Site icon صحيفة الوطن

تل أبيب.. خطوة نحو توسعة دوائر النار

| عبد المنعم علي عيسى

لم تكن جبهة «الضفة الغربية» راكدة تماماً عندما اندلع الصراع على جبهة غزة فجر السابع من تشرين الأول المنصرم، فعوامل الاحتقان تكاد تكون عينها في الجبهتين، وإن كانت بدرجة أكثر في هذه الأخيرة لاعتبارات عدة، الأمر الذي يفسر حالة «تذبذب» النار في الأولى، جنباً إلى جنب تفسير العوامل التي تحول ما بينها وبين الالتحاق بجبهتي الحرب المشتعلتين في غزة وجنوب لبنان، وعلى الرغم من حال «التذبذب» سابقة الذكر فقد أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن أشهر اضطرام النار الأحد عشر في غزة كانت قد شهدت أيضاً سقوط 650 شهيداً واعتقال بضعة آلاف من فلسطينيي الضفة.

تعاملت تل أبيب مع الضفة الغربية، منذ اندلاع النار في غزة، على أنها جبهة في حالة «كمون» لكن قابليتها للخروج من هذه الحالة السابقة تبقى حاضرة خصوصاً كلما تصاعدت ألسنة النار في الأخيرة، والراجح أن هذه النظرة ظلت هي الحاكمة لغرف صناعة القرار في تل أبيب، لكن الحذر وحده هو الذي حال بين تل أبيب وبين إعلان الضفة كجبهة ثالثة للحرب «الوجودية» التي يخوضها جيشها، وبشكل ما يمكن القول إن العملية العسكرية التي بدأها جيش الاحتلال ليل الثلاثاء الماضي تندرج في سياق «الحرب الاستباقية» الذي كثيراً ما تسوق له إسرائيل، وتعتبره «حقاً مشروعاً» لها طالما أن «مقتضيات الأمن» تتطلب ذلك.

تقول التقارير الصادرة من الضفة الغربية إن جيش الاحتلال داهم مخيمات جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية، وما توحي به الحملة، من حيث اتساعها وعديد الكتائب المشاركة فيها، هو أن مراميها تتعدى المداهمات التي تهدف عادة لاستهداف كوادر نشطة في الحراك الذي تشهده الضفة بين الحين والآخر، والراجح هنا أن تلك المرامي قد تكون مقدمة لتكرار «سيناريو غزة» البادئ منذ نحو أحد عشر شهراً ولما تنتهِ فصوله بعد، والشاهد هو أن التصريحات الصادرة عن العديد من المسؤولين الإسرائيليين من شأنها تدعيم هذا الترجيح آنف الذكر، حيث أشار بعض هؤلاء إلى وجود معلومات أكيدة عن «قيام طهران بتهريب أسلحة وأموال إلى الضفة الغربية عبر الأردن»، ومثل أمر كهذا غالباً ما يجري تسويقه للإبقاء على الدعم والإسناد الغربيين على حالهما، إن لم يكن للدفع بهما إلى مطارح أعلى.

من الصعب الآن التخمين فيما إذا كانت تل أبيب سوف تستطيع حشد الغرب وراءها لتكرار «سيناريو غزة» في الضفة، ففعل من هذا النوع دونه الكثير من المحاذير التي يتحسب لها هذا الأخير على الرغم من ثبوت غيابها تماماً عند حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فالضفة، التي تحوي مكاتب «السلطة الفلسطينية» ومؤسساتها، تحظى بغطاء غربي قبل أن يكون عالمياً، والسير نحو تحطيم هذه البنى قد يدفع نحو صدام غربي- إسرائيلي لا يبدو أن تل أبيب قادرة عليه في هذه الآونة، ولذا فإن من الراجح هو أن نتنياهو يهدف من وراء فعلته تلك إلى أمرين اثنين، أولاهما إرساء معادلات جديدة عبر التضييق على فلسطينيي الضفة للقول لنظرائهم في غزة إن «النار الإسرائيلية» قادرة على أن تطول الكل حيثما وجدت «طلقة» واحدة في الجيب، وذاك أمر يتسق تماماً مع السياسة التي ينتهجها نتنياهو تجاه المفاوضات، حيث يرى أن تطبيق المزيد من الضغط العسكري هو وحده الكفيل بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وفق الشروط التي يحددها، وثانيهما أن الفعل يمكن له أن يؤدي إلى توسيع الاستيطان بالضفة، ومصادرة المزيد من الأراضي بعد تهجير مالكيها، طوعاً أو قسراً، إلى الضفة الشرقية التي تعني هنا الأردن، والشاهد هو أن وزير مال العدو إيتمار بن غفير كان قد مضى، بعيد إطلاق يده في الضفة شهر تشرين الأول المنصرم، إلى تأسيس فصيل سماه «شبيبة التلال»، ومهمته الأولى هي الضغط على الفلسطينيين وتضييق الخنـاق عليهـم بغيـة اسـتيلاد خيـارات، عنـد هـؤلاء، ليـس من بينهـا البقـاء على الأرض التي يعيشـون عليها.

ما يعزز الترجيح آنف الذكر هو أن المباشرة بإطلاق تل أبيب لعمليتها في الضفة الغربية جاء بالتزامن مع المفاوضات الجارية بالدوحة، والرامية إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة التي أضحت «أطلالاً» على مرأى ومسمع البشرية من أقصاها إلى أقصاها، الأمر الذي يعني أن نتنياهو ليس بوارد تغيير سياساته ولو أضحى في مواجهة دول العالم برمته، بل على العكس تنبئ العملية بأنه أمام وارد آخر جديد هو توسعة دائرة النار لأنها السبيل الوحيد أمامه لتحسين صورته، وصورة جيشه، اللتين باتتا بحاجة للكثير قبيل أن يستعيدا الصورة التي كانتا عليها قبل نحو عام، أما إذا ما غلبت النار «موقدها»، و«موسعها»، فالخيار جاهز، عندها سيقول نتنياهو للغرب: تعالوا لتنقذوا «أصولكم» التي قذفتم بها في لجة لهيب لم تكونوا مدركين إلى أين يمكن لنيرانه أن تصل.

كاتب سوري

Exit mobile version