Site icon صحيفة الوطن

سورية: الانتخاب حقٌ لمن؟

| بيروت – محمد عبيد

لا تَعدَم غرف التآمر الدولية والإقليمية وسيلة أو فكرة لتحقيق مشروعها في سورية. فبعد سقوط محاولات إسقاط الدولة والتقسيم والفيدرالية وفشل المناورات السياسية الهادفة إلى انتزاع شرعية وطنية وشعبية لما يسمى المعارضة الخارجية من خلال تكريس آلية حوار تفضي إلى قبول القيادة السورية الشرعية بالشراكة معها في إطار «المرحلة الانتقالية» المُفترضة، وبعد تبدد فكرة انتخاب رئيس البلاد من مجلس النواب في حال النجاح في تحويل النظام السياسي القائم إلى نظام برلماني بدلاً من جمهوري وهو ما يستوجب تعديلاً جذرياً في بنية الدستور السوري وروحه، لكن ظروفه غير متوافرة حالياً. انتقل البحث في تلك الغرف إلى التفكير في كيفية الاستفادة من الوقائع الدستورية المعتمدة فعلاً وبالأخص منها تعريف الناخبين السوريين، هذا التعريف الذي لم يحدد مكان وجود الناخب بل اكتفى بتحديد سِنه وبالتأكيد تمتعه بكامل الأهلية المدنية والقانونية، ذلك أن الدستور يُكتب ويُقر على أساس انتظام الدولة العام واستقرارها والأهم عيش شعبها على أراضيها وبالتالي لا يمكن أن يتضمن توصيفاً للحالات الاستثنائية في تاريخ هذه الدولة كما هو الحال اليوم في سورية، بل إن مثل هذا التوصيف يُترك لتقدير القيادة السياسية حول كيفية التعامل معها وفقاً للوقائع التي تفرزها تلك الحالات.
من هنا، تتوالد فكرة السعي لتمكين بل لفرض حق الانتخاب للسوريين على اختلاف توصيفاتهم من نازحين ولاجئين ومهجرين طبقاً لقوانين ومعايير البلد المُضيف أو تلك التي تعتمدها منظمات الأمم المتحدة المعنية أو المنظمات غير الحكومية التي تستثمر فيهم وتتلاعب بهم من دون الأخذ بنظر الاعتبار قانونية أوضاعهم أو صحة تسجيلاتهم وقيودهم في السفارات السورية المُعتمدة، إذ إن المهم بالنسبة لأصحاب الغرف السوداء تلك توظيف الملايين من السوريين المنتشرين قسراً في أصقاع الأرض لإحداث انقلاب سياسي «شرعي» و«ديمقراطي» من خلالهم بعدما تعذر تحقيقه بوسائل عسكرية وسياسية أخرى على مدى السنوات الخمس الماضية.
وتقول مصادر ديبلوماسية: إن أصحاب هذه الغرف وتحديداً منهم الأميركيين قد فاتحوا فعلاً الجانب الروسي بهذه الفكرة آملين أن تلقى استحسانه وتحظى بدعمه كأحد بنود الآلية التي ستُقترح على طاولة الحوار السوري- السوري اللاحقة بهدف إعادة تكوين السلطة في إطار سلةِ حلٍ أو تسوية شاملة لصياغة نظام سياسي جديد.
وتضيف هذه المصادر بأن الرهان هو على تعديل كفة الميزان الشعبي الذي يميل لمصلحة الرئيس بشار الأسد في أوساط السوريين في الداخل وهم مازالوا يشكلون أغلبية مرجحة لمصلحة قيادته وخصوصاً في المناطق التي تخضع لسيطرة السلطة الشرعية وأيضاً لدى الكثير من أولئك الذين يعيشون مجبرين في بعض مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة، وذلك من خلال التأثير في مجموع المنتشرين تارة بالترغيب عبر الوعود الوردية باحتضانهم في دول انتشارهم وطوراً بالترهيب عبر تهديدهم بالترحيل وإعادتهم للعيش في مناطق سيطرة المسلحين، مع ما سيرافق تلك الخطوة من حملات إعلامية ودعائية تروج لحرية الاقتراع وضرورة المشاركة بالتغيير لتكريس الديمقراطية!
لاشك أن المواجهة السياسية التي تخوضها القيادة السورية وبالأخص منها رأس حربتها المفاوض في أروقة جنيف وغيرها لا تقل أهمية وخطورة على مستقبل سورية من الحرب التي يستبسل فيها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان، لأن خسارة موقع عسكري ما يمكن تعويضها باستعادته، أما الإقرار للطرف الآخر بتنازل سياسي ما، فإنه يمنحه صكاً بالاستسلام.
على هذا الأساس، تُحتَسبُ الانتخابات النيابية التي تجري اليوم على الأراضي السورية كافة محطة انتصار في مسيرة المواجهة السياسية.

Exit mobile version