Site icon صحيفة الوطن

خفايا عام 1957 في سورية … المستعمرون كتلة واحدة في وجه الحركة الوطنية العربية

| شمس الدين العجلاني

(عند الغسق بتاريخ 12آب 1957 طوق الجيش السوري سفارة الولايات المتحدة في دمشق، وقد ادعى عبد الحميد السراج، الرئيس السوري لجهاز مكافحة التجسس أنه أحبط مؤامرة قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأميركية لخلع الرئيس المحايد شكري القوتلي وإقامة نظام حكم موال للغرب، وطرد ثلاثة دبلوماسيين أميركيين، وسجن عشرات من الضباط المتورطين في المؤامرة المزعومة – دوغلاس ليتل الأستاذ في جامعة كلارك الأميركية في مجلة ميدل ايست جورنال عام 1990 م).
حينها اعتبرت وكالة المخابرات الأميركية(CIA) أن مزاعم السراج كذب وافتراء، وأيدها بذلك المراقبون والمحللون للأحداث السياسية في دول الغرب، ولكن: (مزاعم السراج كانت دقيقة والحقيقة أن مؤامرة وكالة المخابرات المركزية للإطاحة بالقوتلي التي أجهضت في آب 1957 م كانت ذروة نحو عقد من السنين من التدخل الأميركي السري في شؤون سورية – دوغلاس ليتل) وأيضاً كتب الكاتب أحمد بهاء الدين بشكل مسهب عن هذه المؤامرة في مجلة صباح الخير المصرية في 3 تشرين الأول 1957 م تحت عنوان: (سر عبد الحميد السراج).

