Site icon صحيفة الوطن

300 موقع أثري متضرر في سورية وبمستويات مختلفة

| السويداء- عبير صيموعة

أشار المدير العام للآثار والمتاحف في سورية الدكتور مأمون عبد الكريم إلى الأضرار الكثيرة التي تعرضت لها الآثار من تخريب وسرقة وتنقيب قائلا: لتوضيح الأضرار يمكن تلخيصها بثلاثة أنواع من الأضرار الاشتباكات والتنقيب السري والاشتباكات بفعل الفكر التكفيري الإيديولوجي.
موضحا أنه بعد اشتداد الاشتباكات تحصنت المجموعات الإرهابية في بعض الأماكن الأثرية فحولتها إلى ساحات للمعارك مثل مدينة حلب، وهي أكثر المدن المتضررة من الحرب وخاصة حلب القديمة، حيث وقع دمار هائل على أكثر من ألف محل تم حرقها في أسواق حلب القديمة، إضافة إلى أكثر من 140 من المباني التاريخية، كما تضررت مئات المباني التقليدية التراثية فأصبحت حلب في وضعها الحالي تشبه مدينة وارسو بعد الحرب العالمية الثانية للأسف.
وهناك مواقع كثيرة تضررت بسبب الاشتباكات في مدينة حمص ومعلولا وبصرى، ووقعت أضرار خفيفة في مدينة دمشق القديمة نتيجة لسقوط قذائف الهاون على القلعة، ولكنها لا تقارن مع المدن الأخرى.
أما التنقيب السري فبعد أن غابت المؤسسات الحكومية عن كثير من المناطق السورية، وخاصة منطقة الفرات والمناطق الجنوبية.. تعرضت هذه المناطق لعمليات تنقيب سرية واسعة، حيث شهد موقع ماري على نهر الفرات والذي يعود إلى خمسة آلاف عام وموقع دورا أوروبوس الذي يعود إلى 2300 في دير الزور، إضافة إلى عشرات المواقع في محيط هذين الموقعين، نكبة حقيقية بسبب مشاركة عصابات الآثار القادمة من دول الجوار والمتعاملة مع الأسواق السوداء العالمية بالاتفاق مع لصوص آثار في سورية الذين استغلوا فقر بعض الناس وجهلهم واستخدموهم كعمال في كثير من المناطق، وفي كثير من المناطق الأخرى استعملوا البلدوزرات في التنقيب فحرقوا صفحات هائلة من تاريخ الشعب السوري لأننا لا نعلم ماذا كان في المكان.
ويجب ألا ننسى أفاميا التي تضررت وشهدت الكثير من السرقات وأرسلت المسروقات إلى دول الجوار، علما بأنه لا يوجد تعاون مثلا مع تركيا، ولا يتم تزويدنا بالبيانات ما يخلق إشكاليه حقيقية، والدولة الوحيدة التي تقوم بالتعاون معنا في قضية تهريب الآثار هي دولة لبنان.
ويضيف الدكتور مأمون: أما النوع الثالث وهو الاشتباكات الإيديولوجية وذلك بفعل الفكر التكفيري الإيديولوجي الذي يهدف إلى تدمير الحضارات، كما حدث في مدينة تدمر، هذا التدمير طال معبد بل- معبد بعل شماين- الأبراج- قوس النصر، حيث تم الكثير من التدمير والتفجير، وهذا ما تسبب بفاجعة حقيقية في حق التراث السوري والإنساني، وخاصة أننا نتحدث عن أيقونة الآثار السورية والعالمية «تدمر» وهي من أمات المواقع المدرجة على لائحة تراث العالم، وبعد عملية تحرير تدمر والتي قامت بها وحدات الجيش السوري تم تشكيل لجنة من الآثار على رأسها الدكتور أحمد ذيب مدير شؤون المتاحف ستبدأ مباشرة بإحصاء الأضرار التي لحقت بالآثار في تدمر إضافة إلى المدمر منها لإجراء عمليات ترميم وإعادة تأهيل.
ولقد وضعنا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وخاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن 12/99 القاضي بتجريم تهريب وتخريب الآثار في سورية والعراق، وفي مؤتمر إنتربول في 8 آذار بحضور 15 دولة، وكان لي شرف تمثيل سورية حيث تمت دعوتي كضيف شرف لهذا المؤتمر، وألقيت محاضرة علمية وطالبت الحضور بالبحث عما تمت سرقته فهذه مسؤولية دولية.
وبلغة الأرقام نتحدث في سورية عن أكثر من 300 موقع أثري متضرر بمستويات مختلفة قد تكون قاسية أو متوسطة، وبعضها عادي من أصل 10 آلاف موقع لكن المباني المنفردة نعتبرها موقعا واحدا في حلب مثلا هناك المئات من المباني التراثية تضررت كما احترق 140 من المباني المنفردة.
