Site icon صحيفة الوطن

تعهدات وتفاهمات يصعب الوفاء بها

| صياح عزام 

أنهى اجتماع ما يُسمى المجموعة الدولية لدعم سورية الذي انعقد في 17 أيار الجاري أعماله بإصدار بيان كان مُعدّاً مسبقاً ومتفقاً عليه بين روسيا والولايات المتحدة، تطرق إلى ملامح المسار التفاوضي المقبل وضرورة الامتناع عن عرقلة الحوار السوري إلا أن البيان عكس وجود خلافات بين موسكو وواشنطن.
عن هذا البيان نقول: سورية كعادتها استجابت لما جاء في البيان المذكور بإعلان هدنة الـ72 ساعة في حلب وما تلا ذلك. ولكن إذا عدنا إلى الالتزامات التي طالب بها البيان (أي بيان 9 أيار) نجدها عصية على التنفيذ. فما أهم تلك الالتزامات؟
– أن تقوم واشنطن بالضغط على حلفائها لمنع إمداد الفصائل المصنفة من قبل مجلس الأمن على أنها إرهابية (النصرة وداعش) بالمال والسلاح والرجال وإغلاق الحدود التركية وغيرها في وجه إرهابيي هذه الفصائل. وهذا ما لم يحصل.
بالتوازي مع ذلك تعهدت روسيا بالضغط على سورية لمنع استخدام الطيران في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين أو في المناطق التي فيها فصائل قابلة بالهدنة. وبالفعل التزمت سورية بذلك.
– كما اتفق الطرفان الروسي والأميركي –حسبما جاء في البيان- على أنهما سيتخذان إجراءات لصياغة فهم مشترك للتهديد الناجم عن تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين، وتحديد الأراضي التي يسيطر عليها هذان التنظيمان، كما اتفقا على أنهما سيدرسان «خيارات الأعمال الحازمة لمنع التهديد الذي تمثله التنظيمات لسورية وللأمن الدولي».
الملاحظ من خلال ما تقدم أن الاتفاق بشكل عام لم يكن موضوعياً ولا منصفاً للجانب السوري لعدة أسباب منها:
– الاتفاق حد من اندفاعة الجيش العربي السوري على عدة محاور وجبهات.
– الاتفاق جرد الجيش السوري من أحد أهم عناصر تفوقه، وهو سلاح الطيران، بالنص على عدم استخدامه في المناطق التي تتمركز فيها فصائل قابلة بالهدنة، وللعلم والتذكير فإن اثنتين من هذه الفصائل: جيش الإسلام وأحرار الشام يشكلان مع جبهة النصرة العمود الفقري للفصائل المسلحة، وهما قابلان بالتهدئة «لفظاً فقط» على حين إنهما يقاتلان بفعالية إلى جانب النصرة ومن خنادقها القتالية.
– إضافة إلى ذلك، هناك أمران في الاتفاق غير واقعيين أو بالأحرى (مفخخان) الأول يتعلق بإغلاق الحدود في وجه إرهابيي داعش والنصرة، إذ لا أحد سيعترف بأنه يفتح حدوده لهذين التنظيمين، حتى إن «أردوغان» يزاود على الجميع عبر زعمه بأن جيشه قاتل داعش كما لم يفعله أي جيش، وأنه قتل ثلاثة آلاف داعشي بالقصف المدفعي البعيد المدى. بالطبع هذا الادعاء عار من الصحة، فحدود تركيا مع سورية مفتوحة ليلاً نهاراً مع مساعدة للمتسللين إلى سورية من مخابرات أردوغان، ثم إن ضربات الجيش التركي لداعش شكلية وتجميلية وللتغطية والخداع لا أكثر.
أما النصرة فهي حليف لتركيا ودول الخليج ولإسرائيل، فإسرائيل تعتبر النصرة وحلفاءها خط دفاع أولياً في وجه الجيش السوري ومقاتلي حزب اللـه على جبهة القنيطرة والجولان.
– الأمر الثاني يتعلق بفرز ما يسمى «المعارضة المعتدلة» عن النصرة، إذ إن هذا الفرز عصي على التنفيذ، لأن المعارضة المعتدلة ليست بصدد الانفصال لا إيديولوجياً ولا جغرافياً عن النصرة، والنصرة بدورها ليست لها مصلحة في ذلك لأن هذا الانفصال سيعرضها لأفدح الخسائر. وما يؤكد أكثر أنه بعد يوم واحد من اجتماع فيينا الأخير لمجموعة دعم سورية في 17 أيار الجاري، نفذت جبهة النصرة عملية إعادة انتشار واسعة النطاق في أرياف حلب والأحياء الشرقية من المدينة وبشكل دمج عناصرها أكثر فأكثر بباقي الميليشيات المسلحة، بحيث يصعب استهدافها مباشرة من الجيش السوري، وذلك جاء بمنزلة إجراءات احترازية من الضربات الجوية السورية والروسية.
باختصار: إن مثل هذه التهدئات والبيانات قد لا تصمد طويلاً، أقله لصعوبة الوفاء بالتعهدات التي جاءت فيها.

Exit mobile version