Site icon صحيفة الوطن

مؤشرات التصعيد بالمنطقة تعرقل التوصل لأي اتفاق في غزة

| محمد نادر العمري

منذ بدء عملية طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، حتى ليلة التاسع من أيلول ٢٠٢٤، شهدت المنطقة عموماً والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما قطاع غزة بشكل خاص تصعيداً كاد يؤدي إلى اشتباك وتطور من المواجهة غير المسبوقة، بين قوى محور المقاومة من ناحية والكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى، ولعل أبرز صور التصعيد تمثلت في إمعان حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في ارتكاب أفظع أشكال المجازر بحق المدنيين في غزة وتوسيع دائرة الصراع من خلال العبث بمنظومة الأمن الإقليمي، ومحاولة قوات الاحتلال تغيير قواعد الاشتباك وتجاوز الخطوط الحمراء من خلال سلوكياتها الاستفزازية التي تجلت في استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في سورية مطلع شهر نيسان الماضي، ومن ثم اغتيال شخصيتين قياديتين من المقاومة الفلسطينية واللبنانية نهاية تموز الماضي ضمن أماكن جغرافية لها تأثيرها ومكانتها، بيروت وطهران، في قواعد الاشتباك التي تبلورت على مدى سنوات طويلة سابقة.

وعلى الرغم من إبداء جميع أطراف الصراع المباشرة وغير مباشرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية رغبتها في التوصل لاتفاق سياسي يحد من احتمالية توسع جبهات القتال والتصعيد على مستوى الخريطة الإقليمية، إلا أن هذه الرغبة لم تترجم ضمن إرادة واضحة المعالم ومسارات جدية من قبل إدارة البيت الأبيض، التي دخلت في هذه المرحلة، ضمن زواريب الحسابات الضيقة والدقيقة للعملية الانتخابية الرئاسية، رغم السيل الكبير من التصريحات الرسمية لمسؤوليها من الرئيس الصهيوني جو بايدن ووزير الخارجية اليهودي انتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي ومنسق الاتصالات داخل هذا الأمن وغيرهم، التي كانت تحاول نشر الدخان الأبيض في ظل ظلام العدوان الإسرائيلي المتسع من القطاع للضفة وصولاً للمنطقة بجغرافيتها وأوضاعها القابلة للانفجار في أي لحظة.

بناء على ذلك، وفي ظل هذا الواقع المتناقض من الرغبة في تخفيض مؤشرات الاستفزاز وعدم الجدية بالتوصل لأي حل، يبدو أن النطاق الجغرافي لما يطلق عليه اصطلاحاً «الشرق الأوسط» سيبقى في حالة عدم استقرار وربما قد يكون أمام جولة تصعيد جديدة حتى نهاية الانتخابات الرئاسية الأميركية ومعرفة هوية وشخصية الرئيس الأميركي القادم، وهذا ما يمكن ملاحظته مؤخراً من خلال المؤشرات التالية:

أولاً- توجه حكومة الاحتلال نحو توسيع الصراع داخل فلسطين، باتجاه الضفة الغربية التي تشهد اليوم ترجمة وتنفيذ خطة وزير المالية الإسرائيلي بتسلائيل سموتريتش التي طرحها عام 2017، عبر ما عرف بخطة «الحسم والضم للضفة» في توجه واضح من قبل هذه الحكومة وأركانها من اليمين المتطرف، للقضاء على أي آمال لإقامة دولة فلسطينية في تحدي للقرارات الدولية، ونسف لاتفاق أوسلو 1993، والسعي لجعل ما يعرف «يهودا وسامراء» أمراً واقعاً داخل الأراضي المحتلة، بعد دفع أهالي الضفة الغربية نحو الهجرة للوطن البديل الأردن.

ثانياً- تحميل البيت الأبيض مؤخراً مسؤولية إخفاق التوصل لاتفاق في غزة للمقاومة الفلسطينية، وهو ما يؤكد عدم جدية هذه الإدارة لإيجاد حل دائم ومستدام يوقف العدوان على غزة، وتبنيها للراوية الإسرائيلية وخاصة مطالب نتنياهو بالسيطرة على محور فيلادلفيا، في دلالة واضحة على حرص هذه الإدارة على ضمان تأييد اللوبي الصهيوني الأميركي قبل الانتخابات وعدم استعدائه، بما يضمن ترجيح كفة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي يعد الشريك المثالي والخيار الأكثر تفضيلاً بالنسبة لنتنياهو وشركائه المتطرفين.

ثالثاً- الصراع الدائر داخل الأروقة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ورغبة نتنياهو باستمرار الحرب والعدوان بذرائع مختلفة واستثمار هذا الصراع الداخلي لمصلحته، والتي كان آخرها نفي ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» العثور على وثائق خاصة برئيس الجناح السياسي والعسكري لحركة حماس يحيى السنوار تنص على استخدام معبر فيلادلفيا لإخراج الأسرى الصهاينة من القطاع باتجاه الجمهورية الإسلامية، وكذلك مزاعم وزير الدفاع الإسرائيلي يؤآلف غالانت المتضمنة القضاء على حماس عسكرياً، ومسارعة المعارضة الإسرائيلية لاستثمار كل التطورات الميدانية والسياسية لتحسين تموضعها السياسي قبل أي انتخابات برلمانية مبكرة، التي لن يسمح نتنياهو وشركاؤه من اليمين بحصولها دون ضمان عودة انتخابهم مجدداً، فضلاً عن أن ما قام به نتنياهو من تصعيد في غزة والضفة ولبنان واليمن وإيران وسورية مؤخراً، ساهم في إعادة جزء من شعبيته التي فقدها في مرحلة ما وفق استطلاعات الرأي العام الداخلي.

