Site icon صحيفة الوطن

الفيلسوف الدّمشقي داماسكيوس وحياة إيزيدور … التاريخ الفلسفي في الشام ومصر خلال الفترة الهلنستية .. آخر فرسان الأفلوطينيّة الجديدة

| عامر فؤاد عامر

ورد في مقدّمة الكتاب: «… كتاب الفيلسوف الدّمشقي هذا، شهادة بالغة الصدق عن عصر كانت فيه سورية ومصر جزءاً من الحضارة الهلنستيّة، وهو جزء فاعل ومؤثر وصانع لهذه الحضارة، ولو استعرضنا أسماء الفلاسفة والأطباء الدّمشقيين الذين ذكرهم المؤلّف في طيّات كتابه هذا، على سبيل المثال لا الحصر، لأدركنا مقدار المساهمة التي قدّمتها هذه المدينة العريقة لتاريخ البشريّة».

ميّزات
لم يظهر للعربيّة إلا بعد مرور 15 قرناً على تأليفه، ومن ميّزات هذا الكتاب أنه من أنفس المصادر القديمة، يتحدّث عن أفكار، وعادات، ومعتقدات، وطقوس، سادت الشرق القديم ولاسيما بلاد الشام ومصر خلال القرن5 الميلادي، ويتحدّث الكتاب أيضاً عن سير معظم فلاسفة ذلك العصر ليكون المصدر الوحيد عن تلك المرحلة الزمنيّة، بلغة الدّمشقي، مثل: الفيلسوفة وعالمة الرياضيات «هيباتيا»، والفلاسفة «سارابيو»، و«مارينو»، و«إسكليبياديس»… إلخ.

الرحلة
يخبرنا الكتاب أيضاً عن الرحلة التي قام بها «داماسكيوس» و«إيزيدور» الفيلسوف الإسكندري الذي لجأ إليه خوفاً من أعمال العنف التي سادت تلك المرحلة بين الوثنيين والمسيحيين، وهي رحلة بريّة – في 8 أشهر – بدأت من غزّة في فلسطين، ومنها إلى بصرى الشام، وفيها أقاما وقتاً عند الفيلسوف العربي «دوروس» وبعدها إلى بيروت، فبعلبك، وحمص وصولاً إلى مدينة أفروديسياس جنوبي غربي الأناضول، ثم الانطلاق إلى أثينا وهي المقصد من هذه الرحلة.

نبذة عن حياة الفيلسوف الدّمشقي
ولد «داماسكيوس» في دمشق عام 458 م واكتسب اسمه منها، ودرس الخطابة فيها ثم انتقل مع أخيه «جوليان» إلى الإسكندرية لاستكمال الدراسة، ويشير الباحثون إلى أنه حمل طبعاً غنيّاً يشبه غنى دمشق التي حملت ثقافة الآراميين والأنباط والهلنستيين، فاختلط بالفلاسفة والعلماء في عمرٍ مبكر، ولتميزه ونجاحه تمّ تكليفه مهام كبار الخطباء والمحدّثين، بين دمشق والإسكندرية، وما يميّز سيرة حياته هي الرحلة التي قام بها مع «إيزيدور» والتي اهتم خلالها بالطقوس المقدّسة لكلّ منطقة مرّا فيها، وبوصوله إلى أثينا وبسبب هذه الرحلة والمعارف التي اكتسبها تحوّل «داماسكيوس» من خطيبٍ إلى فيلسوف، ويبيّن الكتاب أيضاً أن فيلسوفنا تتلمذ على يدّ كلّ من الفلاسفة: «هيرمياس»، و«آمونيوس»، و«هيليودوروس»، و«مارينوس»، و«زينودوتوس»، و«إيزيدور». وخلال تعلّمه للفلسفة ازداد تبحّراً في الأفلوطينيّة، وتفوّق فيها إلى أن بلغ كرسيّ الأكاديميّة في أثينا، وأجرى في هذه الأكاديميّة إصلاحاتٍ كثيرة، إلى أن أمر الامبراطور الروماني «جستينيان» بإغلاقها نهائياً، فغادرها متوجهاً إلى الإسكندرية وأمضى وقته فيه يكتب مؤلّفاته ومع تقدّم سنّه عاد إلى دمشق ليقضي فيها ما تبقى له من سنوات عمره، ومات ودفن فيها، ويعدّ داماسكيوس الفارس الأخير في الفلسفة الأفلوطينيّة الجديدة.