وجميع هذه الأضرار تم إعدادها ضمن خريطة تفاعلية عن طريق «غوغل إرث» وتم توثيقها بجميع تفاصيلها، وأجمل ما في الأمر أن أي قارئ في أي دولة في العالم يستطيع الدخول إلى موقع «غوغل إرث» باللغتين الإنكليزية والعربية والدخول إلى موقع عام مديرية الآثار والمتاحف في سورية والاطلاع على جميع البيانات المتعلقة بالآثار في سورية، وكان إعداد هذه الخريطة التفاعلية من أقوى الأعمال التوثيقية عبر التكنولوجيا الحديثة، وبنفقات بسيطة وبشهادة الوفود الأجنبية المشاركة في مؤتمر شباط 2015 باليونسكو في بيروت أن «هذا العمل من الصعب إنجازه بتلك السرعة في وقت السلام، ولكنكم أنجزتموه ضمن ظروف الحرب ونحن ليس أمامنا سوى أن نهنئ العاملين في مديرية الآثار والمتاحف على هذه الجهود الجبارة».
ولدينا أرشيف بموضوع تقانة المعلومات تجاوز العدد في عام 2014/2015 (250) ألف صورة جديدة للقطع الأثرية الموجودة في المتاحف السورية أضيفت إلى الصور القديمة، حيث استغللنا الظروف بأننا لا نقوم بأعمال الترميم آنذاك فتوجهنا إلى أعمال التوثيق، وفي مديرية المباني والمتاحف في دمشق تمت أرشفه أكثر من 80 ألف وثيقة وخريطة، وتمت أرشفة جميع سجلات المتاحف السورية، فإذا ضاعت قطعة أثرية يكون لدينا ما نملك من المعطيات حولها من إثبات ملكيتها والآن هناك مشروع جبار تحدثت عنه الصحف المحلية ونشرته الوكالة الفرنسية منذ أيام وهو مشروع توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد والموقع تم ضمنه إخراج الآلاف من الصور الثلاثية الأبعاد لمجموعة من المواقع والمباني مثل قلعة الحصن وأوغاريت ومسرح جبلة والجامع الأموي وقصر العظم والكثير من المباني بالتنسيق مع شركة فرنسية مستقلة تحدت جميع العلاقات الدولية ودخلت منذ عام 2014 بعلاقات مع سورية وقدمت هذه المبادرة المجانية مدفوعة بحبها للآثار السورية، وأعلنت أنها تعمل تحت إشراف المديرية العامة للآثار والمتاحف علماً أنها تتألف من مجموعة من المعماريين الشبان الذين لديهم مكتب خاص في الإعمار والتوثيق في فرنسا.
ونحن الآن نتطلع إلى زيادة الخريطة وقد دفعت هذه الإنجازات جهات دولية أخرى مثل منظمة الأوابد العالمية للدخول معنا في موضوع توثيق المباني الأثرية الثلاثية الأبعاد في دمشق القديمة تحت إشراف اليونسكو.
وأشار عبد الكريم أن هناك بعض القطع الأثرية ما زالت ضائعة أو مفقودة وهناك الكثير من القطع الأثرية خرجت خارج القطر وتجري متابعة الأمور بالتنسيق مع الإنتربول العالمي، والجهات المختصة السورية استطاعت إعادة أكثر من عشرة آلاف قطعة أثرية منها 6500 قطعة أثرية صحيحة وحوالى 3500 قطعة مزورة ومازال الكثير من القطع الأثرية موجوداً في تركيا والأردن وترفض الدولتان التعاون وهناك نشاط لمهربي الآثار في إسرائيل والجولان المحتل، وهناك قطع وصلت إلى الأسواق السوداء في أوروبا ودبي وقطر ودول الخليج، إلا أننا استطعنا ضبط مجموعة قطع أثرية واستطعنا بما لا يدع المجال للشك أن نثبت ملكية تلك القطع بإظهار بياناتها بالتفاعل مع أعضاء البعثات الأجنبية العاملة سابقا في سورية والتي تعاون أفرادها معنا منها الألمانية والفرنسية وغير ذلك لإثبات ملكية تلك القطع للدولة السورية.
كما لفت الدكتور عبد الكريم إلى أن هناك مبادرة جديدة من جامعة أكسفورد بإرسال مئات من الكاميرات الصغيرة إلى المديرية لتوثيق أكبر عدد ممكن من المباني في سورية، وجاء هذا بعد أن استطعنا إقناع المجتمع الدولي بأننا تمكنا من إنقاذ 99% من المقتنيات المتحفية في المتاحف السورية رغم مآسي الحرب وهي الآن في أماكن آمنة وهو ما أدهش العالم، ومن دون مبالغة أعطينا صورة للمؤسسة كأقوى مؤسسة في العالم، وأنه رغم حجم الدمار بحق هذا الوطن وشعبه استطعنا تخفيف الأضرار عن آلاف المواقع من خلال التفاعل مع المجتمع المحلي في كثير من المناطق السورية من أقصى الشمال في المالكية إلى أقصى الجنوب في بصرى حتى في المناطق التي هي خارج نطاق سيطرة الدولة، فإن النخب الثقافية والشرفاء من أبناء المجتمع المحلي يقومون بدور الوساطة والدعم والتعاون مع موظفي مديرية الآثار.

Exit mobile version