Site icon صحيفة الوطن

أي جامعةٍ للدول العربية؟!

| بيروت – محمد عبيد

في حزيران العام 2013 قررت دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب اللـه اللبناني منظمة إرهابية دون الإعلان عن ذلك، لكنها بدأت باتخاذ الإجراءات الأمنية كافة ضد كل منْ قررت تصنيفهم أصدقاء أو مناصرين لهذا الحزب. وكان أبرز هذه الإجراءات إبعاد هؤلاء من دون أي مسوغ قانوني أو قضائي أو حتى تبريري ولكن على مراحل خوفاً من ردود فعل يمكن أن يقوم بها الحزب أو أقرباء المبعدين ضد رعايا دول الخليج الموجودين على الأراضي اللبنانية أو ضد مصالح هذه الدول. إلى جانب أن أنظمة مجلس التعاون وعلى رأسها النظام السعودي كانت حتى اللحظة الأخيرة تراهن على استحالة إقرار الاتفاق النووي الإيراني-الغربي ما يعني استمرار الحصار والعقوبات على طهران، كما أنها كانت تعتقد بحتمية سقوط النظام والدولة في سورية وبالتالي فإن ما تصبو إليه هذه الأنظمة سيتحقق بالجملة بحيث إنه ستتم محاصرة حزب اللـه كحالة إقليمية تلقائياً وستتكفل القوى الحليفة لها في لبنان بالباقي داخلياً، فلمَ الاستعجال الذي قد يثير إشكالات كبيرة هي بغنى عنها آنذاك؟
إلا أن توقيع الاتفاق النووي وصمود سورية البطولي دفعا بأنظمة الخليج وفي مقدمها السعودية إلى الجنون وبالتالي تجاوز كل قواعد الاشتباك الإقليمية التقليدية عبر شن عدوان إجرامي على الشعب اليمني والإعلان جهاراً عن رعايتها وتدريبها وتمويلها للمجموعات الإرهابية التكفيرية في سورية إضافة إلى التصعيد السياسي والإعلامي تجاه إيران والقوى الحليفة لها كحزب الله. والأخطر من ذلك كله استباحة كل المحرمات الدينية والأخلاقية من خلال تجنيد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التابعة لها لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين الشعوب العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه التجرؤ على الأمة بكاملها وقضيتها المركزية فلسطين من خلال تسريب أخبار لقاءات بعض المسؤولين السعوديين مع مسؤولين بارزين في كيان العدو الإسرائيلي.
حتى ذلك الحين، كان العدوان على الأمة بلباس خليجي ولم تنجح مساعي الرياض في تحويله إلى تحالف إسلامي يستهدف محور المقاومة بسبب فشلها في توريط باكستان في جنونها، فلم يعد من مفر من الإطباق على جامعة الدول العربية وجرها إلى تبني المواقف السعودية المغلفة بقرارات خليجية. كان من الطبيعي أن تتمكن الرياض من هذه الجامعة، فسورية خارجها ومصر ترزح تحت وطأة الترغيب الخليجي النقدي والترهيب الأمني بينما تتوجس دول المغرب العربي المخاطر التي تدق أبوابها بسبب استحكام الإرهاب التكفيري بجارتهم ليبيا. أما العراق فيكفي لإشغاله تحريك الفتنة المذهبية والانتحاريين بالسيارات المفخخة، ويبقى لبنان الذي أدمن بعض مكوناته الاستتباع للنظام السعودي وتنفيذ أوامره ولو كانت على حساب توازنه واستقراره الداخلي ومعنويات ومقدرات جيشه وقواه الأمنية، وبالتالي لم يكن تصنيف المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب اللـه سوى محطة سعودية أتت استكمالاً لخطوات قطرية سابقة على طريق تدجين ما تبقى من مكونات هذه الجامعة تمهيداً للصدمة الكبرى وهي الاعتراف المطلق بالكيان الإسرائيلي كمكون إقليمي بناءً على مبادرة الأمير عبدالله بن عبد العزيز آنذاك حول ما أسماه الصراع العربي-الإسرائيلي والتي أقرت في القمة العربية في بيروت العام 2002.
كان الهدف الأساس من إنشاء جامعة الدول العربية هو إيجاد إطار إقليمي مركزي يوحد الموقف العربي لدول ناشئة تحررت من نير الاستعمار الغربي ولمساعدة دول مازالت تكافح لنيل استقلالها، وما إن أكتمل عقدها حتى انتقلت إلى السعي لتوحيد مقدراتها وقواها لاستعادة فلسطين أو على الأقل لتشكيل قوة دافعة وداعمة لدول الطوق حول الكيان الإسرائيلي بهدف تحرير فلسطين.
أما اليوم، وبعدما قرر ما تبقى من هذه الجامعة تصنيف المقاومة ضد العدو الإسرائيلي إرهاباً وبعدما صارت اتصالات أنظمة الخليج مع هذا العدو علنية عبر سفارات ومكاتب تمثيلية أو لقاءات ثنائية تآمرية وبعدما انتفت المصلحة العربية المشتركة بسبب الانقسام حول العقيدة والعدو والصديق، بات السؤال منطقياً ومشروعاً حول جدوى بقاء هذه الجامعة أو البقاء فيها وحول شرعية اعتبارها ممثلاً جامعاً للشعوب العربية، إلا في حال إن جرفها ربيع عربي حقيقي يعيد تصويب بوصلتها القومية.

Exit mobile version