Site icon صحيفة الوطن

هل يعني الاحتفاء بالشعر أنه لا يزال يملك بريقاً؟ … شعراء بالفصحى وآخرون يرون العامية مناسبة وتجاوزها لغة خشبية

| عامر فؤاد عامر

يبقى الشعر بوابة مهمّة، من بوابات الأدب والثقافة، لكنه يحمل حالة خاصة من الرشاقة والإبداع، ففيه لغة نوعيّة يبثّها الشاعر في مجتمعه، وفي الناس التي تسمعه، ليقودهم من حالٍ إلى حال، وهذه إحدى مهام الشاعر تاريخيّاً التي ولدت معه منذ أيامه الأولى قديماً. أمّا اليوم فللشعر أيامه في لقاء الشعراء وأهل الكلمة معاً ضمن فعاليّات معرض الكتاب الدّولي، وكنّا قد بدأنا بتغطية الجزء الأول من اللقاء ليكون اليوم الجزء الثاني.

علامة فارقة
فقد كان في هذا اليوم الجديد مجموعة من الشعراء الذين حضروا من محافظاتٍ ومناطق متعددة من سورية تكريماً لهذه اللفتة الجميلة، فكان وجود الشعراء مع قصائدهم في الجلسة الأولى وهم: «عبد الكريم الناعم»، و«محمد حديفي»، و«صقر عليشي»، و«بديع صقّور»، و«محمود نقشو»، في حين كنا على موعدٍ مع الشاعر «محمد علي شمس الدين» من لبنان الذي اعتذر عن الحضور، وكان رئيس الجلسة «صالح هواري، وقد ألقى رئيس اتحاد الكتّاب العرب د. «نضال الصالح» كلمته التي نذكر منها: «أشبه بحلمٍ، بحقّ كانت الفعاليّات الثقافيّة المرافقة لمعرض مكتبة الأسد الوطنيّة للكتاب، يومان للقصة القصيرة، ويومان للشعر، وقبلهما ندوة في الثقافة الوطنيّة والتنوير، وكأن الأيام الخمسة كواحد ليست أياماً احتفلنا فيها بغير طاقةٍ إبداعيّة سوريّةٍ وعربيّة، بل تشرفنا فيها في اتحاد الكتّاب العرب بغير علامةٍ فارقة من علامات الإبداع السوري والعربي، شكراً لكلّ من شاركنا في هذه الأيام، ولكلّ من وقف جانبنا في هذه الفعاليّات المرافقة، لكلّ الذين مكّنوا اتحاد الكتّاب العرب من أن يلعب هذا الدّور المميز والاستثنائي في تاريخ الدّورات السابقة لمعرض مكتبة الأسد الوطنيّة للكتاب، فهذه هي المرّة الأولى التي يكون فيها لاتحاد الكتّاب العرب هذا الدّور في الفعاليّات المرافقة للمعرض…».

عبد الكريم الناعم خير تمثيل
قرأ الشاعر الكبير «عبد الكريم الناعم» قصائد قصيرة جاءت عناوينها: «عائلةٌ مُحبّة»، و«ابن خالتي»، و«مصرع بائع البنّ»، و«ذو الجهتين»، طفلٌ أبيض»، و«لصاحب اللثام»، و«يا صاحبي»، و«مبتدأ المنصوب»، و«بالسكين». وهذه كلمات قصيدة «مبتدأ المنصوب» التي اخترناها لكم:
مبتدأ المنصوب وشروق الشمس غروب
هذا ما يحدث في وطنٍ يحكمه القاتل والقوّاد وبائع مكّة باسم الدّين
لا قطرب شرقاً أو غرباً لا تفقدك النيران الكبرى
أن حرائق ما يجري كانت وتظل فلسطين
فاحذر من أجّر مكّة باسم الدّين
يخصّنا الشاعر الكبير «عبد الكريم الناعم» في كلمة يقول فيها: «أحبّ أن أشير إلى أن معظم قصائدي هي ابنة زمانها، فتكاد تعكس هذا الزمن سواء كان زمناً بعموميّته أو زمناً بمشاعري الخصوصيّة، فارتباط قصائدي بالزمن وبأحداثه ارتباط حميمي، وارتباط جوهري، ولذلك لدي مجموعة قدّمتها لوزارة الثقافة بكاملها ترصد الكثير من هذه الفواجع التي طالعتنا، ومرّت علينا، وفاجأتنا هذه المفاجآت الدّمويّة، ولذلك هي جزء من عدد من القصائد المحصورة في هذا الأفق، واعتقد أن المسألة هي أكثر من واجب فهي شيءٌ سيبقى للأجيال، فنحن سنغادر، وسيبقى شهيداً على الوقائع، شهيداً على ما اقتحمنا من أفكار ظلاميّة، على الداعشيّة، والتكفيريّة وأنصارهما، وشهيداً على الذين ارتدوا، على الذين سقطوا، وعلى الذين كانوا في خطٍ واحد، ثمّ افترقوا فإذا واحد في اليمين وآخر في الشمال، فهذا واقعنا، وأعتقد أنني لست الوحيد الذي رصد هذا الواقع، واليوم أتيح لي أن أقدم بعضاً منها، واخترت هذه القصائد لأنها تمثلني خير تمثيل، فحتى من ناحية البنية الشعريّة لا من حيث الانتماء، ولا من حيث مرافقة الزمن فقط، ومن حيث العلاقات الداخليّة في بنية القصيدة الواحدة… ».

