Site icon صحيفة الوطن

محدثو النعمة عبر العصور صور متشابهة ونتائج كارثية … مشروع التخرج «تكرار»… نجاح جماعي وعدم استعراض لملكات الفرد

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

يقول الفيلسوف اليوناني «أرسطو» في فلسفته: «العادة وليدة التكرار» فهل أراد عرض «تكرار»، وهو مشروع التخرج لطلاب السنة الرابعة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، أن يدور في فلك مقولة «أرسطو» يا ترى؟!. المشروع اعتمد على نصّ «المتحذلقات السخيفات» للمسرحي الفرنسي «موليير»، ليقدّمه الفنان «بسام كوسا» بإشرافه على 9 من هؤلاء المرشحين لنيل إجازة في التمثيل.

بين محددة ومشتركة
يؤدي الطلاب نصّ المسرحيّة، بطريقة محددة مشتركة، فقد تمّ العمل على انتقاء طريقة للتعبير في ذلك الأداء، تُعدّ من أسهل أدوات التمثيل على المسرح، واعتمدت الطريقة على الحركات الخارجيّة بالاعتماد على تفاصيل خاصّة بكلّ شخصيّة. فمن جانب استطاع هنا الممثل أن يوصل لنا ما يجب عليه إيصاله بسهولة، أمّا الجانب الذي خسرناه فهو رؤيتنا لمدى جديّة واجتهاد كلّ طالب أو ممثل في البحث عن تفاصيل الشخصيّة الموكلة إليه، وهذا الأمر تساوى فيه جميع طلاب العرض، فقد وفقوا في تقديم الشخصيّة للمتلقي بسهولة، لأن الطريقة المعتمدة في الأداء سهلة، وبالتالي نصل لكلمة «مشتركة» التي بدأت بها مطلع الفقرة، والقصد منها أن الطلاب نجحوا أيضاً في محاولة الانسجام في عمل جماعي مشترك، من خلال طريقة الأداء تلك التي اعتُمدت، وهنا لاحظنا انسجام الجمهور معهم في مشاهد كثير، فكانوا بمستوى واحد تقريباً ونجحوا جميعاً، أمّا على صعيد فردي فلم نلامس المقدرات التمثيليّة الخاصّة في أي منهم تقريباً.

لماذا التكرار؟
نأتي للنصّ المُقدّم، المأخوذ عن المتحذلقات السخيفات لـ«موليير»، وهو نصّ يحمل من المباشرة ما هو كافٍ ليكتشفه أي قارئ، والنصّ في العرض «تكرار» كان أيضاً غير بعيد عن المباشرة، وبالتأكيد هذا الفعل مقصود ومحسوب، وليس هفوة نلوم بها المشرف على العرض أبداً، لكن أن نوضح شيئاً هو في الأساس واضح، فهو أمر يحتاج للتأني قليلاً. من ناحية وصلت الفكرة بسرعة للمتلقي ولا بدّ هنا من التأكيد على أن المتلقي للمسرح في سورية لا يستهان بذكائه ومقدرته على التمييز، ومن ناحية أخرى يبدو أن الفتاة التي افتتحت العرض بكلماتها الرتيبة المتكررة – المقصودة من كلّ بدّ – لتخدم فعل التكرار، كانت شديدة التوضيح، ورمت مقولة العمل وما يجب أن يقوله العرض منذ البداية، فالكلمات الرتيبة التي كرّرتها في البداية حكت لنا كلّ ما في بطن المسرحيّة وجوهرها، ولا أعتقد أنه من الضرورة لهذا الأمر، فعنصر المفاجأة والبحث عن الجديد لا بدّ أنه عنصر أكثر تشويقاً من نسفه مع البداية. لكن تعليقي يزداد عمقه بملاحظة اختتام المسرحيّة بنفس الطريقة، فعادت الفتاة تتحدّث بنفس الأسلوب الرتيب والطريقة المباشرة للأسف. وهنا الخلاصة؛ إن كان هذا التقديم والختام يخدم كلمة التكرار، فهو قولاً واحداً لم يخدم جمال العرض المسرحي في عنصر المفاجأة والتلهّف لاستقبال الأحداث فيه، لاسيما وأن الأحداث ونسيجها بسيط جداً، فهكذا هو النصّ «نصّ موليير» في أساسه. كما كان كافياً إشارة الفنان «بسام كوسا» بإصبعه للجمهور بمعنى أن هذا العرض يشبهكم، وكانت حركة جميلة جداً منه، بل أفضل بكثير وأكثر جمالاً من التقديم والختام باستخدام كلمات مكرّرة تكشف الغاية من المسرحيّة وأين تنتهي وتصب.

