Site icon صحيفة الوطن

سورية والترتيب الدولي المربك

| مازن بلال 

كانت العاصمة النمساوية محطة سريعة ضمن مسار الأزمة السورية، فـ«مجموعة دعم سورية» نتجت عن التصادم الإقليمي، وهي أيضاً نوع من تجاوز «إمكانية الحرب المفتوحة» إلى تحديد مسار الاقتتال، فالمؤتمرات الدولية كما توضح المؤشرات تبني جبهات سياسية لكنها في الوقت نفسه لا ترسم تحالفات قوية، فالتحالف الوحيد يظهر في المعارك على الأرض، وانعكاسه السياسي لا يقدم أي تصور جديد لإمكانية الحل، فهناك «معضلة» تتركز على الجغرافية السورية، والقوى الدولية والإقليمية لا تملك حلولاً إلا تخفيف احتمالات انتشار النموذج السوري عبر عنوان «التصدي للإرهاب».
إخفاق «مجموعة دعم سورية» كان متوقعاً لأن «النموذج السوري» لا يملك أي فرز لأي قوى، دولياً وإقليمياً، فهناك توازن في القدرة على التأثير تجعل من الصعب رسم خريطة طريق ثابتة، كما أن هذا النموذج يشكل بالنسبة لكل طرف إقليمي رهاناً نهائياً لاستمرار دوره، وربما لقدرته على الاستمرار وسط حروب تعصف في المنطقة، فـ«النموذج السوري» ضمن الواقع الدولي يتضمن ثلاث نقاط أساسية:
– الأول أن سورية نفسها ستشكل استحقاقاً مختلفاً في لحظة نهاية الأزمة، فما حدث لم يعد يتطلب إعادة إعمار فقط بل أيضاً معالجة طويلة الأمد مرتبطة بالديموغرافيا السورية، فمن الصعب تأهيل المناطق من دون النظر إلى الوجود السكاني فيها، وفي الوقت نفسه فإن انعكاس الأزمة على الجوار سيشكل ظاهرة أيضاً في إطار تأهيل المنطقة كلها.
هناك أزمة «ثقة» بين المكان والسكان، فاللاجئون والنازحون لن يعودوا إلى مناطقهم التي اعتادوا إياها، بل إلى كل الأزمات التي تطورت في هذه المدن والبلدات وإلى مساحة الاشتباك التي كانوا شهوداً عليها، وبالتأكيد فإن الحلول السياسية مهما كانت، فلن تشكل الضامن الحقيقي لـ«أزمة الثقة» بالجغرافية التي شهدت أسوأ الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية.
– الثاني طبيعة الصراع التي أنهت التوازن الإقليمي من دون ظهور ثقل إقليمي جديد، فالحرب تقوم اليوم على التوازن الهش للقوى الإقليمية، والإنهاك الكبير للدول التي بات من الصعب عليها التعامل مع التوازن القادم، فعلى الرغم من أن تركيا والسعودية تشكلان طرفين أساسيين في المعادلة القائمة، لكنهما في الوقت نفسه تحولتا في بنيتهما إلى دولتين في توازن الأزمة وليس إلى طرفين في أي نظام إقليمي مستقر في المستقبل.
مسألة توزع القوة في الشرق الأوسط القادم تعرقل الحل السياسي لأن الدول الإقليمية عليها تغيير وظائفها، وهذا الأمر يصعب تصوره ما لم تتحول بنية الدول المنخرطة في الصراع، فالأمن الإقليمي لتركيا بعد الصراع في سورية سيحتاج إلى تعيين جديد، وينطبق هذا الأمر على السعودية وحتى على إيران، والاقتراح الروسي المبكر بشأن «نظام أمن إقليمي» لمواجهة الإرهاب، كان من ضمن السيناريوهات المطروحة لكنه بات اليوم صعب التحقق.
– النقطة الأخيرة هي الإنهاك الاقتصادي الذي طال سورية في العمق، لكنه في الوقت نفسه أصاب بقوة كل الدول المنخرطة في الصراع، وربما سيلعب هذا العامل بقوة في رسم نهاية غير سارة للجميع، فالتركيز على ما يحدث في سورية لا يعني أن أي انهيار اقتصادي ستتم محاصرته فقط ضمن منطقة الحرب.
الحل السياسي ربما سينطلق من مكان آخر، فجنيف ستبقى المسار المفضل لكن التفكير بالحوار سيكون له تصورات مختلفة إذا أرادت موسكو وواشنطن حل الأزمة السورية والمعضلة الإقليمية في الوقت نفسه، فالمشكلة اليوم ليست في إسكات المدافع بل بالخطوة الأولى لما بعد «الهدنة» لأنها تحتاج لإستراتيجية مختلفة تماماً عما يجري اليوم.

Exit mobile version