رابعاً- إبقاء حالة التوتر سائدة على مستوى المنطقة من خلال التركيز على ما يمكن الإطلاق عليه «معركة بين الحروب» والتي كان آخرها قيام قوات الاحتلال ليلة التاسع من أيلول بعدوان هو الأعنف والأوسع، من حيث مدة العدوان والمواقع المستهدفة ونوعية الأسلحة المستخدمة والخسائر البشرية والمادية، داخل الأراضي السورية، وبشكل خاص في المنطقة الوسطى والساحلية والتي أدت لاستشهاد 18 سورياً وإصابة أكثر من 46 آخرين، ضمن مسعى حكومة اليمين المتطرف التي يرأسها نتنياهو من استمرار قيامه بعمليات عدوانية على سورية لتحقيق مصالح إسرائيلية، بالتزامن مع تصاعد المطالب الإسرائيلية السياسية والعسكرية بتعزيز العمليات العسكرية على جبهة الشمال، والتسريبات التي تحدثت عن تأكيدات نحو تغيير مسار العمليات العسكرية في سورية ولبنان، وهو ما يضعنا أمام جملة من الأهداف والغايات التي تسعى حكومة الاحتلال لتحقيقها من خلال هذا العدوان الذي يعد رقم 110 منذ بدأ طوفان الأقصى، والخامس والستين منذ مطلع العام الجاري، والتي تتمثل أبرزها وفق التالي:

أولاً_ تبرير استمرار هذه الاعتداءات على أنها عمليات وقائية واستباقية لحماية أمن الكيان الإسرائيلي من خلال ادعاء الحكومات الإسرائيلية السابقة والحالية، بحتمية وجود تغلغل وتعزيز للنفوذ الإيراني والقوى الحليفة لإيران في سورية، والعمل على تحويل الجبهة السورية لجبهة اشتباك ضد الاحتلال، فضلاً عن الذرائع المعتادة من إرسال الأسلحة إلى المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله في لبنان والفصائل المقاومة في داخل الأراضي الفلسطينية، وهو ما ينبئ بالقيام بمزيد من هذه الاعتداءات على المستوى ذاته من العنف.

ثانياً_ التوجه نحو المزيد من التخطيط وتنفيذ عمليات اغتيال للشخصيات والقيادات السورية والإيرانية واللبنانية، التي كان له دور في محاربة الإرهاب خلال السنوات الماضية في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً من ناحية، ومن ناحية أخرى لما قامت وتقوم به هذه الشخصيات من دور تخطيطي وتنفيذي وإشرافي في تنمية مقدرات وإمكانات المقاومة في لبنان وفلسطين على حد سواء.

ثالثاً- الضغط على سورية لتنفيذ المطالب والمصالح الحيوية الإسرائيلية من خلال القوة العسكرية، وفي مقدمتها فك العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وباقي قوى محور المقاومة، من خلال الإيحاء والترويج بأن هذه العلاقة ستكبد سورية بمؤسساتها وشعبها خسائر متراكمة في كل المجالات المتصلة بصور الحياة ومقوماتها، بالتزامن مع اشتداد واقع وتداعيات الحصار المفروض على سورية.

رابعاً- استنزاف مقدرات وإمكانات الجيش العربي السوري، وتحويله من قوى مهددة لأمن الكيان الصهيوني إلى مؤسسة ضعيفة لا تشكل أي تهديد على هذا الكيان لعقود طويلة من خلال استهداف مقومات قوته وفي مقدمتها القيادات العسكرية ومنظومات الدفاع الجوي، ولاسيما بعد تزايد التقديرات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية، والتي تضمنت تأكيدات عن زيادة الخبرة التي اكتسبها الجيش السوري خلال محاربته التنظيمات الإرهابية، وقدرته على التحول من جيش كلاسيكي إلى جيش قادر على تغيير أسلوبه وتكتيكاته بما يفرضه الواقع والمخاطر والتحديات المفروضة عليه، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان عام 2018.

خامساً- استخدام هذه الاعتداءات لتصدير أزمات الكيان الصهيوني الداخلية للخارج، أو محاولة اصطناع إنجاز معنوي وإعلامي، أو لفرض واقع جديد في قواعد الاشتباك، أو للضغط على القوات الأميركية للبقاء في المنطقة نتيجة الادعاء بوجود تهديدات ومخاطر تحيط بأمن الكيان المغتصب للأراضي العربية.

سادساً- خلق نوع من عدم الثقة والخلاف والنزاع بين محور محاربة الإرهاب ولاسيما سورية والجمهورية الإيرانية وروسيا الاتحادية، من خلال الترويج الصهيوني بأن هذه العمليات العدوانية تتم بتنسيق مع القوات الروسية، متجاهلاً أن روسيا كما سورية وإيران هي متضررة من هذه الاعتداءات، لأن من شأنها عودة الظروف لانتشار التنظيمات الإرهابية مجدداً وتضعف حليفتها سورية.

بالعموم المنطقة مازالت أمام صفيح ساخن، واحتمالية الانزلاق نحو التصعيد المفتوح مازالت قائمة رغم الحرص الذي يبديه الجميع، باستثناء بنيامين نتنياهو، لعدم الانجرار نحو المواجهة المفتوحة، إلا أن هذا الحرص وحده لم ولن ينفع مع زيادة التصدع القائمة على المستوى الأمني والعسكري الذي تشهده الدول المحيطة بفلسطين المحتلة، فهل تتحمل المنطقة المزيد من العربدة والعبث الإسرائيلي حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، أو إن هناك كلاماً لم يقل بعد من قبل محور المقاومة.

كاتب سوري

Exit mobile version