Site icon صحيفة الوطن

الحرب الباردة قادمة

| بيروت – محمد عبيد 

ماذا يمكن أن تستفيد واشنطن في الوقت المتبقي من عمر إدارة أوباما من تعليق الاتفاق الموقع بين جون كيري وسيرغي لافروف كنتيجة تلقائية لوقف المباحثات الثنائية والشراكة الجزئية القائمة بينها وبين موسكو في الميدان السوري؟
سؤال بدأت تتداوله مراكز التفكير الأميركي المتابعة من كثب للخط البياني لسياسات هذه الإدارة والذي لم ترَّ فيه صعوداً بل انحداراً دائماً ومراوحة في الدائرة الديبلوماسية والميدانية التي رسمها عدوان أساسيان لها: روسيا وإيران.
وتعتبر بعض هذه المراكز أن التحالف الروسي- الإيراني العميق والداعم بشكل مطلق للدولة السورية ولرئيسها بشار الأسد قد وضع خريطة النهايات المحتملة للأزمة في سورية.
وفي الواقع يبدو الرئيس الأميركي باراك أوباما غير راغبٍ بابتداع حلول أو اجتراح معجزات ولو متأخرة لتثبيت توازنات مختلفة على الساحة السورية يقوم بتقديمها للوافدة الديمقراطية المحتملة إلى البيت الأبيض هيلاري كلينتون، بل يظهر أنه يميل إلى تقديم جردة إنجازات داخلية تُثَبِته رئيساً مميزاً وتضعه في مصاف المؤسسين لا المارقين، مع الإشارة إلى محطات أساسية في مسار مكافحة الإرهاب الدولي وتمظهراته الإسلاموية الجديدة تحديداً كداعش والتركيز على العراق كساحةٍ مستعادة لاستكمال مهمة لم يتم إنجازها، كما تحث الناخب الأميركي المتردد أو الرمادي الهوى على حسم أمره والتجديد لحزب أوباما ومرشحته.
إذاً، الإدارة الأميركية بحاجة فعلاً إلى التعاون الروسي معها كي تُثَبِت شراكة ولو فوقية في الأزمة القائمة في سورية وبالتالي فإن وقف المباحثات الثنائية أو تعليق الاتفاق المعقود بين الطرفين سيؤدي إلى مزيد من الانكفاء الأميركي المباشر عن الساحة السورية، وإن قامت وزارة الدفاع الأميركية بتعويضه من خلال أدوار الأتباع الإقليميين كالسعودية وقطر وتركيا، أو الاستخبارات المركزية عبر الاستمرار في تشغيل بعض المجموعات الإرهابية «المعتدلة» لإبقاء الميدان حامياً بانتظار وصول إدارة أميركية جديدة تعيد صياغة مقاربات جادة للأزمة في سورية.
أما الصورة في موسكو فهي مختلفة، فقد تمكن الجانب الروسي ومنذ اندفاعته العسكرية الأولى قبل عام حتى اليوم من فرض أجندته السورية على الشريك الأميركي المفترض، وأتبعها باندفاعات سياسية وديبلوماسية وإعلامية حادة أخذت مؤخراً طابع التحدي المباشر لواشنطن حتى التهديد.
والأبرز أيضاً أن موسكو تتصرف عملياً على أساس أنها هي المعنية مباشرة بخوض هذه الحرب العالمية الساخنة الدائرة في سورية بالأصالة عن نفسها وليس بالوكالة عن أحد أو بهدف دعم أو حماية أحد، وهي بذلك تحاول استعادة دور وموقع فقدتهما إثر انهيار الاتحاد السوفييتي وطول أمد الاستنزاف المُدَبر للكيان الجديد «الاتحاد الروسي» بحروب جانبية وأزمات مالية واقتصادية.
تعلم القيادة الروسية أن الوقائع والإمكانات للتدخل والمشاركة التي وفرتها لها القيادة السورية وحلفاؤها الإقليميون لا يمكن أن تتكرر في المدى المنظور، وقد تكون الحرب على سورية وفيها المحطة- الفصل في صياغة توازنات العالم الذي سيولد بعد انتهائها، وبالتالي فإن تحقيق النصر في هذه الحرب سيحفر للرابح الدولي أو الإقليمي أو المحلي موقعاً متقدماً في حرب باردة ستنشأ وتعيدنا إلى زمن القطبين الدوليين والأقطاب الإقليمية المتعددة.

Exit mobile version