Site icon صحيفة الوطن

ما بين الملائكة والبشر.. هناك امرأة … رندة حجازي: تتعرض المرأة في مجتمعاتنا إلى التعنيف والكبت اللفظي والفكري وإلى قسوة بعيدة عن الإنسانية

| سوسن صيداوي

احتار الرجل في المرأة ما دامت لغزا محيرا صعب الحل للكثيرين من العلماء والنفسيين والفنانين التشكيليين، لكنّ هناك واحدة استطاعت ببساطتها أن تكون من السيدات القادرات على نقل ما تشعر وتفكر به المرأة، وببساطة شديدة ممزوجة بالألوان وقطع القماش حولت كينونة المرأة إلى مرآة بسيطة، قادر على فهما وتحليلها كل من يقف أمامها ولكن بحضور واقعي على شكل لوحات. الفنانة التشكيلية والإعلامية رندة حجازي، والتي تُعرّف عن نفسها بأنها سورية الأصل والهوى، من عمر الثالثة لم تمنعها أناملها الصغيرة من مزج الألوان كي تصيغ بها ما تشعر به وتراه، ومن ثم كبرت وكبرت وبيدها ريشتها التي صقلت بخفة تصوير ما تريد نقله من مشاهد وشخوص بالعلم أولا ومن ثم بالخبرة الفنية الممزوجة بمخزونها الثقافي والحياتي العميق، مع فكرها الراقي والبعد الفني والإعلامي الكبيرين، كلها عناصر مكنتها من تجسيد كل ما يجول في بال المرأة العربية بالعموم والسورية بالخصوص بمجموعة من اللوحات كانت حديث الشرق والغرب في الوطن العربي من خلال معرض فردي أقامته في دبي في منتصف آب 2016.

المرأة ليست جسداً
كانت الألوان في اللوحات متفاوتة الدرجات في قوتها وذلك لأن الرسامة أرادت أن تعبر من خلال الألوان القوية عن عنفوان المرأة وقوتها وعدم قبولها للرضوخ أو الاستسلام، على حين قصدت بالألوان الهادئة أن يكون مدلولها ما تتمتع به المرأة من حنو ورومانسية وحب، وعن اللوحات قالت الرسامة رندة حجازي «لوحات معرضي الأخير كانت تتحدث عن المرأة بشكل عام والمرأة العربية بشكل خاص من حيث صفاتها الملائكية من جهة ولكونها جبروتاً تأبى الذل والخنوع من جهة أخرى، وكوني سورية فطبيعي أن أعكس شخصيتي كامرأة سورية في أغلب الأعمال من حيث العادات والتقاليد والحياة الجميلة التي عشناها في سورية والقوة التي تتمتع بها المرأة السورية والتي مكنتها من أن تكون عنصراً فعالاً ومنتجاً في المجتمع، هذا من جهة ومن جهة أخرى أشعر بالأسى الكبير على حال الكثيرين الذين يقومون بتعنيف المرأة وتعريضها للكبت اللفظي والفكري، وربما القسوة تصل إلى حد غير مقبول إنسانياً، ورغم احتفالاتنا بيوم المرأة العالمي فالمرأة في العديد من المجتمعات المحلية والريفية ما زالت، رغم قوتها الداخلية، مقيدة وأسيرة تحت نير عادات وتقاليد وأفكار دونية بعيدة تماما عن الإنسانية».

المرأة تشعر بالمرأة
لا تزال طريقة تفكير المرأة معقدة بالنسبة إلى معظم الرجال وبنظرهم هي مخلوق مبهم بعيد عن الوضوح أو البساطة لكن الفنانة التشكيلية رندة استطاعت من خلال أعمالها الدخول إلى عمق المرأة النفسي والفكري والعاطفي «من الطبيعي أن أفهم المرأة أكثر من الرجل وهذا ما سّهل عليّ الدخول إلى العمق لتصوير كل ما يمكن أن يخطر في بالها من أفكار أو تشعر به من أوجاع أو مخاوف، وما يهمني أن أعمالي تتكلم عنها وأفكاري من خلال اللوحات ميسرة إلى الرجل ووصلت إليه».

العالمية… من سورية
تم اختيار إحدى لوحات الفنانة السورية رندة حجازي كي تكون غلافاً لمجلة «الجديد» الثقافية في لندن «أنا سعيدة بهذا الأمر وخاصة أنه تم اختيار لوحتي من بين العشرات من لوحات الأعمال التشكيلية من كل دول العالم، وكنت صورت فيها بأسلوب رمزي الحياة السورية بأوجاعها، حيث تلعب المرأة دور الرجل كي تكون سنداً ومعيلا للزوج والعائلة، اللوحة عبارة عن فتاة تضع طربوشاً على رأسها، الطربوش السوري أو الشامي، وتخبئ به إحدى عينيها وكأنها تقول أنا أستطيع أن أكون كالرجال وبعينها الظاهرة تحتفظ بحقيقتها كونها أنثى، فهذا المزج بين القوة والعاطفة لاقى صدى كبيراً للوحة في الدول العربية والأجنبية».