مبادئ البحث في الحقيقة
قُسّم الكتاب لتسعة أقسام كانت عناوينها بالترتيب: «مصر والهيلينيّة»، و«إيزيدور»، و«الإسكندرية: سيرة وتاريخ»، و«أثينا في سبعينيات القرن الخامس ميلادي»، و«الإسكندرية في سبعينيات القرن الخامس ميلادي»، و«السلسلة الذهبيّة»، و«الإسكندرية في ثمانينيات القرن الخامس ميلادي»، و«سورية في ثمانينيات القرن الخامس ميلادي»، و«أثينا في أواخر القرن»، وختاماً كان هناك إرفاق للشهادة كتبها «فوتيوس» وهو من حفظ المخطوط في القرن 9 الميلادي من التلف بترتيبه لفقراته وتعليقه عليه على الرغم من سخطه من كثير من فقراته. ومن قسم «إيزيدور» نقتطف ما يلي: «… يتفق الجميع على أن ثمّة ثلاثة مبادئ لأي بحث يتفحص الحقيقية، هي: الحبّ، والمثابرة، والفطنة. الحبّ هو الأول والأعظم بين المبادئ هذه، الساعي الدائم وراء ما هو جميل وجيد أيضاً. يحتاج المرء لقوى طبيعيّة حادة، وفطنة قادرة على كشف آفاق كثيرة في وقت قصير. كان ماهراً بالفعل في متابعة وتمييز أي من دروب البحث أصيلة، وأي الدروب زائفة فيما يخصّ غرض البحث. أمّا المطلب الثالث فهو المثابرة الدؤوب، التي لا تسمح بأن ترتاح حتى تبلغ نهاية رحلة الصيد، ألا وهي كشف الحقيقة…».

إيزيدور مؤثراً في دوروس
نجتزئ أيضاً من قسم «سورية في ثمانينيات القرن الخامس ميلادي» ما ذُكر حول الفيلسوف «دوروس العربي»: «.. كان ساعياً حثيثاً خلف الحقيقة. وقد أدرك الفيلسوف «إيزيدور» أنه كان منغمساً منذ البداية في فرضيّات أرسطو حيث إنها تمثل أساسيات تعليمه منذ طفولته، ولأنه غير مطلع على حكمة أفلاطون الواسعة، لم يكن قادراً بمرور الوقت على السمو بفكره إلى مستوى المفاهيم النيّرة. عندما لاحظ «إيزيدور» هذا، بدأ بجره تدريجيّاً وإعداد روحه لمخر عباب بحر الحقيقة الشاسع. فحرر «دوروس» نفسه من دقة المشائين المفرطة، التي تركز على إثبات نقاط محددة. وتحول إلى فنّ الجدليّات، التي مررها شخص يدعى «بروميثيوس» بالتزامن مع النار المتقدة، لتكون التجلي الأنقى للذهن والحكمة، وتركزت آمال حياته نحو الفلسفة».

حول الفضيلة
نلقي الضوء أيضاً على مقطع من اللغة الفلسفيّة ورد في قسم «أثينا في أواخر القرن»: «… لا شيء في البشريّة يفوق في قيمته أن يكون ضمير المرء صافياً. وعلى المرء أن يعيش بين بني جلدته من البشر بأسلوب مشرف، وإذا كان الخير الحقيقي مخالفاً للخير الظاهر، فإنه على المرء ألا يفضل الخير الظاهر، وألا يولي شيئاً أهمية بأكثر مما يولي الحقيقية، فلا يردعه الصراع المضني، ولا مهمة صعبة يتهرب منها خائفاً، ولا المنافع المكتسبة من المديح غير المستحق، ولا صداقة ضاربة في القدم، ولا حتى الضغوط الناتجة عن صلات القربى. لا يستقيم للمرء الذي يعجز عن اختيار الصواب في صغائر الأمور أن يكون حكيماً في عظيمها…».

مؤلفاته
تذكر المراجع مجموعة من مؤلفات الفيلسوف «داماسكيوس»، فقد وضع بالإضافة إلى «حياة إيزيدور»، كتاب «مسائل وحلول حول المبادئ الأولى» وهو كتاب يتعمّق في طبيعة روح الإنسان والخالق، وكتاب «دراسات في كتاب بارمينيديز لأفلاطون»، وكتاب «دراسات في كتاب فايدو لأفلاطون»، وكتاب «دراسات في كتاب فيليبوس لأفلاطون»، وكتاب «دراسات في كتاب طيماوس لأفلاطون»، وكتاب «دراسات في كتاب دي كويلو لأرسطو».

تنويه
راجع الكتاب وعلّق على حواشيه «تيسير خلف»، بعد أن نقله إلى العربيّة «عادل الديري» عن الباحثة اليونانيّة «بوليمنيا أثناسيادي» التي يعود إليها الفضل بإعادة تنظيم النصوص الأصليّة للكتاب، وترجمته للغة الإنكليزيّة، وتسميته التاريخ الفلسفي لأنه برأيها يحمل 3 أوجه هي: تأريخ لعلم الفلسفة، وتأريخ للفلاسفة، وبحث موضوعي في الفلسفة.

Exit mobile version