Site icon صحيفة الوطن

ذا فويس كيدز الكذبة الكبيرة … برامج رائجة ولا بديل منها يسد حاجتنا الوطنية!

| عامر فؤاد عامر

تابعنا على مدى شهرين إلى ثلاثة أشهر فعاليّات مجموعة من حلقات برنامج «ذا فويس كيدز» وهو نسخة مكررة عن برنامج عالمي يدور عبر قارات ومناطق العالم، بدأ بنسخته للكبار والآن بنسخة للأطفال الصغار.

أضواء وزيف
ماذا قدّم هذا البرنامج؟ قدّم مجموعة من الأصوات المميّزة والجميلة، ابتهج بها المتلقي العربي، تحت وطأة إخراج بروفيشنال، وإضاءة ساحرة، وخيارات مناسبة من أسماء لجنة التحكيم، أي مطربين حققوا شهرة واسعة في الوطن العربي، فيمكن استغلال أسمائهم لاستقطاب جمهور أكثر، وتلاعب بمشاعر الناس وصولاً للنهاية.

الهديّة!
لكن من الجانب الآخر لقد فات البرنامج والقائمين عليه الكثير من القضايا، فهل يُعقل أن يُهدى الطفل مبلغاً من المال على مشاركته– 1500 ريـال سعودي- فهل الطفل يسعى للمال في سنّه هذا؟ لماذا لم تكن الهديّة آلة موسيقا يحبّها هذا الطفل المشارك في البرنامج؟ ألا تكون ذكرى جيدة له تتناغم مع خطّه الفنّي الذي يحبّه!

وعود خلبيّة
فعبر أكثر من دورة لبرنامج «ذا فويس» يتمّ الوعد برعاية المتسابق الأول أو بعض المتسابقين الآخرين، لكن بعد مرور سنوات؛ أسأل نفسي: أين هؤلاء المشاركون؟ وماذا قدّمت لهم المحطة تلك أو الجهة الراعية للبرنامج؟! لقد غمرتهم بالإحباط، وشروط الإملاء التي تبعدهم عن جهودهم الصحيحة في خطّهم الإبداعي، واليوم يتمّ التعامل بقسوة مع أبنائنا أيضاً، فهناك استهزاء بمشاعرهم وتجاوز لرغباتهم على مبدأ الإهمال غير المفتعل، لكنه في الحقيقة مقصود، فهل يا تُرى سيتمّ الاهتمام بالفائز كائناً من كان ليكون نجماً عربيّاً أو عالميّاً، أو السعي لتربيته الموسيقيّة، وتهذيب الذائقة العامة من خلاله؟ بالتأكيد وحسب القياسات التي فهمناها لن يتم شيء من ذلك، لأن الموسم الجديد من البرنامج سيكون قد بات مجهزاً، وسيتمّ نسيان الموسم السابق منه، وهكذا يجري حجر الرحى ليهرس المواهب ويشوّهها.

عقد نفسيّة
بعد اللقاء بأكثر من شخص شارك في هذه البرامج، أو في مثيلاتها، وجدتُ صبغة عامة يتمّ التحدّث بها، وهي أن هذه البرامج تسلّط الضوء على المشارك بصورة مكثّفة ثم تزيلها فجأة وتتعامل مع المبدع بإهمال ونسيان ليقع في حالة من الضياع، فاليوم مشهور والأضواء مسلّطة عليه، وغداً يجلس في العتمة لا أحد يتطلّع إليه، يجتر ذكرى غير نافعة.

