Site icon صحيفة الوطن

معرض الكتاب المرتقب احتفالية أم تكريس ثقافة؟ … هل يعود معرض الكتاب بقوة تناسب اسمه والثقافة السورية العريقة؟!

| إسماعيل مروة

مع بدايات عمل مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، عمدت وزارة الثقافة إلى عقد معرض للكتاب العربي، وكان ذلك المعرض من البدايات معرضاً لائقاً، مزوداً بفهارس مطبوعة لمحتويات المعرض، كانت بداية في مجلد، ثم صارت أكثر من مجلد مع توسع المعرض، ليصبح معرضاً دولياً تشارك فيه الدول العربية، وتشارك دول أجنبية، ومؤسسات وجامعات عالمية، وحين ضاق المكان تم نقل المعرض لأكثر من دورة إلى مدينة المعارض، على الرغم من البعد والمشقة، ومع بدايات الحرب على سورية كان معرض الكتاب أكثر المتضررين في الجوانب الثقافية، وعاد مجدداً قبل سنوات، لكنه توقف مرة أخرى بسبب كورونا، وعقدت دورات تحت مسمى «معرض الكتاب السوري» واليوم هناك عزم على إقامة المعرض من جديد فماذا عنه؟

صورة للدورات الأولى

تم تنظيم المعرض، وقدمت خدمات جليلة للكتاب والناشر والقارئ على حد سواء، ابتداء من الفهارس التي بدأ توزيعها مجاناً، ثم صارت رمزية السعر، وكان المهتمون يحددون كتبهم ودورهم من خلال الفهارس، لنجد طلاب العلم العادي والشرعي، والباحثين والمهتمين يحملون أكوام الكتب على دراجاتهم الهوائية، وقد شهدنا كيف كانت بعض الدور تبيع كل ما لديها خلال الأيام الأولى من المعرض، وخاصة الدور التراثية، وقرأنا كتابات ومقالات تنتقد الكتاب التراثي من دون أن تميز بين كتاب ديني وآخر تراثي، بينما الكتاب الحداثي كان الإقبال عليه ضعيفاً نوعاً ما قياساً إلى الكتاب التراثي، وطرحت الحلول، ولكن الآليات بقيت بعيدة عن التطبيق والتنفيذ، ولم تدرس الظاهرة كما يجب، ولم يشعر القائمون بما تمثله من أزمة في الفكر والمجتمع.. ومهما كان الأمر فإن معرض الأسد للكتاب مثّل ظاهرة جعلته قِبلة في المنطقة، حتى للدول المجاورة.

المعرض والمحفزات

معرض دمشق كان إضافة إلى الدور العربية والعالمية فرصة لدور النشر السورية ومن المحافظات كافة، والتي قد لا تتمكن من المشاركة في معارض خارجية، وليس لها منافذ للتواصل مع القارئ في دمشق والمناطق السورية، وكانت درة الكتاب السوري تتمثل في مطبوعات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب ومجمع اللغة العربية، والوزارة كانت متنوعة الإصدارات، فعندها الكتاب التراثي المحقق بكثرة وتميز، وعندها الكتاب النقدي والكتاب الفكري والكتاب الأدبي والكتاب المترجم وكتاب الطفل، وكذلك كان غنى اتحاد الكتاب الذي كان يومها منافساً في كل ميدان من ميادين الكتاب، وأهم الكتب المؤثرة صدرت عن هاتين المؤسستين، أما مجمع اللغة حين كان فاعلاً فكان يقدم الكتاب، وهذه الكتب موجودة لدى المتابعين، وتمثل اليوم ثروة من كتب اللغة إلى كتب الأدب..

واليوم قد يطبع المجمع كتاباً وقد لا يفعل، وقد يوكل حقوقه لدور خاصة مقابل عقد مجحف، من باب الراحة، وفقدان الخبرة والغيرة عليه.. ويكفي أن نجد أعضاءه يطبعون خارجه أعمالهم الجليلة، ويتركون له الأعمال التي لا يقرؤها كاتبوها..!