بوح محمد حديفي
قدّم الشاعر «محمد حديفي» قصيدة «بوحٌ» وتعليقاً على هذه القصيدة المنتقاة، والتي حملت المزج بين مشاعر الحبّ والعلاقة مع الوطن يقول: «الشعر أولاً وآخراً رسالة تؤدى إلى المتلقي وإلى ذات الشاعر، وعلى صعيد الشعر ليس هناك من فارقٍ على الإطلاق بين أن يخاطب الشاعر حبيبته التي يتخيّلها والتي هي من دمٍ ولحم، أو يخاطب حبيبته التي هي من تراب الأرض، وفي قصيدتي «بوحٌ» كانت الحبيبة الوادعة «حلب» فهكذا تخيّلتها، لكن في الأيام الأخيرة هذه المدينة التي كانت هادئة وادعة تحوّلت إلى امرأة تداوي جراحها النازفة فكانت قصيدتي حول هذه الرسالة».

صقر عليشي مع الشعر المحكي
بدأ الشاعر «صقر عليشي» مطلع قصائده بالشعر المحكي، ثم انتقل إلى قصيدة الفصحى وعن ذلك يقول: «اخترت مقطوعة بالمحكيّة، وأنا مع هذا اللون من الشعر، ولست مع الآراء الخشبيّة لاتحاد الكتّاب العرب في منع إلقاء هذا اللون على المنبر، فنحن نتحدّث بهذه اللغة، ونستمع للأغاني باللغة المحكيّة، ومنها أغنيات السيدة «فيروز»، فأي منبرٍ أقدس من منبر الحياة في إطلاق هذا اللون من القصائد، واللغة الفصحى، والبلاغة لهما مكانهما، وكذلك اللغة المحكية، ففيها الخيال والروح والحيوية، وأنا أستغرب من موقف اتحاد الكتاب العرب من هذا اللون، وهذا يعني أن لهم موقفاً حادّاً من الحياة، وهم بعيدون عن الحياة. وعن اختياره للقصائد الأخرى يقول: «اخترت قصائد من ديوانٍ واحد هو «معنى على التلّ» وهو تجربة خاصّة، قصائده مشغولة بروحٍ واحدة، وهذا الديوان له شكلٌ يميّزه عن الدواوين الأخرى التي كتبتها من قبل، وهذا ما أحاوله بشكلٍ دائم، ولا أحاول أن أكرر نفسي، ولا لغيري أن يكرر نفسه، يكفي كتابة القصيدة مرّة واحدة لا مراتٍ كثيرة».

أيضاً
ألقى في هذه الجلسة أيضاً الشاعر «بديع صقور» الذي اختار أن يلقي شعره جالساً وكانت قصائد: «نداء»، و«ميلاغر» السوري، و«رسائل متأخرة»، وغيرها. ومن ثمّ الشاعر «محمود نقشو» الذي ألقى قصائده من ديوان «نقش الليل».