عيوبنا وسلبيات كثيرة
العيب الأكبر هو في استقطاب المواهب السوريّة وتزيين برامجهم من خلالها، فمع الأسف هذه البرامج هي الرائجة ولا بديل منها يسد حاجتنا لها في الوطن، فلو كان لدينا مثل هذا الأمر من برنامج أو مسابقة أو رعاية من وزارة الإعلام أو عدد من الوزارات لما كانت هجرة المواهب السوريّة نحو برامج كهذه قد حصلت، ولاستغنينا عن الاصطدامات التي تحصل مع الموهوب السوري وما يجري من تحكم به من سلبيات برامج المواهب تلك التي لن تخدم إلا أصحابها ومروجيها حتماً. فأن يكون لدينا في برنامج «ذا فويس كيدز» 18 صوتاً سورياً من أجمل الأصوات عربيّاً، فهذا دلالة على الغنى والفقر معاً، فالوطن غزير بالمواهب المتميّزة الدّالة على التنوّع، وفي الوقت نفسه فقير بالفرص التي يمكن للمؤسسة القائمة أن تقدّمها مع كلّ أسف، وهذا هو الدّافع الذي جعلني أستضيف اثنين منهم لأسلّط الضوء عليهم كموهبة حقيقية في قوّة الصوت، والحالة التمثيليّة أيضاً، فجاء حوار خاصّ عبر صحيفة «الوطن» لكل من «زين عبيد» و«عبد الرحيم الحلبي» وكنت أتمنى لو استطعت إيجاد مساحة للمواهب السوريّة الأخرى.

تمجيد كاذب
بالمناسبة أودّ أن أسلّط الضوء أيضاً على ملاحظات باتت جليّة في برنامج «ذا فويس كيدز» منها تمجيد لجنة التحكيم لمسرح البرنامج، وكأنّه أسطورة! ليرسخ ذلك في أذهان الأطفال المتابعين وخلق رغبة لديهم للمشاركة في موسمٍ قادم، كما تاجروا في جملة «هرب من بلده أو هُجّر من موطنه نتيجة الحرب والدمار والقذائف» ولا تكاد تخلو حلقة منه من هذه الجملة. أيضاً ظهر الأطفال كلّهم واعين وأكبر من عمرهم بل كباراً في كثير من الجمل، ولم يكن أي منهم بريئاً في ردّة فعله باستثناء الطفلة «غنى أبو حمدان» التي بكت لدى التفات «نانسي عجرم» إليها وهنا العفوية أيضاً تمّ تسليط الضوء عليها لاستخدامها في غرض تشويهي، ومقاصد غير بريئة، ونقرأ في مواقع الأخبار أنها أصبحت في الترتيب الخامس بين أطفال ذا فويس كيدز عالمياّ في التأثير على المتلقي والمشاهد وكثرت التعليقات حول لماذا وما السبب؟

اعتبارات رخيصة
جرح مشاعر الأطفال هو حالة سلبية واضحة، فلا اختيار الأطفال كان سليماً، ولا مراعاة مشاعرهم كان كذلك، خصوصاً بعد معرفة الكثير من الأخبار التي وصلتني، وردّات الفعل التي حصلت وراء الكواليس، ما يدعو إلى الازدراء، وفهم لغة السياسة المبطّنة، حتى في التعامل مع الأطفال، فمثلاً لا يجوز أن يتأهل المتسابق «عبد الرحيم الحلبي» ليصل إلى النهائيات 3 أطفال من سورية! على الرغم من جودة صوته، والأداء المميّز، وإشادة لجنة التحكيم به خصوصاً «كاظم الساهر» و«نانسي عجرم». والعديد من الأسماء التي تمّ استثناؤها لاعتباراتٍ رخيصة.

مسموم
في النهاية البرنامج مسموم قولاً واحداً، وهو كذبة كبيرة، وبالتأكيد لن تأتي بريطانيا لتقدّم فكرة برنامج يهتمّ بالطفل العربي، في حين هي تسعى لدمارنا من الأساس والهويّة منذ آلاف السنين. سواء من خلال الفراغ الذي نحيا فيه إن فكريّاً أم أمنيّاً أم في الوعي، ومساحة الردّ، والفرصة المتاحة، وإلى ما هناك من فجوات، سيجعلنا بصورةٍ أو بأخرى منقادين باتجاه برامج كهذه لتشكّل لنا هدفاً مع كلّ أسف.

Exit mobile version