Site icon صحيفة الوطن

أسبوع الكتب الممنوعة

| حسن م. يوسف

تقام في أميركا طوال الأسبوع الأخير من شهر أيلول، كل عام، احتفالية «الكتب الممنوعة». انطلقت هذه الاحتفالية في مدينة شيكاغو عام 1982 بمبادرة من مكتب الحرية الفكرية التابع لرابطة المكتبات الأميركية التي هي مؤسسة أهلية تضم 62000 عضو، من الأشخاص والجهات المعنية بتحسين الخدمات المكتبية والمعلوماتية، ثم صارت تقام في نيويورك وغيرها من المدن الأميركية الكبرى.

تعلم أيها القارئ العزيز أن أميركا تسوِّق نفسها على أنها بلد «الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان» ولهذا دهشت، ولا شك أنك ستندهش مثلي، عندما تعلم أن «عدد الكتب التي مُنعت أو صودرت أو تعرّضت لملاحقات قضائية، بلغ في أميركا وحدها، منذ بدء هذه الاحتفالية حتى مطلع العام الماضي 11300 عنوان.

خلال «أسبوع الكتب الممنوعة»، تُعرض بعض الكتب الممنوعة مع شرحٍ لأسباب منعها. ويقوم الكتّاب بقراءة مقتطفات من كتبهم الممنوعة، وتعقد ندوات حوار حول حرية التعبير وأهمية القراءة ومقاومة الرقابة، كما تُعرض أفلام مقتبسة من كتب ممنوعة أو تتناول موضوع الرقابة وحرية التعبير.

منذ أن اخترع الكتاب كإناء للأفكار والخبرات أطلق عليه البشر أجمل الصفات؛ فهو خير جليس، وهو المعلّم الوفيّ الصامت الناطق الصادق… إلخ. لكن الغزاة والطغاة كانوا دائماً ينظرون إلى الكتاب بارتياب، فعندما اجتاح المغول بغداد في عام 1258، ألقوا بمحتويات ستٍ وثلاثين مكتبة تضم نفائس الفكر الإنساني في نهر دجلة، أهمها مكتبة «بيت الحكمة»، فاصطبغ ماء النهر بلون الحبر.

وفي عام 1501 أمر الكاردينال سيسنيروس بحرق مكتبة (مدينة الزهراء) الأندلسية التي كان فيها أكثر من 600000 مخطوط، صنع منها جبلاً في ساحة (باب الرملة) بغرناطة وأضرم فيها النيران. ويقال إن الجنود الذين كلّفوا بالمهمّة قد أخفوا في ثيابهم بعض تلك المخطوطات المكتوبة بماء الذهب والفضّة. وعندما غزا الإسبان شعوب المايا والأزتيك في المكسيك، وشعوب الإنكا والموشيك في البيرو قاموا بحرق ما عثروا عليه من مخطوطات وكتب قديمة، كما تم حرق الكتب على عهد أسرة ( تشين) الصينية في القرن الثاني قبل الميلاد، وعندما قام النازيون بحرق الكتب التي تناقض نظريتهم عام 1933 اكتشف أحد الكتاب الديمقراطيين النمساويين أن كتبه لم تدرج في قائمة الكتب الواجب حرقها، فغضب وكتب رسالة احتجاج للقائمين على وضع القوائم، وقد عبر بريشت عن هذه الحالة الطريفة بقصيدة قال فيها:

«احرقوني! احرقوني! لا تسيئوا إليّ! ألم أقل الحقيقة فيما كتبت؟ لم تعاملونني ككذاب؟ آمركم أن تحرقوني!».

وفي عام 1195 جرت محاكمة الفيلسوف ابن رشد، بعد أن اتهمه رجال الدين بالزندقة ومعارضة العقيدة الإسلامية، فأمر الخليفة الأندلسي يعقوب المنصور بحرق كتبه ونفيه إلى قرية اليسانة. وعندما لاحظ ابن رشد أن أحد تلاميذه كان يبكي بحرقة على الكتب التي تلتهمها النيران، هدَّأه قائلاً: «إذا كنت تبكي حال المسلمين فاعلم أن بحار العالم لن تكفيك دموعاً، أما إذا كنت تبكي الكتب المحروقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهي تطير لأصحابها».

Exit mobile version