صلاح أبو لاوي أكتب لسورية فقط
قدّم شعراء الجلسة الثانية الشاعر د. «راتب سكر» فكان الشاعر الفلسطيني «صلاح أبو لاوي» في البداية ومن قصائده التي قرأها: «قصيدة لـ»يارا عباس»، و«قصيدة لـ»نضال الصالح»، و«نقشٌ فلسطيني على سقف دمشق». ومن قصيدة نختار هذا المقطع:
يا شوقها، هل تخمد الأشواق؟
تفنى الحروب ويخلد العشاق
أشعارنا زرعٌ يوقع باسمنا
وقصيدتي في حبّها دراق
هي أجمل الشامات في خدّ السما
وأنا لقبلة خدها مشتاق
قلبي كنيسة مهدها يمشي على
ماء فيعزف لحنها الطرّاق
ما خفقةٌ فيه سوى لصلاتها
يعلو ويهبط والهوى دفاق
أنهارها الحبلى بكل عليّةٍ
تجري به والجاريات عتاق
نادته أحلاماً فصدّق حلمها
حلماً بها والحالمون رفاق
فرثى لها والليل يندب حزنه
فاستقبلته الدار والأحداق
يقول الشاعر الفلسطيني «صلاح أبو لاوي» في حديثه معنا حول خياره لهذه القصائد: «لا أعتبر نفسي إلا سورياً، فلست ضيفاً هنا، وأنا لا أعترف بحدود سايكس بيكو، فأنا سوري، وكلّنا سوريون، في فلسطين ولبنان والأردن وسورية، وأنا لم أكتب منذ 5 سنوات إلا لسورية، فاليوم اخترت 3 قصائد من بحر القصائد التي كتبها لسورية، وأتشرف أن أكون على الأرض السوريّة في كلّ مهرجان، لأنني بذلك أدافع عن الأمة العربيّة كلّها، وعن فلسطين بالدرجة الأولى التي دافعت عنها سورية بدم الشهداء، وتدافع عنها الآن. وأقول أيضاً إن بشائر الفجر قد بانت، وعودة معرض الكتاب كعودة الحياة إلى سورية، وهذه الحياة ستستمر وستعود سورية كما كانت وأفضل».

سليمان السلمان عن الوطن والأمة والغزل
كان أيضاً من شعراء هذه الجلسة الشاعر «سليمان السلمان» وعن خياراته في القصائد ومناسبتها لأيام الشعر السوري يضيف لنا: «في هذا اليوم أشارك كما شارك الكثيرون، وأعتبر أن وقفةً على المنبر يجب أن تتضمن كلّ ما يمكن أن يقدّم في صورته التي يستحقها الموقف، فالموقف الذي نحن فيه هو موقف وطنيّ بالدرجة الأولى؛ لأن الكتاب العربي كتاب أمّة، ولكنه في سورية كتاب لهذا الوطن، ولهذه الأزمة، ولهذه الحياة في مآسيها، وأفراحها، فأنا ألقيت عن الوطن ما يجب أن يقال، وعن الأمة ما يجب أن يقال، وعن الحياة ما يجب أن يقال، وأنا أعلم أن فرح الحياة في قلب الإنسان يعطيه ويقدّم له ما وجب، وأيضاً كان الغزل من بين قصائدي لأفتح في قلوب الناس نوافذ الفرح في مآسي الحياة الصعبة».

توفيق أحمد ومزاج الشاعر المعقد
ألقى مدير الهيئة العامة السورية للكتاب «توفيق أحمد» قصائده ما بين النثر والعمودي، ومنها مقطع من قصيدة مهداة إلى الشاعر «صالح هواري». وعن خياراته في القصائد تلك يقول: «لا أعلم كيف اخترت قصائدي، فمزاج الشاعر معقد، والمفاجأة حاضرة في اختياراته وأحاسيسه دائماً، إنما أردت بحضور شعراء سوريين وعرب أن أقول هذه قصائدي في مراحل مختلفة فألقيتُ واحدة من مرحلة الثمانينيات، وواحدة من التسعينيات، وواحدة كتبتها ما بعد الألفين، ومن الممكن ملاحظة التطور الفنّي في هذه القصائد تبعاً للمراحل الزمنية». أيضاً كان من بين الشعراء في هذه الجلسة كلّ من «غادة اليوسف»، ود. «نذير العظمة»، و«محي الدين محمد».

Exit mobile version