Site icon صحيفة الوطن

في مولد نبي الرحمة

| إسماعيل مروة

اليوم ذكرى مولد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، أو ما تعارف عليه أبناء الأمة للاحتفاء بمولده الشريف، وهذه الذكرى تعيدنا إلى سيرة عطرة لا جبروت فيها ولا تجبر، ولا قسوة ولا إساءة، ولا تشدد ولا كبر، القرآن نزل بصفته (وما محمد إلا رسول) (وإنك لعلى خلق عظيم) فهو الرسول الإنسان الذي جاء هدى للناس ورحمة، جاء إلى الأمة ليتمم مكارم الأخلاق لا ليوجدها، فأمة كانت قادرة على استقبال الرسالة المحمدية وفهمها بكل تفاصيلها، وبقرآنها ولغته، وتعاليمها العالية هي أمة متحضرة وليست كما يصفها كثيرون بالتخلف في محاولات منهم للإعلاء من شأن الإسلام ورسالته.
وقد أثبتت سيرة النبي الكريم سماحة الرسالة التي يحملها، والتي أمر بتبليغها للناس كافة، ولو أمعن الباحث النظر في كل ما جاء في الرسالة المحمدية دون أي أغراض أخرى فإنه سيلمس دون أدنى عناء أن هذه الرسالة هي رسالة حياة جمعت ما بين أمرين لم يجمعا من قبل هما الحياة والروح، فقد أولى الإسلام بتعاليمه السماوية وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه الحياة القيمة التي تستحقها، فهي حياة ومستقر ومعبر انطلاق، لكنها حياة تستحق العناية والحياة، فحثّ على العمل وبذل الجهود الكبيرة، وحذّر من أن يمرّ الإنسان في هذه الحياة دون أن يترك أثره الدال عليه، وأعطى تفاصيل الحياة عناية خاصة، وقد تأكد الباحثون الإسلاميون وغير الإسلاميين من خلال النصوص التي لا لبس فيها، ولا يأتيها الباطل مطلقاً، أن الإسلام عمل على تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية من معاملات ومداينة وزواج وأسرة ومحاكمات، وغير ذلك مما لم تحفل به الشرائع والعقائد من قبل، والنصوص الواردة في المواريث كانت محكمة إلى درجة بعيدة، ولا يجيد التعامل معها إلا أولو العلم الذين استطاعوا فهم المعادلات والنصوص كما يجب.. وهنا لا يتم الالتفات كثيراً إلى بعض الآراء والاجتهادات التي تشتط حتى تخرج النص عن الهيئة التي وضع لها.. فالدنيا والحياة في الإسلام في المكانة العليا، وعندما نقول: لا تساوي جناح بعوضة، فهذا عن الخاتمة، وهذا حث حقيقي للإنسان المؤمن أن يتعامل معها بجد وإيجابية، لأن الخاتمة النهائية لا تساوي شيئاً في القيمة المضافة مادياً ومكانة.. وعندما نفهم قيمتها كما أرادها الإسلام فإننا سنعمل لمصلحة الإنسان وغاياته العليا، ونبتعد عن الجشع والطمع لا غير، وإلا بماذا نفسر اهتمام النص القرآني بالمعاملات الدنيوية والمادية، إن كانت لا تساوي شيئاً؟ ومعروف أن آية المداينة هي أطول آيات القرآن الكريم وأكثرها تقييداً (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) والتفصيل الذي جاءت به يؤكد قيمة الحياة الدنيا لا حقارتها، والإسلام اعتنى بالروح، والرسالة المحمدية أعطت الروح مكاناً سامياً، وأبعدتها عن أي نقاش أو تصوّر (من أمر ربي) فترك الإسلام الروح في عالم ملغز مغلق سامٍ هو عالم لا يعلمه إلا الله، لذلك رأينا من يأتي ليحاول تفسير الروح ومكانها وانتقالها وإمكانية انتقالها وغير ذلك، وكل ذلك بقي في إطار التفسير والاجتهاد والتأويل.
خمسة عشر قرناً ولم تبقَ محاولة للنيل من شخصية الرسول الكريم إلا وعرضت نفسها، وتم تمويلها ودعمها، لكنها بقيت عاجزة وطواها النسيان، وبقيت صورة النبي الكريم المتسامح الذي يحافظ على الناس كافة، والذي احترم الأديان كافة، وكان من صلب عقيدته ووحيه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، النبي الذي سنّ العقاب لمن هجاه، ولكنه صفح عندما جاءه المذنبون من عبد الله بن الزبعرى إلى كعب بن زهير، الحريص على أعراض الناس عندما أوكل إلى أبي بكر أن يدل حسان بن ثابت على الأنساب حتى لا يؤذيها في شعره، بقي النبي الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولم يصفح في حدّ من حدود الله (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وكان الرسول أرحم الناس بالناس، وكان لا يأخذ الحد حتى يتأكد، ويعطي الفرصة للمذنب أن يتوب أو يتراجع.. الرسول الذي اختار لأصحابه ما لا يؤذي مشاعرهم، وهو الذي أطلق لقب زيد الخير على زيد الخيل، وهو الذي أمر أصحابه بعدم ذكر سوءات الجاهلية (الإسلام يجبّ ما قبله).. في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوة لنا جميعاً أن نتبع هديه وهداه، وأن نعرف حقيقة دعوته الإنسانية التي استطاع كثيرون تأويل أشياء منها لتصبح بعيدة عن صفاء المنبع الإسلامي الصحيح، إنه جوهر النبي والرسول الذي عمل بوحي ربه، وأرشد الأمة، فتمم مكارم الأخلاق، وأعطى القدوة، وهو الذي أطلق سفانة ابنة حاتم الطائي من الأسر، وقال: أطلقوها، فإن أباها كان رجلاً يحب مكارم الأخلاق.
إليك أيها النبي الكريم الحب والوفاء لذكراك ودعوتك التي تنقذ الإنسان من غياهب الظلام وجعلت العرب أمة كريمة فيما لو عملت في هديك.

Exit mobile version