خفايا عام 1957م

توحد المستعمرون في ربيع عام 1957 في النظام الاستعماري الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ووقفوا كتلة واحدة في وجه الحركة الوطنية العربية التي جاءت حينذاك المقاومة السورية في مقدمتها.
وانضم إلى جوقه هؤلاء المستعمرين الجدد عدد من الدول العربية العراق – نوري السعيد – الأردن – الملك حسين – والسعودية ومن لف حولها… وكانت السعودية على غاية من الخطورة في تنفيذ المخططات الإجرامية بحق عدد من الدول العربية وفي مقدمتها سورية، وأشارت مجلة صباح الخير في عددها يوم 14 تشرين الثاني 1957 م إلى انقسام العرب حين طرحت قضية سورية على الأمم المتحدة معزية ذلك: (خشيت بعض الدول العربية أن تقف بجانب سورية، فكأنها تقف بجانب روسيا ضد أميركا!؟).
بدأت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا، إجراءات سرية مشتركة ضد الحكومات السورية في تلك الفترة بغية إقامة نظام موال للغرب في دمشق. وأدّى ذلك إلى قائمة طويلة من العمليات الاستخباراتية الغربية ضد سورية. وكان السياق الأوسع هو «مشروع أوميغا» الذي قادته الولايات المتحدة، ووافق عليه الرئيس الأميركي أيزنهاور في آذار 1956 وكان وفقاً لرأي الأستاذ الجامعي الأكاديمي الألماني دوغلاس ليتل بمنزلة «خطة سرية لمكافحة القومية الثورية في أنحاء العالم العربي».
أجريت عدة عمليات سرية غربية كبرى في سورية خلال هذه الفترة «عملية ستراغل»، وهي محاولة أميركية وبريطانية عراقية مشتركة بين آذار وتشرين الأول 1956 للقيام بانقلاب عسكري موالٍ للغرب قبل أن تكتشفه الاستخبارات العسكرية السورية، واشترك في هذه المؤامرة العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية الشهيرة بسورية!؟ وحينها ألقى الرئيس القوتلي في تموز 1957، خطاباً جعل القائم بأعمال الولايات المتحدة يقول إن خطاب القوتلي «لا يختلف عن الدعاية الشيوعية».
ومن ثم جاءت عملية « أوين»، التي قادتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) والتي سعت من خلالها إلى شراء ضمائر عدد من ضباط وأفراد الجيش السوري للقيام بانقلاب عسكري يهدف إلى إعادة أديب الشيشكلي كديكتاتور موالٍ للغرب في سورية وكشفتها المخابرات السورية في 12 آب 1957؛ وكان الاعتماد في هذه الخطة على الرئيس السوري الفار أديب الشيشكلي والضابط السوري إبراهيم الحسيني الذي كان ملحقاً عسكرياً في إيطاليا، وعلى إثر إخفاق هذه العملية وتورط مسؤولين في السفارة الأميركية فيها، أعلنت الحكومة السورية أن (هوارد ستون) مسؤول السي أي إيه في السفارة الأميركية، وخبير انقلابات عسكرية شخص غير مرغوب فيه.
وكانت أيضاً هنالك عملية «الخطة المفضّلة»، التي طُرحت في أيلول 1957، لإثارة القلاقل والفتن بين الأقليات السورية بقصد استخدامها ذريعة لتدخلات مسلحة من الدول المجاورة واغتيال الشخصيات السياسية والعسكرية السورية الأساسية التي أفشلت العمليتين السابقتين.
لقد عملت وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وفق مفهومين حسب رأيها، الأول التصدي للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط خوفاً على المصالح الأميركية في هذه المنطقة، أما القلق الشديد الذي انتاب المخابرات الأميركية فهو سورية، لأسباب كثيرة ومعروفة.. ولنقرأ رأي يورغ مايكل دوستيل الأستاذ الجامعي والأكاديمي الألماني حسب ما ورد في صحيفة السفير بتاريخ 28-1-2016:تحت عنوان «سورية مطلع الحرب الباردة، هكذا دفعها الغرب نحو الاتحاد السوفييتي» حيث جاء في المقال إن لتاريخ الجمهورية العربية السورية السياسي الباكر، منذ برز هذا البلد دولةً مستقلةً في العام 1946 إلى اندماجه مع مصر لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة في العام 1958، صلة مباشرة بفهم الأزمة السورية الحالية. ويتفحص هذا المقال الكيفية التي تُحَدِّد بها المصالحُ الجيوسياسية سلوكَ القوى الغربية فيما يتعلق بسورية والحال، أن في الفترة الباكرة من التاريخ السوري كثيراً من أوجه الشبه مع الأحداث الأخيرة، منذ البداية، واجهت سورية المستقلة تحديات جيوسياسية عملت على تقويض الاستقرار السياسي في البلاد. فعلى المستوى الإقليمي، شككت النزاعات العربية البينية، وقضية الاستعمار الصهيوني في فلسطين، في قابلية سورية للحياة بوصفها دولة مستقلة. وغدت سورية، إضافة إلى ذلك، منطقة متنازعاً عليها في الحرب الباردة بين القوى الغربية والاتحاد السوفييتي. ويعود ذلك في المقام الأول إلى رفض حكومة الولايات المتحدة دعم الدولة السورية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، كما طلب في العام 1945 شكري القوتلي، أول رئيس سوري. وكان الدافع وراء الرفض ما تبذله الولايات المتحدة من جهد لدعم الصهيونية، ولا علاقة له البتّة بمسألة نظام الحكم في سورية، وما إذا كان يحكمها حكام ديمقراطيون أو سلطويون. وفشل سورية في الحصول على دعم القوى الغربية هو الذي يفسّر التحول اللاحق في أواسط خمسينيات القرن العشرين باتجاه الاتحاد السوفييتي نظراً لغياب أي بديل ممكن.
لقد رأى وزير خارجية أميركا آنذاك (جون فوستر دالاس) أن الولايات المتحدة تنظر إلى الدول المتخلفة، على أنها غير قادرة على المجابهة أمام الدول الكبرى، وأنها لابد أن تقع في شرك الشيوعية السوفييتية، وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتضمن استقلال هذه الدول، وعلى هذا الأساس خول الكونغرس الأميركي، الرئيس (أيزنهاور) لإقامة نظام دفاعي من خلال بعض الدول الشرق أوسطية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لوقف المد السوفييتي الذي يتهددها، وقد اشتركت عدة دول فيه أهمها العراق، وتركيا، ولبنان، والأردن فأرسلت الولايات المتحدة في آب عام 1957م، سكرتير وزير خارجيتها (لوي هندرسون)، إلى تركيا، وقابل كلاً من رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس وملك العراق فيصل الثاني، وملك الأردن، الحسين بن طلال، ثم قابل، رئيس لبنان كميل شمعون، وبعد ذلك صرح (هندرسون) قائلاً: (إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم الدعم الملائم لجيران سورية المسلمين في حالة تعرضهم للانتهاكات السورية). ورأى وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس بأن: (هنالك دليلاً في سورية عن قيام نموذج خطير وتقليدي للتغلغل السوفييتي الذي سيقضي إلى جر البلد، كما حدث في تشيكوسلوفاكيا، إلى الوقوع فريسة للهيمنة الشيوعية الدولية وتحويلها إلى تابع سوفييتي).
لقد حذر الكاتب المصري أحمد بهاء الدين من خطورة الوضع في سورية عام 1957 في عدة مقالات نشرتها مجلة صباح الخير المصرية في ذاك الوقت فكانت مقالته: (لن تقع حرب عالمية.. ولكن حروب محلية صغيرة – كانون الثاني 1957 م) ومن ثم أعاد طرح الموضوع نفسه في أيلول 1957 م تحت عنوان: (لن تقوم حروب عالمية.. ولكن حروب محلية صغيرة، هل تتعرض سورية لحرب من هذا النوع ) وأردفه بمقال ثالث في الشهر نفسه تحت عنوان: (رائحة البارود في سورية)، في حين تذكر مجلة الجندي السورية في عام 1957 م: (أميركا التي توجه سياستها شركات الاحتكار الرأسمالية، تحاول أن تبرر تدخلها في شؤوننا الداخلية وإرسالها الأسلحة إلى الأردن ولبنان وتركيا، تبريراً هو في الحقيقة خداع وتضليل).