قد تكون وزارة الثقافة اليوم هي الأكثر نشاطاً مع أنه غاب عنها ما بدأته منذ سنوات بعيدة من جمع لآثار الأدباء الراحلين، سواء كانت مطبوعة من قبل، أم تم جمعها بمبادرة من لجان الوزارة لطباعتها.. وصارت هذه السلسلة أقل ظهوراً، وبين مدة وأخرى يصدر عمل من هذا القبيل..!

الأنشطة المرافقة

في دوراته كلها حرص معرض الكتاب على فعاليات مرافقة ذات قيمة كبيرة، كانت تغني أيام المعرض العديدة، وتحوّل المعرض من البيع إلى تظاهرة ثقافية عالية جداً، ومن هذه الأنشطة المرافقة والموازية:

1- الأمسيات الأدبية لشعراء وقاصين من سورية والعالم العربي، وقد حضرنا لقامات كبيرة على المستوى العربي، ولم يكن حضورها ممكناً لولا استقدامها وتكريمها في معرض الكتاب، وقد كانت قاعة مكتبة الأسد على سعتها تغصُّ بالحضور، وتضطر الإدارة لفتح الأبواب للواقفين في بهو المكتبة، وربما زاد الأمر عن ذلك.

2- اللقاءات النقدية، حضر إلى معرض المكتبة أيضاً عدد كبير من كبار النقاد العرب المعاصرين الذين كانوا يقدمون محاضرات ذات قيمة، تصل إلى درجة الأبحاث المحكمة.

3- لقاءات الأدباء والباحثين مع كبار رجال النشر والإعلام في العالم العربي، وقد عقدت صفقات كثيرة بين أهم الدور وأدبائنا، وقد شهدت الساحة السورية بروز أسماء أدبية مهمة كانت محلية، وسبب بروزها كان معرض مكتبة الأسد.

4- حفلات توقيع الكتب، ولم تكن الحفلات كما هي اليوم، وإنما كان الكبار من الأدباء والباحثين هم من يوقع كتبه لزوار المكتبة، وحفلات التوقيع كانت مناسبة مدهشة للقاء القراء بكاتبهم أو شاعرهم أو ناقدهم الذي أحبوه.

5- العروض السينمائية، فقد خصصت إدارة المعرض أوقاتاً للعروض السينمائية حيث يتم اختيار مجموعة من الأفلام السينمائية السورية التي أنتجت حديثاً أو التي تشكل ذاكرة السينما السورية، ويتم عرضها بحضور صناع الفيلم أو بعضهم حسب الظروف، ويتلو ذلك حوار حول الفيلم، وأزعم أن هذا النشاط حقق ثقافة سينمائية، وخاصة أنه يتوجه إلى جمهور غير سينمائي في أغلبه، ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام السينما والشاشة.

هذا جانب من جوانب الأنشطة المرافقة التي عمل معرض مكتبة الأسد خلال دوراته التي عقدت، أو التي استؤنفت قبل التوقف الطويل ليستعاض عنها بمعرض هزيل حجماً ومكاناً وفائدة، وهو معرض الكتاب السوري الذي يقول: بضاعتنا ردت إلينا! فنحن نقرأ أنفسنا، كالكاتب الأناني الذي لا يقرأ غير كتاباته، والإنسان الذي لا يرى غير منجزاته.. بعد أن كان المعرض القديم بصورته الأولى يحقق شهرة للكتاب السوري، ويتم بيعه بالجملة للدور المشاركة التي تأخذه إلى بلدانها، لجودته وجديته وفكره ورخص ثمنه.

