Site icon صحيفة الوطن

دورة الألعاب الأولمبية الثامنة والعشرون– ريو دي جانيرو 2016 … إلهام يوناني وفكرة فرنسية والكل يطمح للمشاركة

| خالد عرنوس

لم يكن يهدف الكونت الفرنسي بيير دو كوبرتان إلا إحياء فكرة قديمة كانت سائدة أيام الإغريق بتجمع رياضي عالمي عندما طرح فكرة إقامة دورة للألعاب الرياضية تجمع الشباب من أنحاء الكرة الأرضية كافة تحت شعار المنافسة الرياضية الشريفة والروح والهواية النظيفة بعيداً عن المال والتجارة، لكن هذه الفكرة الرائعة أضحت مشروعاً تجارياً ضخماً يتكلف مئات الملايين ويدر أرباحاً بالمليارات ولذلك بات مجرد الفوز بتنظيم هذا الكرنفال الرياضي العالمي حرباً ضروساً تتدخل فيها دول وزعامات وماكينات إعلامية لما في هذا الأمر من دعاية وإعلان وكذلك (فلوس).
تحت شعار خالد هو (الأسرع– الأعلى– الأقوى) انطلقت دورة الألعاب الأولمبية الحديثة عام 1896 في أثينا مهد الألعاب القديمة بمشاركة 241 رياضياً من 14 دولة تنافسوا في 43 مسابقة بـ9 ألعاب ليصل عدد المشاركين (المقررين) في دورة 2016 إلى أكثر من 10 آلاف رياضي من الجنسين يمثلون 207 دول ستتنافس من خلال 306 مسابقات في 41 لعبة، في السطور التالية نسلط الضوء على بعض المفاهيم الخاصة بالألعاب الأولمبية وكيفية انطلاقتها وبعض القصص التي رافقت البدايات.

أولمبيا المقدسة
هي قرية تدعى بهذا الاسم وتقع على مقربة من جبل الأولمب في اليونان وكانت تقام في هذه القرية الصغيرة مسابقة للجري لمسافة 192 متراً بعد تصفيات طويلة يصل في نهايتها النخبة فيتوج الفائز فيه وكان يدعى سباق الاستاديون ويكلل بغصن الزيتون المقدس وكانت تتوقف أثناء الاستعداد للسباق وخلاله، بدأ السباق المذكور عام 776 قبل الميلاد وبقي يقام كل أربع سنوات مرة لـ13 دورة وفي الدور الـ14 عام 724 أضيف سباق آخر ثم ارتفع عدد المسابقات إلى خمس (رمي الرمح والقرص والجري) في الدورة 18 وشيئاً فشيئاً ازدادت الألعاب بدخول المصارعة وسباق العربات ثم سباقات الخيول والملاكمة ولم تقتصر على الكبار فأدخلت بعض الألعاب للصبية أو للصغار وكانت تقام هذه المسابقات على مدار 5 أيام أصبحت بمنزلة مهرجان للألعاب وللشعر أيضاً بحيث تتخلل المسابقات مباريات ثقافية.

عصر ذهبي
هذه الألعاب كانت تحتل مكانة خاصة لدى الشعب اليوناني ومنافسة مثيرة بين مدن اليونان القديمة حتى إن لباساً ملكياً خاصاً كان يرتديه المشاركون لكنها مرت بفترات ركود بسبب الحروب أعقبت العصر الزاهي للإمبراطورية إلا أن الفترة الذهبية للألعاب جاءت مع الملك فيليب وابنه الإسكندر الأكبر واستمرت هذه الفترة حتى عهد تيودسيوس عندما أصبحت اليونان مقاطعة رومانية عام 148 قبل الميلاد فقد منعها بحجة أنها عادة وثنية قبل أن يتراجع وتعود الألعاب إلى الواجهة وبقيت فترة طويلة تقتصر على خمس ألعاب.

الألمان وفكرة دي كوبرتان
في منتصف القرن التاسع عشر اكتشف علماء آثار ألمان مدينة أولمبيا وبقايا جبل أولمبيوس وبالطبع معها ملعب (استاديون) ورسوم دلت على الألعاب الممارسة في العصور الغابرة، لتعود فكرة إعادة إحياء الألعاب الأولمبية وتولى البارون الفرنسي دي كوبرتان فكرة إقناع دول العالم بالفكرة فراسل الكثيرين من دول العالم آنذاك وبالفعل نجح بحشد 12 دولة بمساندة 23 دولة أخرى اجتمع ممثلو المجموعة الأولى وشكلت هيئة إدارية لتنظيم الأمور ولترتيب إقامة دورة للألعاب الأولمبية الحديثة على غرار تلك القديمة ولم يجد المجتمعون إلا الاتفاق أمام حماسة (الفارس) الفرنسي واتخذوا قراراً بإطلاق الدورة الأولى من المكان نفسه أي من اليونان تكريماً لذكرى أصحاب الألعاب القديمة واتفق على أن يكون عام 1896 موعداً لأول ألعاب أولمبية مجمعة وهكذا كان، وأصبح الأولمبياد مصطلحاً مرادفاً للألعاب المجمعة.