أين تركيا من كل ذلك؟
وإزاء كل ذلك فقد كانت سورية في شهر آب من عام م1957، على أبواب حرب تركية – سورية بسبب الأحلام الأميركية في بلادنا، فقد أوعزت الولايات المتحدة لتركيا (الحليف الرئيسي في الحلف الأطلسي على حد قول أيزنهاور) بغزو سورية وأعلنت أميركا على لسان (آلن دالاس) رئيس المخابرات المركزية الأميركية السي أي إيه، أنه لا توجد قيادة حقيقية في سورية!؟ وعلى الولايات المتحدة أن تبدأ بخطة أخرى!؟ فأوعزت لتركيا بحشد قواتها على الحدود الشمالية السورية (حلب)، وحركت أميركا أسطولها السادس تجاه الساحل السوري، وأرسلت أيضاً طائرات أميركية نفاثة من غربي أوروبا إلى قاعدة حلف الأطلسي في أضنة في تركيا، ويقول عفيف البزري – مجلة صباح الخير المصرية 31 تشرين الأول 1957 م -: (نعتقد أن هناك فرقتين من المدرعات ونحو 6 فرق من المشاة.. إضافة إلى الأسطول السادس الأميركي الذي يرسل طائراته الاستكشافية لزيارتنا من وقت لآخر).
و كان للاتحاد السوفييتي موقف حازم من أحلام الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، فهدد تركيا بالاجتياح ووضع لهذه المهمة مليون جندي سوفييتي مسلم إذا ما تعرّضت سورية لعدوان عسكري من تركيا كأحد أعضاء الحلف الأطلسي، وقام حينها رئيس الوزراء السوفييتي بإرسال خطاب إلى رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس مما جاء فيه: (عندما تؤكد الأنباء أن الحشود تتجمع عند الحدود السورية، فإن السؤال المنطقي الذي يتبادر إلى الذهن في هذه الحالة هو: ما هو شعور الأتراك في حالة حشود أجنبية على حدودهم؟ إن تركيا ستجر عليها ويلات كثيرة إذا سارت على رأي الدول الأجنبية التي لا يهمها السلام في الشرق الأوسط على الإطلاق). كما قام الاتحاد السوفييتي بتزويد الجيشين المصري والسوري بكميات كبيرة من المقاتلات النفاثة المتقدمة (وهي السلاح الإستراتيجي الأهم في تلك الفترة) ما زاد القوة النسبية لكلا البلدين في السياق الإقليمي، وأسرع الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، بالاتفاق مع سورية ودعم من الاتحاد السوفييتي، بإنزال قوات مصرية في ميناء اللاذقية في يوم 13 تشرين الأول تأكيداً على «الوحدة العربية»، وذكر أحمد بهاء الدين الكاتب المصري في مجلة صباح الخير المصرية في عدد 17 تشرين الأول 1957 م تفاصيل ذلك تحت عنوان: (الذين يشفقون من ذهاب الجيش المصري إلى سورية).
و لم يكتف بذلك الاتحاد السوفييتي حيث وجهت الحكومة السوفييتية يوم 33 أيلول 1957 م تحذيراً إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الموالية لها مفاده، أن أي اعتداء على سورية، ستكون الحكومة السوفييتية على أهبة الاستعداد لدعم الجانب السوري… هنا اعتبرت أميركا والغرب المتحالف معها، أن الغزو التركي لسورية بات بالغ الخطورة وتراجعوا عن مخططاتهم… إلى أن جاء ما اخترعوه (الربيع العربي) وعاودوا الكرة مرة أخرى، فدفعت الولايات المتحدة الأميركية كلاً من تركيا والسعودية وقطر والدول الخليجية بشكل عام، للعمل على تدمير بلادنا…

وبعد
إن العودة لصفحات التاريخ، وما كتبه الغرب عنا، والوثائق التي أميط اللثام عنها خلال السنوات الماضية، كل ذلك يوضح بشكل جلي أن أولى تجارب وكالة المخابرات المركزية الأميركية في التدخل في شؤون سورية كانت عام 1949 م، عندما تدبروا انقلاب حسني الزعيم، وبعد ذلك فتحت المخابرات الأميركية الباب على مصراعيه للتدخل في الشرق الأوسط بشكل عام وسورية بشكل خاص، وعندما فشلوا طوال السنين الماضية في ضم سورية تحت عباءتهم، وأن تسير بلادنا في ركابهم، وضعوا كل حقدهم الأسود وبثوا سمومهم خلال السنوات الخمس الماضية، لتدمير بلاد الشمس والحضارة والإنسانية والعراقة…

المراجع: أعداد مختلفة من مجلة صباح الخير المصرية عام 1957 م – أعداد مختلفة من مجلة الجندي لعام 1957 م أعداد مختلفة من صحيفة السفير لعام 2016 م – أرشيفي الخاص.

Exit mobile version