Site icon صحيفة الوطن

الاتفاقية المشؤومة

| د. اسكندر لوقا 

ثمة أكثر من اتفاقية مشؤومة عانت سورية تبعاتها على الأرض قبل وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، قبل انتهاء الحرب تحديداً، وفي اليوم التاسع من شهر أيار من عام 1916، بعث المسيو بول كامبون، سفير فرنسا في لندن، كتاباً إلى المستر إدوارد غراي وزير خارجية بريطانيا جاء فيه قوله بالحرف: «أمرت أن أبلغكم أن الحكومة الفرنسية قبلت الحدود التي رسمت على الخرائط الموقعة من قبل السيد مايك سايكس والمسيو جورج بيكو، وأنها رضيت بالمبادئ التي دارت حولها المفاوضات في القاهرة».
ومعروف أن هذه المفاوضات التي احتضنتها القاهرة قبل حوالي عام من هذا التاريخ بين ممثلي الحكومتين الفرنسية والبريطانية تمخضت عن الاتفاقية الاستعمارية باسم اتفاقية سايكس– بيكو التي تم توقيعها في السادس عشر من أيار من عام 1916 وبقيت سراً بين الدولتين إلى أن ذاع أمرها بتاريخ الحادي والعشرين من تشرين الثاني سنة 1917 بعد الثورة الاشتراكية في روسيا وذلك في سياق الحملات الإعلامية للتنديد بالحكم القيصري وتواطؤ هذا الحكم مع الحكومات الاستعمارية ضد الشعوب.
ومعروف أيضاً أنه بموجب هذه الاتفاقية قسمت البلاد السورية إلى منطقتين وهما ألف وباء، الأولى تشتمل على سورية ولبنان وتخضع للنفوذ الفرنسي، والثانية تشتمل على فلسطين والعراق وتخضع للنفوذ البريطاني.
وحين يعود أحدنا اليوم إلى ما يجري في منطقتنا، يكاد يتلمس مسبقاً تبعات المؤامرة التي أعدت للنيل من حاضر دول المنطقة، وفي مقدمها سورية التي لم تتردد يوماً عن أداء واجبها في الدفاع عن هذا الحاضر، ومن أجل ذلك تدفع اليوم الثمن، تدفع ثمن صمودها في مواجهة أعدائها من جهة، ومن جهة أخرى ثمن الدفاع عن كرامة الإنسان العربي، من كان وأينما كان موقعه على الأرض العربية من محيطها إلى خليجها.
إن اتفاقية سايكس- بيكو التي يراد إحياؤها اليوم في المكان عينه وبالشكل عينه بعد مرور مئة عام على إبرامها بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية، تأتي دليل تشبث هاتين الحكومتين بعزيمتهما لتكرار سيناريو الاتفاقية المشؤومة، مدعومة من قوى استعمارية جديدة في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا وإيطاليا وقوى أخرى حليفة لقوى الاستكبار العالمي، ومع هذا، فإن إرادة السوريين، بشرائحهم وبأطيافهم كافة، لابد أن تهزم المتآمرين على بلادهم، كما هزمت أسلافهم من قبل، وإن يكن الدرب شائكاً بعض الشيء ومؤلماً بعض الشيء، ذلك لأن هذه المعادلة هي من تبعات النضال على درب النصر وإعادة ما دمره المعتدون على أرض الوطن بشراً وحضارة.
يقول المهاتما غاندي (1869- 1948) «إن قدرة الإنسان على تحمل العذاب هي أكبر قدرة من قدرة عدوه على تعذيبه».
لقد خبرت سورية ما يعنيه غاندي بقوله هذا وهو الذي عانى الكثير الكثير من بقاء المستعمر البريطاني فوق أرض بلاده لعقود طويلة قبل خروجه منها.

Exit mobile version