Site icon صحيفة الوطن

باحث اقتصادي: القوانين الناظمة لقطاع الصناعة تشرّع الفساد

يبدو أن إصلاح القطاع العام الصناعي ومعالجة أوضاع الشركات الخاسرة والمتردية بات ضرباً من الخيال علماً أنه ضرورة ملحة ضمن خطة الحكومة للمرحلة القادمة لأنه وفي كل مرة تناقش الحكومة على طاولتها الهموم والمشكلات التي تتعرض لها الصناعة الوطنية لتطويق الأزمة الاقتصادية لكنها لم تفلح حتى أن هذا القطاع لا يزال حقل تجارب لمعظم الوصفات الاقتصادية غير مدروسة النتائج.
الباحث الاقتصادي د. نضال طالب يجزم أن إصلاح القطاع العام الصناعي موضوع شائك من قبل الأزمة ثم جاءت الأزمة لتزيد هذا التعقيد من جهة ولتؤكد في الوقت ذاته صوابية عدم التخلي عن هذا القطاع والتوجه لإصلاحه ودعمه. وذلك لما تبدى من أهمية لدور هذا القطاع في تأمين متطلبات السوق وتشغيل اليد العاملة في ظل الأزمة وتراجع دور الاستثمارات الخاصة التي تحكمها ظروف الاستقرار الأمني والاقتصادي.
إن إصلاح وإعادة تأهيل القطاع العام الصناعي يجب ألا يتم بمعزل عن إصلاح الاقتصاد السوري وإعادة هيكليته؛ أي يجب أن نبدأ من هناك ونرسم رؤية وإستراتيجية واضحة المعالم وهوية اقتصاد وطني تناسب الوضع السوري ثم بعد ذلك نحدد ملامح أي قطاع صناعي عام نريد والقطاعات الصناعية التي يجب أن تحتفظ بها الدولة وأي قطاعات ستتاح للقطاع الخاص لم يسبق له الخوض بها الأمر الذي يتطلب رسم سياسة تحفيزية مدروسة في إطار خطة عمل الدولة. لا بل إعادة تأهيل هذا القطاع هي ضرورة بحد ذاتها وذلك لرفع كفاءة استثمار الأصول الرأسمالية والموجودات غير المستغلة والمجمدة في شركات القطاع العام للصناعات التحويلية والمقدرة تراكمياً لغاية عام 2011 بحوالى 145 مليار ليرة سورية والأرباح المحققة من جراء هذا الاستثمار كانت نحو 27 مليار ليرة سورية، منها 22 مليار ليرة سورية حققتها كل من المؤسسة العامة للتبغ والمؤسسة العامة لحلج الأقطان بسبب وضعهما الاحتكاري، وما تبقى وهو مبلغ 5 مليارات ليرة سورية للمؤسسات الصناعية الست المتبقية، مقابل استثمارها أموال بقيمة 135 مليار ليرة سورية، أي بعائد استثمار يعادل 3.7% للمؤسسات الست المذكورة، وهو استثمار غير مجدي بالتأكيد. الأمر الذي يفرض ضرورة إصلاح المؤسسات المذكورة لتفادي ضخ الأموال دون تحقيق فائدة ومورد مالي. كما أن الخسائر المتراكمة لدى بعض جهات القطاع العام للصناعة التحويلية تؤدي إلى اختلال الهيكل المالي لهذه الجهات وآثار سلبية على الموازنة العامة للدولة وتشابكات مالية معقدة يحتاج حلها إلى تكاليف باهظة ووقت وجهد.
وأيضاً تتجلى ضرورة إصلاح القطاع العام الصناعي بضرورة معالجة مشكلة فائض العمالة وسياسة الأجور ولا سيما أن هذا القطاع يعاني مجموعة عقبات وصعوبات منها مشكلات إدارية تشريعية تتعلق بضعف الإدارات في هذا القطاع وخصوصاً العليا منها وغياب المعايير الواضحة والسليمة في انتقائها الأمر الذي أدى إلى عدم القدرة على مسايرة المتغيرات المحيطة وغياب الدور الفاعل في تصحيح مسار هذا القطاع زمنياً واقتراح الخطوات المناسبة لإصلاحه، ومن جهة أخرى هناك تكبيل وتقييد تشريعي لعمل هذا القطاع لا بل هو تشريع لقوننة الفساد إذ نلاحظ أن القوانين التي تحكم عمل القطاع من قانون العقود وقانون الموازنة وغيره… تكون ومن خلال ما تحتوي عليه من ثغرات ستاراً لتغطية الفاسدين فيه. الأمر الذي يخلق كلفة فساد مرتفعة من خلال التلاعب بقيمة وآلية المناقصات والعروض المالية التي تتجلى بارتفاع قيمة التوريدات من مواد أولية أو أصول رأسمالية (آلات وغيره…) تنعكس ارتفاعاً واضحاً في تكاليف الإنتاج وتؤدي إلى تدني الجودة والمواصفات وضعف القدرة على المنافسة وتراكم المخازين. والمفارقة هنا بأن قانون الموازنة العامة والقانون المالي الأساسي المعمول به في القطاع العام للصناعات التحويلية يقيد قرار وزير الصناعة ولا يعطيه الصلاحية بحرية شراء مولدة كهربائية أو فرن صهر بسيط تعطل فجأة في معمل من المعامل الصناعية العامة، ويفرض ضرورة الحصول على موافقات وقرارات ومراسلات عديدة بهذا الخصوص من شأنها أن تؤخر حتماً العملية الإنتاجية، وفي هذا الصدد وبخصوص غياب المرونة والصلاحيات في حركة القطاع العام للصناعات التحويلية مقارنةً بالقطاع الخاص.
فقد قامت وزارة الصناعة بدراسة أظهرت بأن تنفيذ أي مشروع استثماري وارد ضمن خطة أي شركة صناعية يحتاج إلى ما يزيد على 300 يوم بدءاً من إعداد دفاتر الشروط اللازمة وصولاً لمرحلة فتح الاعتماد المستندي مع جهة ما للتنفيذ، وذلك وفقاً للإجراءات المطلوب الالتزام بها من القطاع العام، مقارنةً مع قدرة القطاع الخاص على اتخاذ القرار بالسرعة الآنية من دون التأثر بالظروف المستقبلية.

Exit mobile version