طلاب اجتهدوا وتميّزوا
نجح الطلاب في الانسجام مع العرض والغاية منه، وقدّم كلّ منهم ما يمكن لأي متلق أن يقبله، ويتفاعل معه، فهناك جهود لا يمكن إغفالها ولاسيما دور «مجدي المقبل» واللعب على الصوت، والمقدرة في التعامل مع الجميع، ومحاولة التوازن في العلاقة مع الآخر، وعملت «مروى الأطرش» على مجاراته، وضبط الفعل، والصوت، لتكون كلّ شخصيّة من الشخصيّات الثلاث الموكلة إليها منفصلة، ومختلفة عن سابقاتها إلى حدٍّ كبير، وكانا كثنائي منسجمين مع بعض، وخفيفي الظلّ، بل شوّقا الجمهور بهذا الأداء. كذلك الثنائي «معن حمزة» و«بلال مارتيني» اللذان حازا على إعجاب الجمهور، وكان واضحاً أنهما حققا انسجاماً وبناءً ناجحاً في أسلوب متبادل، واستطاعا قيادة العرض بلعبة لطيفة مميّزة. ولا يمكن نسيان جهود «مروان خلوف» في الحقبة الزمنيّة الثانية، فلعب دور الشاب الشجاع، والمُحبّ، والعاشق، وأثّر بقوّة في المتلقي، برسم تفاصيل الشخصيّة بحذرٍ وانتباهٍ مدروسين، وكانت شريكته «سيرينا المحمد» المجتهدة، قد ساهمت بمقدرتها في إظهار شخصيّة الخادمة في حقبتين متلاحقتين، بطريقةٍ رشيقةٍ، فلم تشبه إحداهما الأخرى أبداً، بل يمكن القول إنها مسكت روح الكوميديا جيداً وبإتقان، إضافة الى «سهير صالح» وشريكتها «لمى بدور» اللتين جسّدتا أدوار الفتيات السخيفات، من محدثي النعمة، بتفاصيل وافية وحقيقيّة، و«أديب رزوق» في تعاطيه المتوافق مع المساحة الممنوحة لكلّ الشخصيّات التي قدّمها، باهتمامٍ، وتأنٍ.

عناصر ناجحة
تميّز العرض بسينوغرافيا موفقة، فكان الانتقال من عنصر زمني إلى آخر انتقالاً سلساً، لم يحمل أي صعوبة، بل حمل ذكاء في تطويع الديكور لذلك الانتقال، ولاسيما الحقبة الزمنيّة الأخيرة التي منحها السينوغراف «علي فاضل» اللون الأزرق السماوي، الفاتح، معدوم الملامح، فلا تفاصيل فيه، ويشبه حياتنا الحاليّة إلى حدٍّ كبير، وهي غمزة فنيّة ساخرة، كان موفقاً بها إلى حدٍّ كبير، كما خلق جوّاً يشبه شكل الأشخاص إلى حدّ ما ودواخلهم. وجاءت الموسيقا بإيقاعٍ متناسب، وبإضافة جيدة جداً في كلّ الانتقالات الزمنيّة، وشكّلت عنصراً متكاملاً مع الصورة الإجماليّة للعرض.

تساؤلات واقتراح
يبقى لدي بعض من التساؤلات التي تتعلق في الحقبة الزمنيّة الأخيرة التي كان من المفترض أن تشبهنا إلى حدٍّ كبير، لكن عندما يدخل صاحبا اللعبة ويكشفان أنهما نالا من الفتاتين السخيفتين، لم يكن المشهد يشبه واقعنا الحالي، فلا أعتقد أن محدثي النعمة في وقتنا الحالي ستكون ردّة فعلهم بهذا الشكل الغريب، بل ربما تثور آلاف ردّات الفعل، ويتفنن البعض في إثارة العفن الذي تربى عليه، فلا يمكن للكلمة أن تجرحه، ولن تختلج مشاعره بصدمة يقوم بها أحدهم بالمستوى نفسه الذي قدّمه العرض، إذ إن محدَثي النعمة اليوم باتوا أكثر نفاقاً بين بعضهم، ومع أنفسهم، وزادوا استهزاء بالحياة، وهذا المشهد برأيي لا ينطبق مع واقعنا اليوم بل ينطبق مع واقع النصّ المولييري المستمد منه العرض. ويمكن اقتراح حلّ مناسب أكثر بأن تكون المفاجأة والدرس من خلال مسج أو رسالة صوتيّة في وقت الاستعداد للسفر، مع عدم حضور أصحاب اللعبة والمقلب بالكامل، وبذلك تكون الصدمة أكبر لهؤلاء وحجم الإزعاج يليق بهم، لذلك وجدنا هوّة واضحة في المشهد الأخير بين الطلاب، فهم أيضاً غير مقتنعين بصناعة تلك النهاية إلى حدٍّ ما، ويبقى ذلك اقتراحاً فيما لو أحببنا أن تكون الحال الزمنية الأخيرة تشبه حالنا.

بطاقة شكر
نقول في النهاية، إن لوحة من الجمال والاجتهاد قُدّمت على مسرح «سعد اللـه ونوس» في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، خلال طقسٍ تفوقت درجات الحرارة العالية فيه، أكثر من أي يوم من أيام الصيف التي قضيناها، وأشرف على العرض وأخرجه، الربّان الماهر «بسام كوسا»، وكان المرشحون لنيل إجازة التمثيل هذا العام هم: «أديب رزوق»، و«بلال مارتيني»، وسهير صالح»، و«سيرينا المحمد»، و«لمى بدور»، و«مجدي المقبل»، و«مروى الأطرش»، و«مروان خلوف»، و«معن حمزة». أمّا المشاركون المساعدون في إنجاح العرض فكانوا من طلاب السنة الثانية، والثالثة في قسم التمثيل، ومن طلاب السنة الثانية في قسم الرقص، وآخرون لا يسعنا إلا شكرهم من موسيقيين، وفنيين، وكوادر ساهمت في إنجاح اللوحة، وتقديمها بما يليق، فلا يزال المعهد العالي للفنون المسرحيّة، بعروض طلابه، هو البوصلة المسيطرة على المسرح السوري في أيامنا هذه، وفي السنوات الأخيرة.

Exit mobile version