أنشطة نحتاجها

لابد من الاستفادة من تجارب الآخرين التي نطلع عليها، وخلال دورات وسنوات عديدة ومن زيارات لمعارض الكتاب الدولية، ومنها معرض القاهرة للكتاب، ومعرض أبو ظبي للكتاب، ومعرض الشارقة للكتاب، فقد اطلعت من خلال زياراتي العديدة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب أن أقف عند نقاط:

– شخصية العام الثقافية، وقد شهدت تكريم شخصية العام الثقافية لأكثر من دورة، آخرها العام الماضي الروائي الليبي إبراهيم الكوني، حيث تتم استضافة الشخصية ومحاورتها، والاستفادة من تجاربها، وعقد لقاءات كثيرة معها، وهذه الفكرة للشخصيات التي على قيد الحياة مهمة على أكثر من جانب.

– الدولة ضيف الشرف، في أغلب المعارض الكبرى، هناك دولة تكون ضيف شرف المعرض، حيث تحضر بفعالياتها الثقافية والفكرية والطباعية، وربما بما تملك من كنوز ومخطوطات ليتم عرضها وإقامة ندوات عنها وعن الكتاب العربي فيها.

– شخصية العام من الراحلين، وهذه سمة في معرض أبو ظبي، حيث يحتفى بشخصية مؤثرة راحلة، وإعادة طبع تراثها كما حصل العام الماضي مع نجيب محفوظ، ومن قبل مع العميد الدكتور طه حسين.

– وفي معرض القاهرة يتم حشد الأساتذة والهيئات من أجل الكتَّاب الشباب الذين تتم طباعة أعمالهم، ويُستضافون في المعرض لمواجهة الجمهور، والأكاديميون يقدمون لهم قراءات تشجيعية ويعرفون الناس بهم، وقد حضرت عدداً من هذه الجلسات، حيث يحضر أساطين الجامعات للوقوف إلى جانب الشباب.

لعودة ميمونة وقوية

ننتظر أن يعود معرض الكتاب العربي في دمشق، وربما معرض الكتاب الدولي، وليس هناك من مدينة جديرة بثقافتها وتاريخها مثل دمشق، وحتى يكون المعرض فاعلاً ومؤثراً لابد أن تكون عودته قوية وذلك من خلال:

– الاستفادة من تجربة المعرض قبل توقفه (الآليات، المكان، المرجعيات، المدخلات، المخرجات، الجدوى من انعقاده من جديد) لوضع آلية قد يتعب فيها المعنيون، لكنها تكون مجدية.

– استلهام تجارب المعارض العربية الأخرى (الشخصيات الثقافية، المبدعون الشباب، الطفولة، العلاقة مع التربية، العلاقة مع مجمع اللغة، العلاقة مع اتحاد الكتاب، العلاقة مع وزارة التعليم العالي)، وغير ذلك فالمعرض ليس ملكاً شخصياً لوزير أو وزارة، وهو سوري بامتياز، مع الحفاظ على مرجعيته الفكرية والقانونية.

– البحث عن آليات بصرية وفكرية تسهم في تعزيز مكانته.

– إضافة أنشطة تساعد على قوته لاستقطاب المزيد من الرواد.

– البحث عن آلية شراء من خلال كوبونات وقسائم وأسعار خاصة، فالمعرض ضمن هذه الظروف الاقتصادية سيتحول للزيارة والتسكع والعجز عن الشراء!

هناك آليات كثيرة لن أعرضها، ولن تكلف الكثير، لأن هناك من سيقول: إن المعارض التي ذكرتها مدعومة مالياً، وينسى المعترض أن معرض القاهرة العريق لا يختلف في إمكاناته عن معرض دمشق، ولكن الآليات أتركها لمن سيطرحها وينفذها وهو المعني، إن كانت لديه رؤية بأهمية هذا المعرض لسورية وثقافتها.

بانتظار معرض دمشق للكتاب، والثقافة سلاح واقتصاد ومجتمع، والثقافة عقيدة مجتمع لو أدركنا قيمتها، ولم ننظر للثقافة على أنها تظاهرات تمرّ وكفى.

Exit mobile version