Site icon صحيفة الوطن

صفحات مطوية من تاريخ صحافتنا … نديمة المنقاري ومجلة المرأة

| شمس الدين العجلاني

نديمة المنقاري هي السيدة السورية الحلبية بامتياز التي قضت حياتها بالعطاء الإنساني والوطني وكانت المربية الكبيرة لجيل طويل عريض من أبناء الوطن..
خطت نديمة اسمها على صفحات تاريخ صحافتنا حين أصدرت مجلة شهرية للثقافة والأدب والفن، تضاهي آنذاك والآن أهم المجلات التي تختص في شؤون المرأة، أو شؤون الثقافة والفن..
نديمة المنقاري، هي، الصحفية والمربية والمناضلة ضد المحتل، كانت حياتها صفحة مضيئة للنضال النسائي، كي يكون المجتمع قوياً صامداً متعاوناً فالمرأة هي حليفة الرجل في السراء والضراء وبناء وصون الوطن هكذا كانت نديمة المنقاري..
ليس غريباً أن هذه الحلبية نديمة المنقاري، لا نجد اسمها يتداوله إعلامنا «إلا ما ندر في بعض المقالات هنا وهناك» أو مثقفونا، أما منظماتنا واتحاداتنا وجمعياتنا النسائية «والرجالية» فلا أعتقد أن اسم نديمة منقاري مر في سجلاتها الثقافية أو الوطنية… وهذا ليس بغريب علينا لأننا اعتدنا في كثيرٍ من الأحيان ألا نقرأ تاريخنا! اعتدنا أن ننسى نساءً ورجالاً مروا على تاريخنا وسطروا أسماءهم بماء الذهب؟!

من نديمة المنقاري؟
آل المنقاري من وجهاء حلب. برز منهم في مجال الأدب والشعر والصحافة ربيع المنقاري، ونديمة المنقاري.. والمنقاري في قاموس المعاني اسم أسرة عربي، وهو نسبة إلى «منقار». وهو اسم آلة لفأس حديدية يُنقربها. والمنقار: صانع هذه الآلة، أو الحجّار الذي ينقر الحجارة بالمنقار، والمنقار كذلك: منسر الطائر، مقدَّم الخفّ، منقار الدجاجة.
ولدت نديمة المنقاري في مدينة حلب عام 1904 م، زوجها الشيخ عطا الله الصابوني من أهم رجالات الفكر في حلب، ومن أولادها ظافر صابوني ‏الذي أصدر في دمشق جريدة أخبار الأسبوع عام 1954وجريدة أخبار النهار عام 1956 كما عمل في المجال الإذاعي والتلفزيوني، والمربي محمد أبو اليمن صابوني. ‏
تلقت نديمة المنقاري علومها الأولية في مدارس حلب، وأتقنت اللغة الفرنسية، وهنالك من يذكر أنها تتلمذت على يديّ علامة حلب محمد الحنيفي، ما جعلها تمتلك ناصية اللغة العربية بقوة.
انتسبت إلى دار المعلمات وتخرجت عام1926، فعينت معلمة في مدرسة حلب الابتدائية، ثم مديرة لبعض المدارس فيها، ثم انتقلت مع زوجها إلى مدينة حماة لتدريس مادة اللغة الفرنسية في مدارسها، وأصدرت هنالك مجلة المرأة… عادت نديمة إلى مدينتها حلب وعملت مفتشة في التعليم، ومن ثم انتقلت إلى دمشق مع زوجها عندما انتقل مكان عمله الوظيفي، وأعادت بدمشق إصدار مجلتها عام 1947م، وطورتها من حيث الشكل والمضمون..
حين جاءت نديمة إلى دمشق في الأربعينيات من القرن الماضي عملت في الإذاعة السورية، وأعدت العديد من البرامج الهادفة إلى توعية المرأة، ودفعها إلى النهوض بجانب الرجل، وعلى قدم المساواة. كما أعدت وقدمت العديد من البرامج الإذاعية الوطنية المناهضة للمحتل الفرنسي ما جعل « العين الحمراء عليها »، ولم يقتصر نشاطها على الشأن الإعلامي فقامت ببعض النشاط المسرحي فأسست فرقة مسرحية اسمها «الحمامة البيضاء» واهتمت بـ(رقص السماح)، كما أولت اهتمامها لنشاطات الطلاب الفنية فأقامت لهم العديد من المعارض الفنية المدرسية.
عادت نديمة المنقاري إلى مدينتها حلب وأحيلت المنقاري إلى التقاعد، وبعد سنوات قليلة وافتها المنية عام 1991م، عن عمر ناهز سبعة وثمانين عاماً، وكعرفان لمكانتها الكبيرة أطلقت حلب اسمها على أحد شوارعها تخليداً لها.
تركت المنقاري تراثاً ومخطوطات عدة لم تر النور بعد!؟..
مجلة المرأة

