Site icon صحيفة الوطن

من جفتر الوطن – «وردة أم قنبلة؟»

| حسن م. يوسف 

يعلم قارئي المتابع أنني عاهدت نفسي منذ بداية هذه الحرب-الجريمة التي يشنها أشرار العالم على وطني بالتعاون مع بعض مواطنينا الساذجين المضللين، ألاَّ أكتب أي كلمة تباعد بين السوريين. فقد كانت وحدة سورية وشعبها ولا تزال هي أكثر الأشياء قداسة بالنسبة لي، وعندما يكون عليَّ أن أختار بين ما يبدو لي أنه الحقيقة الساطعة وبين مصلحة بلدي وأبناء شعبي فلسوف أختار سورية من دون ظلٍ من تردد ولتذهب تلك الحقيقة إلى حيث تشاء.
يشهد ماضيَّ أنني عشت حياتي كلها معارضاً للخطأ موالياً لسورية، وأنني كنت دائماً وما أزال من أشد مناصري التغيير، لكنني كنت دائماً وما أزال ضد النكوص إلى الخلف والتغيير نحو الأسوأ.
قبل عشرة أعوام أصدر الأديب والمفكر محمد كامل الخطيب كتاباً، بدا لي في حينه أنه نوع من الرجم بالغيب. الكتاب بعنوان «وردة أم قنبلة؟ إعادة تكوين سورية» وقد توصل محمد كامل الخطيب في آخر كتابه لاستنتاج خطير أورده حرفياً كما جاء في الصفحة 90 من ذلك الكتاب:
«إننا في سورية وفي المنطقة العربية عموماً، وربما في العالم، على مفارق طرق، والتاريخ أفق احتمالات أكثر مما هو ممرات إجبارية، وأمامنا نهجان فأيهما ننهج؟
أمامنا نهج الدولة الوطنية ذات العَاقِد، أو اللاَّحم البشري- السياسي- الثقافي- المدني، وأمامنا نهج الدولة الدينية – الطائفية أو القومية المتسلطة ذات العاقد اللاحم الإلهي الديني، فأيهما نختار؟».
وبما يشبه النبوءة، يقول محمد كامل الخطيب في كتابه الصادر عام 2006: «يبدو أن سورية ومعها مناطق وبلدان كثيرة على أبواب إعادة تكوين فهل ستجري إعادة التكوين هذه على أساس عقلاني، علماني، ديمقراطي، مدني، أي على أساس تعاقد وطني اجتماعي متساو للبشر كبشر يستطيعون اختيار هوياتهم ودولهم أو… ».
دعونا نعترف أن نبوءة محمد كامل الخطيب المخيفة قد تحققت، فسورية لم تكن يوماً محكومة بخيار الوردة أو القنبلة أكثر مما هي الآن. ولهذا أبق البحصة وأناشد كل المعارضين في الداخل والخارج أن يتحرروا من أحقادهم وعنعناتهم الانتقامية وأن يرجحوا مصلحة سورية على مصالحهم الأنانية الضيقة.
أجزم أنه من العبث أن نحاول إقناع التفاحة الفاسدة بالتخلي عن فسادها فالرجوع عن الفساد أمر غير ممكن. لأن قدر الفاسدين هو المزيد من الفساد، لذا لا أخاطب اليساريين الذين باعوا مواقفهم وأسماءهم لليمين الظلامي النفطجي، وهم يعرفون أنفسهم جيداً، وقارئ هذه الكلمات يعرفهم جيداً، بل أخاطب من تبقى فيهم ضمير من مناصريهم، ومن المعارضين السوريين السلميين على اختلاف مشاربهم. صحيح أن قوتكم على الأرض محدودة جداً، وأكثركم ليس له أي وزن عسكري، لكنكم تمثلون إحدى الرايات التي ترفعها رمال الظلامية الوهابية وجلاوزة الطورانية، وكل أشرار العالم الذين يشتهون ويتهيؤون للزحف على سورية، من الجنوب والشمال، لا ليأكلوا عيني علمها الخضراوين وحسب، بل ليمحقوا كل أخضر ويابس فيها.
لقد سرقت الحرب التي تبررون استمرارها خيرة شبابنا بين شهيد وجائع وعاطل ومهاجر وغريق، كما سرق تجارنا، شركاؤكم في هذه الحرب-الجريمة ثمانية أَتْسَاعْ اللقمة البسيطة التي كان المواطن السوري يتقوَّت بها قبل هذا الجنون الذي تسمونه «ثورة ».
تعالوا كي نقوم معاً بتصحيح أخطائنا قبل أن تصبح خطايا، تعالوا كي نتصدى لهذا الجنون الإجرامي قبل أن نصبح جميعاً مجانين مجرمين! صحيح أن الحكومات التي تعاقبت على بلدنا قد تفننت في الفساد والإفساد، لكن الأخطاء التي اقترفتها الحكومات السورية المتعاقبة لا تعني أنكم على صواب.
تعالوا كي نسقي ونقلِّم ونرعى وردة سورية العقلانية فينا وحولنا، قبل أن تنفجر قنبلة السواد وتنسفنا جميعاً.

Exit mobile version