Site icon صحيفة الوطن

«ظِلّ» في المركز الوطني للفنون البصريّة دعماً للغة الإبداعيّة … عدنان فتح الله: مستمرون في إغناء المكتبة الموسيقيّة بالأعمال السوريّة الجديدة

| عامر فؤاد عامر

تبقى الموسيقا اللغة الأهمّ عند الإنسان، التي يمكن لها أن تصل لأي مدى، دون ترجمةٍ أو وعيٍّ بها، فبمجرد أن تلامس الأحاسيس البشريّة تدخل الوجدان من دون استئذان. ومن أوائل فنون التعبير والتعارف بين البشر كانت حركة الجسد والإيماءات بأعضائه، وهي من لغات التعارف العموميّة التي استخدمها الكائن البشري ليعبّر عن رغباته منذ البدء، ناهيك عن الصوت وطبقاته، كلّ هذه الأفكار وأكثر تراود المتلقي في مسرح المركز الوطني للفنون البصريّة في دمشق، واسم الحفل «ظِلّ» الذي اشتركت فيه جهود الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة بقيادة الفنان «عدنان فتح الله»، وجهود الفرقة الوليدة حديثاً «anima» للرقص التعبيري بقيادة المدرب والمصمم «محمد شباط».

عناصر الذوق والجمال حاضرة
يتألف البرنامج من جزأين؛ الأول منهما خمس مقطوعاتٍ موسيقيّة يرافقها الرقص، والآخر في خمس موسيقيّة فقط، وبالمجمل امتد الحفل ساعة و10 دقائق من الزمن، ليكون عرضاً خلاقاً جديداً، يحمل بصمة سوريّة إبداعيّة، على الرغم من كلّ الظروف الصعبة المحيطة، والتي يمر بها الجميع، ولاسيما هؤلاء الراقصين والعازفين، فما زالت حالة من الحماس متوافرة لدى الجميع لابتداع أفكار جديدة لافتة للانتباه، تحمل عناصر المعاصرة والجمال والاختلاف ورفع الذوق العام سواء من خلال الموسيقا أو من خلال الرقص التعبيري وغيره في رؤية بصريّة مختلفة وجميلة، يُعنى بها المركز الوطني للفنون البصريّة.

جهود متضافرة
يتحدّث الفنان «فتح الله» لنا عن ترتيبات الحفل، وتجهيزاته والتحضيرات الخاصّة فيه، وتعليل اختيار الاسم، وكيف كانت المحاولات في تقديم الانسجام بين موسيقا الفرقة مع العرض الراقص: «جاءت الدعوة من المركز الوطني للفنون البصريّة لإقامة حفل من الفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة، وهذا هو الحفل الثاني الذي يقام على خشبة مسرح هذا المركز، وقد كان الحفل الأول خاصاً في افتتاح المسرح الذي حمل عرضاً لصور متعددة من المعارض الفنيّة والتشكيليّة المقامة في المركز الوطني للفنون البصريّة، مع عرضٍ لفيديو توثيقي يتحدّث عن هذا الحدث وأهميّته، وضرورة وجودها في سورية.
من الملاحظ أن طبيعة الأعمال الفنيّة التي تقدّم هنا في المركز الوطني للفنون البصريّة لها طابع سمعي بصري، وبعد تلقي الدعوة بمدّة التقيتُ الأستاذ «محمد شباط» وولدت هذه الفكرة، بأن تقدّم الموسيقا بعزفٍ مباشر، ويقدّم الرقص المرافق لها على المسرح، وأمام الجمهور، ولكن بتقنيّة جديدة هي تقنيّة خيال الظلّ الجديدة، واعتقد أن الخيال والظلّ والعرض على المسرح مسألة مألوفة لدى الجمهور السوري، منذ أيام عواض وكركوز، ولكن التقنيّة التي تقدّم اليوم فيها لوحات الرقص هي الجديدة، ولأوّل مرّة تستخدم في سورية، وهناك صعوبة فيها بسبب الرقص في مساحة ضيقة، كي يأخذ الضوء مهمّته في إخراج الصورة للمشاهد، وكذلك كي تظهر الحركات التي يقدّمها الراقص بأدق تفصيلاتها بالنسبة للمشاهد.
ما يميّز هذا العمل أن فرقة « anima» للرقص التعبيري تقدّم لوحاتها على أنغام موسيقا سوريّة من الأعمال التي قدّمتها الفرقة الوطنيّة، وقد تحدّثنا مراراً أن هذا الأمر هو أحد أهداف الفرقة التي تعنيها، أيّ تقديم أعمال موسيقيّة سوريّة للمتلقي، لإغناء المكتبة الموسيقيّة السوريّة، وهنا أوجّه شكري لوزارة الثقافة ودار الأسد للثقافة والفنون التي تحتضن الفرقة كلّ شهرين لتقديم أعمالها، وهذا الاحتضان هو ما يشكّل الحافز للشباب الموسيقيين ليكتبوا أعمالاً جديدة نقدّمها في دار الأوبرا».

أبعاد تراثّية حضاريّة
حملت المقطوعات أبعاداً مهمّة غنيّة فيها طابع تراثي وتاريخي ومزج حضاري مهم في صبغة حديثة كما في مقطوعة «موسيقا آراميّة من معلولا من إعداد الفنان «فتح الله»، و«الزيني بركات» للفنان «عمار الشريعي» التي أعدّها الفنان «كمال سكيكر»، وكذلك مقطوعات «الباشا»، و«سحر الشرق»، و«أداجيو»، وغيرها.