الشعلة والحلقات الخمس
أقيمت الدورة الأولى وأعلن افتتاحها الملك جورج الأول واستمرت الدورة 9 أيام وبدأت بإيقاد الشعلة الأولمبية التي باتت مع الحلقات الخمس المتداخلة أهم رموزها، وتعود حكاية الشعلة إلى تقليد قديم كان يقام إبان الألعاب القديمة يإيقاد شعلة عند مذبح الإلهة «هيرا» وباتت الشعلة المتقدة طوال أيام الدورة طقساً خاصاً بها ومازال، وأصبحت الشعلة الأولمبية توقد باحتفال رسمي وشعبي من مهد الألعاب قبل عام كامل من بدئها وتدور وسط مواكبة رياضية وإعلامية الكثير من دول العالم حيث تجري احتفالات رسمية وشعبية في كل بلد تدور فيه (عدواً) لتصل مع انطلاق الألعاب إلى مكان إقامتها حيث يقوم بإيقاد شعلة الاستاد الرئيسي للأولمبياد أحد الرياضيين المشهورين في البلد المنظم أو شخصية اعتبارية أخرى ويعد البطل العالمي أشهر من أوقدها في أتلانتا 1996.
ومن المعالم الأولمبية الحديثة القسم الذي بدأ بتلاوته علناً في الافتتاح منذ دورة أنفرس 1920 وعادة ما يلقيه أحد الرياضيين البارزين في الدولة المنظمة أيضاً.
ومنذ تلك الدورة أيضاً بدأ العلم الأولمبي ذو الحلقات الخمس الملونة المتداخلة يرفرف فوق الملاعب والصالات التي تقام عليها المسابقات وكان دو كوبرتان اقترح هذا العلم الأبيض في المؤتمر الذي أقيم عام 1914 في باريس لكن الحرب العالمية الأولى منعت إقامة دورة عام 1916 والعلم يضم خمس حلقات بالألوان الأزرق والأسود والأصفر والأخضر والأحمر والتي ترمز إلى القارات الخمس وقد رسمت بشكل متداخل كناية عن تلاحم الرياضيين فيها.

اللجنة الأولمبية الدولية
يشرف على الألعاب الأولمبية وكذلك نهضة الألعاب الرياضية في العالم اللجنة الأولمبية الدولية التي تضم أعضاء مختارين وفق انتخابات ويجب أن يكونوا من دول أعضاء ومنضوين تحت اتحادات أولمبية محلية التي تكون مسؤولة عن الألعاب الرياضية وتنظيمها أمام اللجنة الدولية (التي يرأسها شخص يجري انتخابه لمدة ثماني سنوات) والتي تتعهد بالإشراف على أنظمة الدورات والألعاب والمسابقات المشمولة فيها وكل التفاصيل المتعلقة بالملاعب والصالات والأماكن المخصصة لإقامتها، وتقر اللجنة مكان تنظيم كل دولة بعد عملية معقدة من الملفات والترشيحات وتتدخل فيها زعامات وطنية وقامات ثقافية عالية وتجند لها أعلام رياضية وفنية واجتماعية لأجل الفوز بشرف تنظيم الدورة الأولمبية.

تطورات هائلة
أقيمت الدورة الأولمبية الأولى عام 1896 على أرض ملعب أثينا الأولمبي والذي بات رمزاً لهذه الألعاب ويجب على كل دولة منظمة تخصيص ملعب رئيس يقام عليه حفلا الافتتاح والختام وبعض المسابقات الرئيسية إضافة لعشرات الصالات والملاعب والمجمعات الرياضية المغلقة وغير المغلقة من أجل إقامة المسابقات عليها.
وبدأت الألعاب بسيطة من دون تعقيدات كثيرة وبمشاركة الهواة فقط حتى إن بطلاً يدعى جيم ثورب سحبت منه ميداليتان ذهبيتان فاز بهما في دورة 1912 وذلك بعد اكتشاف تلقيه مبلغاً من المال مقابل لعبه رياضة البيسبول، أما الآن فقد تدخلت فيها التكنولوجيا بشكل كبير خاصة عقب دخول التلفزيون شريكاً مهماً للدورات الأولمبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدأ النقل التلفزيوني بشكل واسع منذ دورة روما 1960 وتطور بدوره مع تقدم الوسائل التقنية الحديثة ليصبح لاعباً أساسياً في كثير من الألعاب وخاصة تلك المسابقات التي تعتمد نتائجها على أجزاء الثانية، وبات المحترفون جزءاً أساسياً من الأولمبياد ونكتفي بذكر لعبتي كرة القدم والسلة حتى إن ألعاباً أخرى كثيرة تخضع لمنطق الاحتراف وهاهم متسابقو ألعاب القوى يتبارون في بطولات تدرّ عليهم الملايين.
ببساطة بدأت الألعاب بعشرات المتسابقين وبضع عشرة مسابقة في عدد محدود من الألعاب لتصل إلى 306 مسابقات تضم معظمها تصفيات أولية وبمشاركة زادت على 10 آلاف رياضي وكلها خلال 15 يوماً أو أكثر قليلاً، ويفوق عدد متابعيها من أرض الحدث أكثر من 3 ملايين إنسان وأكثر من أربعة مليارات عبر الشاشة الصغيرة.

Exit mobile version