انزياحات كبرى في مشهد الصراع!!..
| خالد العبود
ليس مصادفة أن يقف مسؤولٌ في «حماس» ويتحدث عن الدعم الإيراني غير المحدود للمقاومة الفلسطينية، في ظلّ خطّ دبلوماسيّ جديد تتزعمه «مملكة آل ـسعود» من أجل إحياء ما سمي يوماً «مبادرة السلام العربية»، كما أنه ليس فعلا ارتجاليّا أن تعلن أغلبية الفصائل الفلسطينية عن موقفها الرافض أو المشكك بالدور الفرنسي لجهة العنوان نفسه، الذي يتحدث عن إحياء مسار التفاوض بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»..
إنها لحظة سياسية مهمة جداً، كما أنها ذات دلالات كبيرة، توازي وتحاكي جملة مواقف أخرى، لها علاقة بالعناوين السابقة نفسها، «فالإمارات» تعلن انتهاء العمليات العسكرية في اليمن، وهي رسالة ذات معطى مهم، كما أن هناك غزلا «إسرائيليا» كبيراً، تحاول أن تعمل عليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي، باتجاه القيادة الروسية، دفعا باتجاه العودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت تحكم مرحلة ما قبل العدوان، خاصة لجهة الجبهة مع دمشق ومن يقف إلى جانبها..
فقادة العدو الإسرائيلي يتطلعون إلى مرحلة قادمة تحكمها قواعد اشتباك كانت تحكم الصراع ما قبل العدوان على سورية، تقوم على رئيسيات تميل إلى الإبقاء على هذه الجبهة باردة وخاضعة إلى جملة تفاهمات غير مباشرة، تحددها طبيعة المنطقة واصطفافاتها، إضافة إلى خريطة قوى إقليمية ودولية كانت تحدّد معالم المنطقة الجيوسياسية..
من جهة أخرى نرى هناك مساهمات أوروبية إلى جانب مساهمات أميركية لم تعد خافية على أحد، وهي كلها ترمي إلى تقديم مشهد جديد يحاكي عنوانا إقليمياً دوليّاً لجهة الوقوف في مواجهة الإرهاب في المنطقة، وخاصة أن هذه القوى المساهمة، الأوروبية والأميركية – ومهما كان حجمها أو شكلها – غير قادرة على حسم أي عنوان عسكريّ على مستوى المنطقة، وهو ما يؤكد أن هذه المساهمات جميعها إنما هي مساهمات عسكرية في سبيل عناوين سياسية، لها علاقة بالتبدل الحاصل على مشهد المواجهة الإقليمية، التي سوّق لها كثيرون في لحظة سياسية سابقة على أنها «الثورة» المسلحة في وجه «أنظمة استبداد»، لم تبدأ في العراق وربما لم يرد لها أن تنتهي في سورية..
إنّ هذا الحضور السياسي الجديد في شكله العسكري في بعض مفاصل الجغرافيا السورية لم يكن سوى حضور لترسيخ مشهد جديد للمواجهة ولعنوان الصراع ذاته، فهذه الحكومات تتسابق إلى تأكيد أنها حضرت من أجل مواجهة الإرهاب، ومن أجل العمل معاً مع قوى أخرى من أجل منع «سيل الإرهاب» من الوصول ثانية إلى عواصم بلادها، كما حصل في المرحلة الأخيرة..
هذا تحوّل مهم وكبير في شكل الصراع ووجهته، وهو يمثل انزياحاً كبيراً في طبيعة مجريات المواجهة أيضاً، وفي طبيعة أهدافها، فالأميركي لم يعد يعنيه «تنحي الأسد»، كما أن الأوروبي لم يعد يتحدث في «الملف النووي الإيراني»، إضافة إلى رفع للغطاء، ولو بشكل خجول، عن «مملكة آل سعود»، في أكثر من عنوان وفي أكثر من مناسبة، فالولايات المتحدة من أوباما وصولا إلى مفاصل مهمة في مركز القرار الأميركي، بدأت تشير إلى الدور الذي لعبته وتلعبه هذه «المملكة» على مستوى المنطقة، كما أن هناك عناوين مهمة أخرى لها علاقة بدور هذه «المملكة» في ملفات سابقة، خاصة ما يتعلق بالإرهاب وثقافته وحتى التمويل الذي يتلبسها وبعض الأسماء المهمة فيها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً..
إضافة إلى انزياح آخر في المشهد لا يركز عليه كثيرون، يتمثل في العلاقة الناظمة لطريق موسكو مع بعض عواصم الإقليم، وخاصة تلك الطرقات التي كانت مغلقة مع عاصمة الحضور الروسي الجديد، في ظلّ دور كان يتصاعد، بحضور الروسي وشكل هذا الحضور، خلافا لقناعات عواصم إقليمية ولأدوارها في مشهد الإقليم، مع برودة عالية في خطوط تلك العواصم مع عواصم أوروبية أو العاصمة الأميركية..
وبالمقابل نرى أن هناك تماسكاً كبيراً وانسجاماً عالياً فيما بين نسق آخر، أو اصطفاف آخر، يتمثل في دمشق – موسكو – طهران – الضاحية، وليس بعيداً عن بغداد في لحظات مهمة، حتى إن هذا النسق لا يخجل في التعبير عن حضوره، ولا يغفل أن هناك منصات جديدة ناظمة لهذا الاصطفاف..
بهذا المعنى لم يكن خافيا أبدا اجتماع وزراء دفاع العواصم الرئيسية الثلاثة: «دمشق – طهران – روسيا» في طهران، وخاصة أنّ هذه المنصة الصاعدة كانت تحاكي مشهدا ينزاح ويتطوّر لجهة عنوان كبير يصعد أيضاً ويتكرّس، وهو مواجهة الإرهاب، بعيداً عن أبعاده أو مصداقيته، ولم تكن بعيدة عنه حكومات أخرى في أوروبا وأميركا، لكنّ حضور كل منها له شكل مختلف عن الآخر، وهو شكل يتعلّق بطبيعة موقفه وموقعه السابق الذي فرضته طبيعة المواجهة وأهدافها، وبالتالي فهؤلاء جميعاً يحتاجون إلى آليات دخول متباينة ومتناقضة مع كثير من خصومهم وأعدائهم، وحتى مع بعض حلفائهم، وهي آليات تناسب الأهداف التكتيكية التي وضعها كل منهم وصولا إلى الخروج من حالة المواجهة!!..