Site icon صحيفة الوطن

اختبار إرهاب آل سعود والعثمانيين

| وضاح عبد ربه

لم يستقبل الشارع السوري اتفاق وقف ما سمي بالعمليات العدائية بالترحاب الذي يرافق مثل هذه الاتفاقيات عادة، ليس لأن السوريين لم يتعبوا بعد من كل ما أصابهم من كوارث ومصائب طالت كل عائلة سورية، بل لأنهم يعرفون جيداً أن من يقف خلف الإرهاب ليسوا بصدد وقف العمليات الإرهابية أو الشروع في هدنة أو حتى إجراء مصالحة، وهم الذين أعلنوا لأكثر من مرة أن لا حل في سورية إلا الحل العسكري، في حين توهم آخرون بالصلاة في المسجد الأموي في حلم إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، وها هم غير قادرين على السيطرة على مدينة من مدنهم كديار بكر على سبيل المثال لا الحصر.
في الوقائع هناك اتفاق أبرم بين اللاعبين الكبار مستبعداً الصغار الذين سبق أن تم إبعادهم في جنيف 3 وفي تفاهمات فيينا على الرغم من حضورهم الرمزي ومن خلال ممثلين لهم، وينص الاتفاق على وقف العمليات العدائية اعتباراً من السبت القادم، على أن تعلن الفصائل المقاتلة موافقتها على وقف إطلاق النار في مدة أقصاها يوم الجمعة لتحصل على الحماية الموفرة في مثل هذه الاتفاقيات، أي سيكون عليها أن تعلن جهاراً أنها غير مرتبطة بالإرهاب الذي يشكله تنظيما داعش والقاعدة بذراعها السورية جبهة النصرة، وأن تنضم إلى جهود محاربتهما لتثبت حسن نواياها و«اعتدالها»!
القارئ السياسي يمكن له أن يستشف أمرين من الاتفاق الروسي الأميركي، الأول: أن ما عجز عن التوصل إليه الأردن من وضع لائحة للتنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية، سيتمكن هذا الاتفاق من إظهاره علناً من خلال ما ستعلنه الفصائل الإرهابية من موافقة أو رفض لاتفاق وقف العمليات العدائية، ما يعني انتصاراً للمطلب الروسي الذي كان ولا يزال يطالب بوضع هذه اللائحة والتي طال انتظارها!
الأمر الثاني: أن هذا الاتفاق سيضع آل سعود والعثمانيين في مأزق الاختيار بين وقف الدعم المقدم للمجموعات الإرهابية والموافقة على وقف العمليات العدائية والانصياع للقرار 2253، أو الاستمرار في تقديم الدعم المالي والعسكري ما سيجعل منهما وبشكل رسمي وعلى مستوى أممي دولتين راعيتين للإرهاب وداعمتين له، وما سيترتب على ذلك من نتائج وخاصة بالنسبة لأردوغان وحكومته التي قد تجد نفسها في موقف محرج، لها ولحلف الناتو، الذي لا يريد أن يصبح في موقع الدفاع عن دولة باتت رسمياً متهمة بدعم وتمويل الإرهاب لا بل احتضانه لغايات وأحلام فردية.
إذاً، الاتفاق الروسي الأميركي لا بد من اعتباره انتصاراً لمحور المقاومة ولروسيا، وهذا ما ستظهره الأيام القليلة المقبلة، لأنه اتفاق من شأنه أن يفضح سياسات آل سعود وأردوغان ويختبر مدى رعايتهم للإرهاب الدولي وتمسكهم فيه أو التخلي عنه.
ودمشق التي استبقت الإعلان الرسمي عن الاتفاق لتعلن استعدادها لاحترامه، عادت وأكدت أمس في بيان رسمي قبولها به، لأنها تدرك أنه الاتفاق الذي سيضع حداً لأوهام السعودية وتركيا باعتماد الحل العسكري بدلاً من الحل السياسي، وتدرك أيضاً أنه اتفاق يتيح لها الحفاظ على تقدم وتفوق الجيش السوري على جبهات حلب وإدلب ودير الزور ودرعا والقنيطرة وأرياف العاصمة وحمص وحماة حيث تتواجد فيها داعش والنصرة، المستثنيتان من أي اتفاق لوقف الأعمال العدائية.
إذاً نحن أمام اختبار كبير سيولد بشكل تلقائي لائحة بالتنظيمات الإرهابية ويصنفها دولياً بذلك، وهذا من شأنه أن يعزز ما كانت ولا تزال تؤكده سورية بأنها تحارب إرهاب دول ولا تحارب «شعبا ثائرا»، كما من شأنه أيضاً أن يفضح سياسات بعض الدول التي باتت تبحث عن مخرج للتنصل من تهمة دعم وتمويل الإرهاب وخاصة تلك المتورطة بتسليم شحنات أسلحة ومال لتنظيمات قيل عنها إنها «معتدلة» فظهر بأنها حليفة النصرة وداعش وتتشارك معهما في غرف عمليات مشتركة على الأقل.

Exit mobile version