Site icon صحيفة الوطن

الخياطة الرجالية … مهنة مهددة بالزوال!!

| اللاذقية – عبير سمير محمود

جالس خلف ماكينته ينتظر قطعة قماش تحرك أصابع يديه اللتين ترتسم عليهما تجاعيد أنيقة دَرَزتها «خيطان» ملونة لتشهد على 50 عاماً من خياطة الألبسة الرجالية قبل أن توقفها عوامل خارجة عن حياكة هذا الزمن.
هكذا بدت ملامح أبي عدنان من خلف زجاج محله في نهاية امتداد شارع سوق الذهب باللاذقية، وعند الحديث معه عن سبب توقفه عن العمل رغم وجود «العدّة» كاملة في محله من إبر بمختلف القياسات- مقصات متعددة- علب للخيطان- مكواة حديدية وأدوات التعليق وكل أمور الخياطة المرتبة بشكل أنيق التي تنتثر عليها طبقة من الغبار لعدم تحريكها ربما منذ فترة طويلة، ليأخذ قطعة قماش منسقة ويبدأ بدرزها لأنه وكما قال اعتاد الحديث عن مهنته وهو يحرك عجلة الماكينة وكأنها تستمع إليه فتخيط أجمل ما عندها للزبون..
ليقول أبو عدنان بلقاء خاص مع «الوطن»: تعلمت الخياطة حين كان عمري 15عاماً، واتخذتها كمهنة أساعد أهلي بما أكسبه منها وكبّرت أبنائي ودرّستهم من رزقها، وأقول دائماً: سأبقى أعمل خياطاً حتى أموت فهي مهنتي وملهمتي وإن توقف العمل هذه الأيام فلا أستطيع التفكير إلا بماكينتي وخيطاني فهم أصدقائي مذ كنت يافعاً حتى اليوم، اعتدت العمل بالقياس لابتكار لباس أنيق يرتديه رجال لم يبقَ منهم الكثير بهذا العصر، ففي ستينيات القرن الماضي لم تكن الرجال تلبس «الأطقم الجاهزة» بل كان الرجل يشتري القماش الذي يحب ليميزه فيأتي به للخياط ليخيط له الطقم الإفرنجي والسفاري على مقاسه وبأصوله كما كنا نقول حينها خاصة في المناسبات والأعراس وحتى مع بداية كل فصل كان الرجال يتزاحمون لخياطة كل ما هو جديد بعالم الموضة منهم من كان يقول لي أريد مثل طقم رشدي أباظة بفيلمه الأخير وآخر يطالبني بخياطة أطقم كالتي يلبسها عمر الشريف ودريد لحام وكمال الشناوي وغيرهم من مشاهير العالم حتى إني كنت أعمل ليل نهار خلف ماكينتي لأجهز جميع الطلبيات لكل الزبائن فأنجز نحو 25 طقماً بالشهر الواحد، واليوم ومع عزوف معظم أبناء هذا الجيل عن الخياطة وخاصة مع غلاء موادها وتكلفتها صارت المهنة مهددة بالزوال بعكس الخياطة النسائية التي أراها مستمرة حتى اليوم.
وعن غلاء المعيشة وأسعار المواد والقماش يتحدث أبو عدنان قائلاً: «الخياطة ما عادت تطعمي خبز ولا بتكفي لمصروف البيت والعيلة، لولا مساعدة أولادي المالية كنت متت من الجوع! صرلي أكتر من سنتين ونصف ما خيطت شي! الناس بطّلت تخيّط صاروا الرجال يشتروا تياب جاهزة» فخياطة الطقم صارت تكلفنا اليوم 12 ألف ليرة بعد أن كانت تتراوح بين 3000-5000 ليرة ما قبل الأزمة، بالإضافة لسعر القماش الذي صار المتر منه بقيمة 5 آلاف ليرة وكان لا يتجاوز الألف ليرة، كل يوم تزيد أسعار المواد فمثلاً: ماسورة الخيطان نشتريها اليوم بـ275 ليرة وكانت بـ35 حتى منتصف الأزمة أي قبل عامين تقريباً، والسبب يقول التاجر إن المواد صارت تُحسب بالدولار!! إبرة الماكينة بـ75 كانت بالسابق الدزينة بـ30 ليرة علماً أنها اليوم سيئة ولا تُقارن بالصناعة القديمة من حيث جودتها ومتانتها، متر الكلابة بـ150 وكان 15 ليرة فقط قبل الأزمة، متر البطانة بـ350 على حين كان بـ50 ل.س، السحاب بـ35 وكان 3 منه بـ10 ليرات، وحتى العلاقات كنا نشتريها بـ100 ليرة للدزينة اليوم تباع العلاقة الواحدة بـ200 ليرة إن وجدت!

Exit mobile version