آهات بيطار في الموءودة
شاركت الفنانة «ليندا بيطار» في هذا الحفل من خلال صوتها، ومجموعة من الآهات أطلقتها في مقطوعة «الموءودة» للفنان «محمد عثمان» بمشاركة الراقصين، وأداء الفرقة الوطنيّة موسيقيّاً، وبقوة حضورها والإحساس العالي في صوتها، كان لهذه المقطوعة جمالها الخاصّ والمتفرد، وعن هذه المشاركة والتجربة والحضور تقول: «لمشاركتي في حفل «ظلّ» خصوصيّة، فعندما اقترح عليّ الأستاذ «عدنان فتح الله» الظهور في قطعة واحدة؛ وافقت من دون تردد، فالمشروع مهمّ، وأنا رغبت في المساهمة معهم مهما كانت مساحة الظهور، والشارة التي عُزفت للموسيقي الأستاذ «محمد عثمان» من الشارات التي أحببتها كثيراً، وقد وضعت صوتي على هذه المقطوعة في الاستديو سابقاً، وبعد زيارتي للبروفات في المركز الوطني للفنون البصريّة لمست جمال ما يُقدم على المسرح، ولمست الغرابة أيضاً، ولذلك قررت الحضور والمشاركة، فهناك خصوصيّة في العمل، ومن الواضح أن هناك جهوداً متضافرةً لخلق هذا العمل، فلنقدّم جميعنا، على الرغم من كلّ الظروف القاسية، كلّ ما نملك من فكر، وثقافة، ووعي، وجمال، وقوّة».

مشهد إبداعي سوري
جمع بين تقنيّة معاصرة في الرقص التعبيري؛ تُقدّم لأوّل مرّة في سورية، وبين خبرته واجتهاده في هذا المجال، ليكون لدينا 5 لوحات متمايزة جميلة وناجحة، قادرة على أسر المتلقي، والتفكير بما يجتهد عليه الفنّ السوري الذي يفاجئنا بكلّ جديد. الأستاذ «محمد شباط» المدرب والمصمم لتلك الرقصات أخذ 5 أعمال موسيقيّة للفرقة الوطنيّة السوريّة للموسيقا العربيّة، وهي: «أهكذا كانت»، و«لحظات» و«ملاك» وهي من تأليف الفنان «عدنان فتح الله»، ومقطوعة «سحر الشرق» من تأليف الفنان «كمال سكيكر»، إضافة إلى مقطوعة «الموءودة».
انطلاقة أولى وتجربة جديدة… «anima»

يقول المدرب والمصمم «محمد شباط» في مناسبة الحفل، وفي العرض الأول لفرقته «anima»، وكذلك في التقنيّة الجديدة التي أدخلها في تجربة الرقص المعاصر في سورية: «في هذا الحفل «ظلّ» تنطلق الفرقة الجديدة «أنيما غروب دانس»، وقد حاولت أن أترجم اللوحات التي قدّمها لنا المايسترو «عدنان فتح الله» إلى لوحاتٍ راقصة، من خلف شاشة الظلّ، وهي تجربة جديدة تقدّم لأوّل مرّة في سوريّة، وقد اجتهدنا عليها جيّداً، ولا أخفيك أن الخوف شعور مرافق للعمل، إضافة إلى الشعور بمتعة العمل والتحضير للعرض الأوّل، وأتمنى أن تحبّ الناس ما قدّمناه.
أريد أن أوضح أكثر عن هذه التقنيّة «خيال الظلّ» وفيها لا يظهر الراقص بجسده على المسرح بل يظهر ظلّه فقط، لأنه يرقص وراء الشاشة البيضاء الظاهرة على المسرح، ويكون هناك ضوءٌ مُسقط عليها، والرقص فقط يكون ضمن مساحة الضوء هذه، ليظهر الخيال على الشاشة كبيراً أو صغيراً تبعاً للاقتراب من منبع الضوء أو الابتعاد عنه.
في هذه التجربة تكمن الصعوبة بأن الرقص يكون فقط في متر ونصف المتر لا أكثر فالمساحة كانت ضيقة، وقد رسمت على الأرض عدّة إشارات، لنواجه هذه المسألة، فيعرف كلّ راقص مكانه في كلّ لوحة يشارك فيها، والتقنيّة خطرة وسهلة معاً، وتعتمد كيف يتجه الراقص إلى الراقص الآخر، وكيف سيتحركان معاً، وكيف سيظهر جزء من الجسم، وإخفاء الآخر، وفي النهاية التقنيّة تحتاج إلى فلسفة حركيّة مع الموسيقا المقدّمة، وتحتاج إدراكاً في كيفيّة إظهار الظلّ للمتلقي من دون تشويّه في هذا الظلّ.

بتوقيع الفنان «غياث الأخرس»
قدّم في نهاية الحفل د. «غياث الأخرس» مدير المركز الوطني للفنون البصريّة، شكره بكلمة موجزة على المسرح، حيا فيها الجمهور والفرقة الوطنيّة بقيادة «عدنان فتح الله» وفرقة أنيما للرقص التعبيري بقيادة «محمد شباط»، وأشار إلى النشاطات الهادفة التي يرعاها المركز، وأن هناك سلسلة قادمة من النشاطات المتنوّعة التي تهمّ الشباب، وتخدم الخط الإبداعي السوري والإنساني.

Exit mobile version