الوجع السوري حاضر
العين هي من ترى وتحمل المخزون إلى الفكر، والقلب هو الذي يحمل الشعور مهما كان نوعه وهذا ليس بغريب عن فتاة مغمورة بعشقها لدمشق فهي ممن أرادت أن تحمل هذا العشق معها دائما أينما ذهبت وكيفما رحلت من خلال أعمالها الفنية الناقلة لكل ما يدور في المجتمع السوري من قضايا ومن أحداث بطريقة تُميّزها. رندة حجازي «دمشق هي حبيبتي وكل ما أنا عليه وكل ما هو من نتاجي، وبشكل طبيعي، دمشقي صرف، لأنني تأثرت بها وبحضارتها، ولكن الواقع الحالي الذي تعيشه سورية مؤلم وقاس جداً، والفنان من خلال شعوره المرهف يعاني كثيراً ويصعب عليه الأمر فهو يقاسي ويعاني أكثر من غيره، ومن الطبيعي كوني فنانة تشكيلية وإعلامية أن أعبر بطريقتي الخاصة وهذا ما حصل في معرضي الفردي عام 2015 والذي جاء بعنوان «حالات» وكان أقيم في دار الأسد للفنون والثقافة، من خلال لوحات عكست الحالات النفسية التي تعرّض وما زال يتعرض لها الشعب السوري، وكان استغرق مني متابعة ومراقبة لهموم الناس وأحزانهم مدة ثلاث سنوات».
الموضوع أهم من الأسلوب

يحاول الفنانون بأسلوبهم الذي ينتهجونه في فنهم أن ينقلوا ما يريدونه إلينا ولكن رندة لا يهمها أن تركز على الأسلوب أكثر من الموضوع الذي تختاره لأعمالها «الموضوع هو ما يجذبني وهو محور اهتمامي، وفي البداية كنت أعمل في نفس إعلامي حيث كانت مهمتي نقل الوقائع، ولكن بعد أن انتقلت إلى مرحلة العمل الفني جاءت المدرسة الفنية الواقعية كي تصقل عملي الإعلامي وتساعدني كي أوصل رسالتي الفنية، فأنا أتنّقل بين المدارس الفنية وعلى الفنان أن يكون مجتهدا بالفن ويتقن قواعد مدارسه حتى يصل بالنهاية إلى تميزه».

الفن… التزام
هناك رسالة ومنها تتحدد الغاية والهدف، وعلى حسب كل شخص ورسالته وأمانته لها تكون النتائج، فمن من الأشخاص يعتبر الفن التزاماً سواء بالقضايا أو بالمجتمع أو بالجمال وغيره، في حين رندة حجازي رسالتها سامية تخدم الإنسانية بالمطلق في المجتمعات وهذا ما دفعها إلى دراسة الإعلام كي تلتزم أكثر برسالتها «الفن هو التزام بالمجتمع وبما يعانيه ومن خلاله نحن قادرون على بث رسائلنا التي تدفعنا إلى التطور والسعي نحو الأفضل والاجتهاد لخلق الفرص، والابتعاد عن التخلف ومحاربته في الأسلوب والتربية، إذاً الفن موجه إلى كل شرائح المجتمع بكل فئاته وأعماره ويجب أن يكون سهلاً وبسيطاً رغم عمق إشاراته ومدلولاته».
جديد وقريب

العطاء غير محدود، والاجتهاد يتبعه نشاط دائم وبحث عن الجديد والتميز، وبالنسبة إلى خطط الفنانة التشكيلية رندة حجازي قالت: «في الشهر القادم سأشارك في معرض يحمل عنوان (جنون) إلى جانب أكثر من 100 فنان من كل دول العالم، وسيقام في العاصمة اللبنانية بيروت مع المنتدى الثقافي والفني وبرعاية سفارة البارغواي في مقر منظمة الأونيسكو، كما أنني أعمل بمجهود كبير على موضوع جديد لمعرضي القادم في السنة القادمة، وهو مخصص عن الطفولة وفي الوقت الحالي أنا في مرحلة القراءة والبحث عن المواضيع».

لمحة عن الفنانة
رندة حجازي حاصلة على شهادة ليسانس في الاتصالات البصرية من كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق عام 2000، وحاصلة على شهادة ليسانس في الصحافة والإعلام من كلية الآداب جامعة دمشق عام 2008، لديها الكثير من الأعمال سواء في مجالات هندسة الديكور والتصميم الإعلامي، وهي أستاذة محاضرة في كلية الفنون الجميلة، تعد وتقدم فقرات تلفزيونية مختصة بعالم العمارة والديكور، لديها معارض فردية ومشتركة، منها معرض فردي حمل عنوان «حالات» في دار الأسد للثقافة والفنون في العام الماضي، ومعرض فردي في دبي تحت عنوان «ما بين الملائكة والبشر».

Exit mobile version