Site icon صحيفة الوطن

هل خلا البيان الحكومي من عقلنة الدعم سهواً أم قصداً؟!

| علي محمود سليمان

«عقلنة الدعم» مصطلح اشتهرت به الحكومة السابقة بعد أن أطلقه رئيس مجلس الوزراء السابق وائل الحلقي كأحد الحلول لتداعيات الحرب الاقتصادية والحصار على سورية كما أكد في عدة تصاريح سابقة له ومنها أن «الدعم كان شمولياً يستهدف الأسر السورية بكل شرائحها، لكن نتيجة تداعيات الحرب الاقتصادية والحصار على سورية، وضعف موارد الدولة، كان لزاماً على الحكومة النظر بمؤشرات الدعم، وتصحيحها وإيصاله لمستحقيه والحد من نطاق الفساد الذي كان يشوب هذا الواقع».
يضاف إلى ما سلف أن «عقلنة الدعم» وفق ما سوقت له الحكومة السابقة كانت نتيجة طبيعية للهدر الحاصل في توزيع الدعم الحكومي، ومحدودية تأثيراته في الطبقات الفقيرة المستحقة له، وارتفاع فاتورة الدعم الحكومي لمستويات باتت مرهقة للخزينة، مع تقلص كبير في إيرادات الدولة.
ومع مضي أكثر من شهر على انقضاء ولاية حكومة الحلقي يعود السؤال الأساسي حول عقلنة الدعم هل كان بهدف إيصال الدعم لمستحقيه أو بقصد تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة؟ مع ملاحظة أن أغلبية الدراسات والإحصائيات الرسمية وغير الرسمية التي نشرت خلال فترة حكومة الحلقي كانت تشير إلى أن نسبة الفقراء في سورية تجاوزت 80%، ومع موجات الهجرة المكثفة التي حدثت، باتت أغلبية السكان من مستحقي الدعم.
الملفت للنظر أن مصطلح «عقلنة الدعم» لم يذكر ضمن بنود بيان الحكومة الحالي، وحتى الاجتماعات الحكومية التي عقدت حتى الآن لم تشر إلى هذه السياسة بأي تفصيل من تفاصيل اجتماعاتها ولجانها التي شكلت، وهنا يتبادر إلى الذهن هل أن حكومة خميس تريد التبرؤ من «عقلنة الدعم» أم إنها تعمل على تغيير هذه السياسة وطرق تطبيقها.
الأكاديمي والخبير المصرفي الدكتور عابد فضلية قال في تصريحه لـ«الوطن»: إن البيان الحكومي لم يُشر إلى مسألة «الدعم الاجتماعي» برمتها، بل، تحدث بدلاً من ذلك عن العمل على زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة بشكل عام، عندما أشار إلى «النهوض بالواقع الاجتماعي» و«تحسين الكثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية».
أما بخصوص مسألة «عقلنة أو ترشيد الدعم»، فيرى فضلية أن البيان قد أشار إليها بصورة غير مباشرة في أولويته الثالثة على «إدارة معادلة التوازن بين تكاليف الصمود من جهة والسعي لتحسين مستوى معيشة المواطنين وتخفيف الفقر من جهة أخرى»، وذلك من خلال الاهتمام بتوفير فرص العمل بوسائل متعددة ومبتكرة (….؟) ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر..، وبالتالي فقد ربط البيان إمكانات وتمويل مساعي تحسين مستوى المعيشة بالإمكانات المالية المتاحة، بعد مراعاة تكاليف ومتطلبات الصمود، وأكد بالوقت ذاته بصورة غير مباشرة أن العمل الحكومي يسعى لتحسين مستوى المعيشة وتخفيف الفقر «لن يكون من خلال الدعم المباشر، غير العقلاني» بل، وبحسب البيان سيكون بتوفير فرص عمل، من خلال دعم النشاط الإنتاجي، بما في ذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بدليل أن البيان قد أشار «في أولويته الثانية» إلى توجيه الجهود نحو «الإغاثة الإنتاجية»، التي لا نعلم ما هو المقصود بها بالضبط.
وبالمحصلة وفق رأي فضلية، فهناك وضوح تام بخصوص النية بـاستمرارية الدعم الحكومي الاجتماعي، ولكن بكيفية مختلفة، وآلية وطرق جديدة، إنتاجية وليست استهلاكية، وبالمقابل فإن هذا الدعم ليس مؤكداً، لكون تمويله مرتبط بظروف الواقع، أي بحسب ما هو لازم لتأمين متطلبات الصمود وإمكانات الخزينة العامة للدولة.
من جانبه اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عدنان سليمان أن المعطيات الأولية لعمل الحكومة تحتاج للتريث حتى تتضح الرؤية بشكل أكبر، مضيفاً في تصريحه لـ«الوطن» بأن ما تحدث به رئيس الوزراء عماد خميس مؤخراً بأنها حكومة الفقراء يشير إلى أنهم سيستمرون في الدعم، ولكن لم يتضح إن كان عدم ذكر مصطلح «عقلنة الدعم» مقصوداً أو بهدف العمل على سياسة جديدة، ولكنه أمر ملفت للنظر عدم ذكر المصطلح ضمن البيان أو خلال الاجتماعات الحكومية حتى الآن.
وأشار سليمان إلى أن الاستمرار بسياسة الدعم يعطي مؤشراً لعدم الموافقة على سياسة «عقلنة الدعم» لأنها بالشكل الذي استخدم فيه مصطلح «عقلنة الدعم» يعني رفع الدعم وإعادة التدوير ودعم الإنتاج بديلاً عن دعم الخدمات، ولكن التطبيق كان عليه العديد من إشارات الاستفهام لأن «عقلنة الدعم» هي ايصال الدعم إلى مستحقيه.
وفي الجهة المقابلة بيّن مصدر مسؤول في الحكومة الحالية بأن الدعم بشكله العام يعتبر قضية ضرورية في كل دول العالم، ولكن بشرط أن يصل إلى مستحقيه ولذلك مهمة أي سياسة أن تبحث عن الآلية التي تؤدي بالدعم لتحقيق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح المصدر في حديثه لـ«الوطن» وهو الذي استلم عدة مناصب في حكومة الحلقي وما يزال على رأس عمله في حكومة خميس بأن الدعم الإنتاجي وخاصة في مستلزمات الإنتاج، لقطاع الإنتاج المادي أي «الزراعة والصناعة» يعتبر مهماً جداً مع أهمية إجبار المنتجين أن يعكسوا قيمة الدعم على تكلفة المادة المنتجة وبالتالي يتحقق الدعم للمستهلكين المستحقين له عن طريق المنتجين، ولكن إن تركت الأمور لآلية دعم المستهلك فقط، فإن المنتجين سيبحثون عن طريقة ما لامتصاص القوة الشرائية لهذا الدعم لافتاً إلى أن مصطلح «عقلنة الدعم» لم يكن موجوداً سابقاً وغير معروف في النظريات الاقتصادية، ولذلك يجب أن نحدد نوعية الدعم الحالي هل سيكون إنتاجياً أم استهلاكياً، مع إمكانية الجمع بين الدعمين وفق خطة موضوعية وواضحة.

Exit mobile version