إن أول مجلة نسائية تصدرها امرأة سورية هي مجلة «العروس» وقد أنشأتها المناضلة المرموقة ماري عجمي عام 1910 وكانت تطبع في مدينة حمص. استمرت حتى عام 1914 وتوقفت بسبب مناهضتها للاستبداد العثماني ونشوب الحرب العالمية الأولى، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى عادت إلى الصدور عام 1926 ثم توقفت نهائياً. كانت (العروس) مجلة نسائية علمية أدبية لها طابع فكاهي.
ومن ثم تأتي من حيث الأهمية مجلة «المرأة» لصاحبتها ومديرتها المسؤولة نديمة المنقاري، ومدير إدارتها عطا الله الصابوني (زوج نديمة المنقاري)، وهو كاتب صحفي ومفكر، سبق له أن أصدر مجلة (الفجر) الحلبية عام 1927م ومجلة (المكنسة) واعتبرت مجلة «المرأة» امتداداً لمجلة «العروس».
صدرت مجلة «المرأة» أول مرة في مدينة حماة في 30/10/1930، وكانت تحت شعار: (المرأة مربية الرضيع ومعلمة اليافع ودليل الشاب ورفيق الرجل) كما كانت الآية القرآنية الكريمة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) تتصدر صفحتها الأولى.
على الرغم من أن المجلة صنفت ضمن المجلات النسائية، ولكنها كانت مجلة عامة تطرح العديد من القضايا التي تهم المجتمع برمته، وكانت مجلة منوعات اهتمت بالشأن الأدبي والاجتماعي والثقافي وحتى الطب والموسيقى.
مجلة «المرأة» صدرت في حماة بـ32 صفحة من القطع الصغير، وكانت تطبع في مطابع الإصلاح لصاحبها عبد الحسيب الشيخ سعيد، ومن ثم أضحت أربعين صفحة من القطع المتوسط عندما صدرت بدمشق.
وتقول الكاتبة والناقدة وداد سكاكيني: (أنشأت المربية الكبيرة السيدة نديمة المنقاري مجلتها «المرأة» في حماة، بلد العاصي والنواعير، ثم احتجبت مدة وعادت إلى الصدور في دمشق، فظهرت بحلة طريفة، لتكون صورة للنهضة النسوية الحديثة..).
توقفت المجلة عن الصدور بعد عام واحد من صدورها في حماة، نتيجة ظروف عدة أهمها مناوأتها للسلطات الفرنسية المحتلة، إلى عام 1947 م حين قدمت المنقاري وزوجها إلى دمشق فأعادت مجلتها إلى الصدور بثوب جديد، وحجم كبير، وطباعة ملونة (حسب مفهوم تلك الأيام) واستقطبت المجلة أقلام عشرات الأدباء والشعراء والمفكرين، وأضحت منبراً حراً للفكر والمفكرين، وغذاءً ثقافياً للمجتمع، وساحة أدبية يتبارى فيها أصحاب الأقلام العمالقة في ذاك الزمن.

