Site icon صحيفة الوطن

موقف مشرّف..

| د. اسكندر لوقا 

قبل يومين أحيت سورية ذكرى معركة تعد فريدة من نوعها في التاريخ هي معركة ميسلون التي جرت في الرابع والعشرين من شهر تموز من عام 1920.
وفي سياق العودة إلى ذكرى المعركة، أشعر بندم لأنني احتفظت بمعلومة تتصل بهذا الحدث – الملحمة، ولم أشر وقتها إلى مصدرها أو تاريخها. مع هذا أعود إلى المعلومة لأهميتها، وربما لأن العديد من أهلنا لم يطلعوا عليها.
تقول المعلومة إن اجتماعاً عقد عشية المعركة بين الملك فيصل ووزير دفاعه يوسف العظمة ودار بينهما الحوار التالي:
العظمة: أتيت أتلقى أوامر جلالتكم.
فيصل: بارك اللـه فيك. إذاً أنت مسافر إلى ميسلون.
العظمة: نعم يا مولاي، إذا كنتم لا تودون قبول الإنذار الأخير.
فيصل: ولماذا كنت تصر على الدفاع بشدة؟
العظمة: لأنني لم أكن أعتقد أن الفرنسيين يتمكنون من دوس جميع الحقوق الدولية والإنسانية ويقدمون على احتلال دمشق.
فيصل: وهل يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم؟
العظمة: إذاً هل يأذن لي جلالة الملك أن أموت؟
فيصل: بعد أن انتهت الأمور إلى هذا الحد، يجب علينا أن نموت جميعاً وننقذ البلاد من حرب أهلية أيضاً..
العظمة: إذاً فأنا أترك ابنتي الوحيدة أمانة لدى جلالتكم.
بعد أن ودع يوسف العظمة الملك فيصل في مكتبه، ذهب إلى منزله فارتدى ملابسه الرسمية العسكرية، وودع زوجته وابنته ليلى، وخرج بالسيارة متابعاً سيره إلى ميسلون ماراً من أمام القصر. (توفيت ليلى فقيرة عمياء في تركيا عند زوج أمها بمرض السل).
في اعتقادي أن لا أحد في سورية، على اختلاف الجنس أو اللون أو المعتقد، يجهل تفاصيل الخداع الذي مارسته القيادة الفرنسية لإجهاض أي محاولة لتجنيب سورية تبعات الخسارة التي منيت بها في سياق معركة ميسلون خصوصاً بعد سلسلة من فصول التآمر عليها ومنها اتفاقية سايكس- بيكو التي أتاحت للمستعمرين إطلاق أيديهم للنيل من استقلال بلدان المنطقة وبينها سورية.
ولأن الاستعمار لم يعرف يوماً راحة بال في البلد المستعمر، كذلك كان حاله في سورية فهزم أمام إرادة شعبها في عام 1946، مستمداً من روح ميسلون شرف موقف لن يمحى من سجل تاريخها أبداً.
يقول القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد في حديثه مع وفد من أهلنا في الجولان المحتل برئاسة الشيخ سلمان طاهر، أبو صالح يوم استقبلهم بتاريخ 8/9/1992، يقول: «قاتل المستعمر هو مناضل يقوم بواجبه السياسي والوطني والأخلاقي والديني وهذا شيء متعارف عليه في كل شعوب العالم».
وسورية جزء من هذا العالم الذي آمن برسالة المناضل، وقد توجها موقفاً مشرّفاً في ميسلون بتاريخ 24 تموز 1920.

Exit mobile version