلف الأجناس الأدبية، ومعرض فني وغير ذلك مما يتم الاشتغال عليه في اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع بعض الشركاء وسيتم الإعلان عنه خلال الأيام المقبلة.

الدور الحقيقي للكلمة

كما شدد الحوراني على أنه من المؤسف أن يتحدث البعض عن الأدب المقاوم بصفته أدباً متخلفاً تجاوزه التاريخ وتجاوزته فنيات الإبداع والأدب في زمن ثورة المعلومات والتكنولوجيا وعصر (الميديا)، ذلك أن الأدب المقاوم بأجناسه كافة هو الأقدر على توريث الحق والحقيقة للأطفال والناشئة، وهو الأقدر على حفظ الحق المغتصب والأرض المحتلة للأبناء والأحفاد وتقديم ما حصل ويحصل بحق أصحاب الأرض، وهو الأقدر على فضح جرائم المحتل ومجازره وحروب الإبادة التي تمارس بحق أصحاب الأرض، ومحاولات كي الوعي وتثبيت السردية الصهيونية وأحقيتهم بأرضنا المحتلة، وعندما تكون المعركة العسكرية مشتعلة وحامية الوطيس ويقوم المقاتل في ساحة المعركة ببذل أغلى ما يملك دفاعاً عن أرضه وحقه، لابد أن يثبت الأديب المقاوم الحق من خلال كتاباته وإبداعه، لأن الإنجاز في ساحة المعركة لابد أن يتم تثبيته وتأصيله أدبياً وفنياً ودرامياً، وعندما يقدم الكاتب والأديب سرديته بطريقة حضارية وحقيقية مستخدماً الوسائل الحديثة يمكن أن يحقق إنجازات مهمة لا تقل عن الإنجازات العسكرية، وهو عمل تراكمي لا يمكن أن يثمر بين عشية وضحاها، إلا أنه لابد من تنسيق الجهود بين العديد من الوزارات والمؤسسات لإنجاح هذا وتأصيله، ولولا الدور الحقيقي للكلمة لما حدث ما حدث من تغيير في المزاج العام الغربي من القضية الفلسطينية ومن تثبيت الحق الفلسطيني لأهله وتثبيت الرواية الحقيقية، والتغلب على تلك الرواية الزائفة التي تم الاشتغال على محاولات تزييفها لقرون من خلال إمبراطوريات إعلامية غربية وعربية مدعومة بالمال والفكر والعقيدة الصهيونية.

قناعات زائفة

وأكمل الحوراني قائلاً: في اعتقادي أن ما بعد معركة طوفان الأقصى لن يكون كما قبله أدبياً وإبداعياً، ذلك أن هذه المعركة كسرت كثيراً من المسلمات، وحطمت كثيراً من الأوهام المتعلقة بالقوة والتفرد الصهيوني وعدم قدرة أيّ كان على مقاومته والتغلب عليه، كما أن هذه المعركة وما تلاها أثبتت أهمية وجدوى الدور الذي يمكن أن نقوم به داخل الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لجهة تغيير القناعات الزائفة المتعلقة بأحقية الصهاينة بأرض فلسطين، اليوم المسؤولية كبيرة ويجب علينا أن نقوم بدور يكون بحجم البطولات التي يقدمها أطفال ونساء وشباب فلسطين في واحدة من أشرس الحروب وأكثرها همجية بحق أهلنا في فلسطين، وغيرها من الدول التي تتعرض للاعتداءات الصهيونية، وما يقوم به المقاومون من بطولات خارقة في دفاعهم عن الأرض وتصديهم لحرب الإبادة الصهيونية.

نشاط فكري وثقافي

عربياً صدرت عدة مطبوعات حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة، من جملتها: «وقت مستقطع للنجاة.. يوميات حرب غزة» للروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف الذي استنبطه من الحصار الذي عاشه قرابة الـ3 أشهر تحت القصف والتهجير والتجويع، سجّل ووثّق فيه الكثير من معاناة الفلسطينيين ودوّن أدق التفاصيل عن تلك الفترة العصيبة التي شهدها بأم عينيه وذاق مرارها، وللصحافي السوري صبحي حديدي أيضاً صدر كتاب «سرديات الطوفان غزة المعمدان وصهيون الإبادة» ليدأب فيه على الجمع بين وقائع السياسة ومفاعيل الثقافة في اللغة والنطاق والمقاربة والموضوعات.

وقد صدر أيضاً كتاب «طوفان الأقصى والزمن الآخر» عن دار النهضة العربية في بيروت لمجموعة من الكتاب والأدباء والإعلاميين قبل نهاية عام 2023، ليؤرخ الكتاب مراحل الصراع العربي الإسرائيلي منذ وعد بلفور مروراً بحركات الاستيطان وعمليات التهجير القصري إلى قصف الأحياء السكنية والاعتداء على الأطفال والنساء وحرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال اليوم على غزة، فهو وثيقة مشرّفة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

وقد نقل بعض الأشخاص من الذين عاشوا المعاناة بعض القصص والهموم التي واجهتهم ليقوم كل من زياد عبد الفتاح وعادل الأسطة بتحويلها إلى مجموعات قصصية حملت عنوان «حكايات الذين لم يغادروا»، وكان الشاعر المتوكل طه قد أصدر مجموعة نصوص شعرية ونثرية تحت عنوان «دم النار توقيعات على جدران غزة».

Exit mobile version