مجلة المرأة بدمشق
حين قدمت نديمة المنقاري إلى دمشق أعادت إصدار مجلتها «المرأة» عام 1947 م بحلة جديدة من حيث الشكل والمضمون، فكانت بحدود أربعين صفحة مع الغلاف الأول والأخير، وغلافاها ملونان، كما تتضمن صفحتين ملونتين للأزياء، وهي قياس متوسط، وكانت مجلة شهرية مصورة للثقافة والأدب والفن، مقرها دمشق ومنشئتها نديمة المنقاري ومديرها حمدي طربين، وهي: (لسان حال المرأة الحديثة في عهدها الإنشائي الجديد، ورسالة النهضة الثقافية العامة والأدب الرفيع )كما جاء في تعريفها على صفحاتها.
كانت إدارة المجلة في مطابع الهلال بسوق الحميدية (لصاحبها حمدي طربين)، واشتراكها في سورية ولبنان 8 ليرات سورية، وخارج البلاد السورية جنية مصري أو ما يعادله، وثمن العدد خمسون قرشاً سوريا.
فتحت المنقاري صفحات مجلتها لكل ذي فكر وأدب، فظهرت أسماء نسائية كثيرة على صفحاتها منهن: (معزز البياتوني – سميحه المصري – منيرة علي المحايري – نعيمة المغربي – عفيفة الحصني – ليلى سامي البكري – نهلة هادي من بيروت – فاطمة الجيوشي طالبة – حورية خطيب في مجال التعريب – رحال عبجي ومرزية قوتلي في مجال صفحات الطعام – بلقيس عوض – نجاح معصراني من بيروت – رئيفة الناشر – سميحه الصابوني في صفحات تعليم الخياطة – ثريا كرد علي – وداد سكاكيني – ثريا الحافظ – توجان الحسيني – براءة القوتلي – زائدة جاتا…).
كما ظهر على صفحات المجلة من الكتاب والأدباء: (محمود القاضي –نديم الملاح – جميل سلطان – فؤاد الشايب – عبد الغني الدقر – أحمد الصافي النجفي – محمد المبارك – شوكة موفق الشطي – علي حيدر الركابي – منير العجلاني – عبد الرحمن خليل من حماة – إحسان القواص للتعريب – عبد الوهاب حومد – حافظ الجمالي – نديم الملاح من الأردن –خلدون الكتاني من لندن – منير الحامد من حمص – زهير مهرات من حمص – فاتح المدرس من حلب – أديب النحوي…). وكان للمجلة مندوبون في كل من لبنان نهاد الهبراوي، وحمص عبد الودود تيزيني، وحلب علي رضا.
لم تقتصر مجلة «المرأة» على الشأن النسائي فقط، فكانت مجلة جامعة تشمل كل المعارف الإنسانية، وكانت تتحلى بالجرأة والمصداقية، فقد طرحت أكثر من مرة موضوع (بين السفور والحجاب) مرة بقلم المحامي إبراهيم مجاهد الجزائري، وأخرى بقلم حافظ الجمالي، ترى هل تستطع أي من صحفنا أو مجلاتنا الآن طرح مثل هذا الموضوع؟!
ولم تقتصر هذه المجلة على ذلك فقد اتهمت شاعر الشام المعروف شفيق جبري (بالوثائق أنه يسب الشام) وذلك بقلم عبد الغني الدقر وتحت عنوان: (بالمرصاد، الأستاذ شفيق جبري يسب الشام والأستاذ عبد الغني الدقر يرد عليه ومجلة المرأة تأسف!!!…).
كتب فارس الخوري ذات يوم لنديمة المنقاري: (صدور هذه المجلة من جديد بعث في نفسي فرحاً واغتباطاً.. وأرجو أن أجد فرصة مواتية أدون فيها ما يجول في خاطري حول هذه الشؤون وأقدمه للنشر في مجلتكِ العزيزة التي أرجو لها على يدكِ كل النجاح وأعظم الازدهار).
هذه هي نديمة المنقاري امرأه من بلدي، طوتها صفحات الزمن، ونسيها أصحاب الشأن منا، فهل نعيد إليها ألقها، ونمنحه جزءاً بسيطاً من حقها علينا.. سؤال لذوي الشأن الإعلامي في سورية..

المراجع:
– أعداد مختلفة من مجلة «المرأة» لعامي 1930 م و1947م.
– أرشيفي الخاص.

Exit mobile version