Site icon صحيفة الوطن

ثلاثي متعاون وناجح وفي رصيدهم المزيد … «نثرات من ذهب الزمان» عودة إلى الأصالة وتوثيق لذاكرة الموسيقا والطرب العربيين

| عامر فؤاد عامر

يبقى للإذاعة خلودها في ذاكرة المتلقي، وتبقى همسات الإذاعة مسألة تحمل خصوصيّتها بين وسائل الصحافة على تنوعها وتطورها، ومن بين برامج الإذاعة التي أخذت طابعها المستقل والشمولي والجماهيري، برنامج «نثرات من دهب الزمان» الذي عاش قرابة 9 سنوات في ميّزة من العطاء والتجدد والغنى وبشارة واحدة لم تتغير على مدار تلك السنوات لا بل بإعادة حلقات كلّ موسم في شهر رمضان يوميّاً وتبقى لغة التشجيع والتواصل مع المستمعين أكثر من كلّ مرّة. برنامج «نثرات من دهب الزمان» برنامج غنائي يكشف تفاصيل وأسرار وكنوز الغناء العربي الأصيل من زمنٍ جميل عاشت فيه الأغنية العربيّة أبهى مراحلها، من تقديم الإعلاميّة «هيام حموي»، والباحث الموسيقي «عثمان حناوي»، ومن إعدادهما ومن إخراج «حسام العاتكة» ويبث عبر أثير راديو «شام أف إم.

التذكير بالبداية
تحدثنا مع الباحث الموسيقي «عثمان حناوي» وطرقنا معه إلى البدايات الأولى للبرنامج «نثرات من دهب الزمان» كيف كانت وكيف خُلقت الفكرة، فيقول: «البداية كانت مع قدوم الإعلامية الكبيرة «هيام حموي» عام 2007 التي جاءت إلى دمشق من باريس، لتوقّع عقد العمل مع إذاعة «شام إف إم»، وبعد افتتاح الإذاعة بشهرٍ تقريباً، التقينا معاً، إذ يربطنا مع «هيام» علاقة صداقة متينة أنا وأختي الفنانة «ميادة الحناوي»، وأثناء اللقاء قالت: «نريد أن نقدم برنامجاً غريباً ومختلفاً لإذاعة شام إف أم»، وذكرت لي الأرشيف الذي أمتلكه، فقد كنت باحثاً في آثار المطربين العظماء، وإبداعاتهم، وموسيقاهم، وأملك من أعمالهم، وحفلاتهم التسجيلات الكثيرة، والنادرة، وذلك على مدى سنين طويلة، مثل أرشيف السيدة «أم كلثوم» في العشرينيات والثلاثينيات، وأغنياتها في البدايات، وأرشيف كبير للموسيقار «محمد عبد الوهاب»، وبروفات الأعمال، وكذلك للفنان «بليغ حمدي» من خلال العمل مع «ميادة الحناوي»، والكثير الكثير غيرهم، وبذلك وضعنا خطوطاً عريضه كتهيئة أوليّة للبرنامج».

الحلقة الأولى
أثناء التحضير للبرنامج لا بدّ من مشاعر القلق ولا بدّ من التفكير عن الشكل الأفضل لولادة برنامج ما، وهذا ما ساور وأصاب فريق البرنامج وحول ذلك يكمل «عثمان حناوي»: «في فترة التحضير تساءلنا هل سيستمع الناس في هذا الزمن إلى أغاني ذلك الزمن الجميل؟! وكانت إجابة «هيام حموي»: «علينا أن نقدّم جهدنا، ونحاول، وعلينا أن نذكر للجيل الجديد من هي هذه الأسماء التي سنتحدث عنها، وهنا وقعت عليّ مسؤوليّة كبيرة، وبدأت بالإعداد والتنسيق لحلقات البرنامج إلى أن نظمنا شكلاً أوليّاً للحلقة الأولى، وظهرنا بها، وكانت من أرشيف قديم أمتلكه، ومنه أخذت مقاطع من سهرة قديمة بين الفنانين: «ليلى مراد»، و«عبد الحليم حافظ»، والمخرج «فطين عبد الوهاب»، والشاعر «أحمد رامي»، و«منير مراد»، وكانت في هذه السهرة تغني «ليلى مراد» أغنياتها مثل «سنتين وبحايل فيك»، و«ليه خلتني أحبك»، أمّا «عبد الحليم حافظ» فكان يؤدي معها في الكورس، وكان «أحمد رامي» ينتشي طرباً في هذه السهرة، واخترت أيضاً عدّة مقاطع من الزمن الجميل للفنانين: «سعاد محمد»، و«عبد الوهاب»، والختام كان لـ«أمّ كلثوم»، وكان أن اتفقنا أن يكون آخر 10 دقائق من كلّ حلقة هو للسيدة «أم كلثوم» من حفلات وتسجيلات نادرة».

صدى لائق
يضيف الباحث الموسيقي الحناوي عن الصدى الذي رافق الحلقة الأولى: «من أوّل حلقة وجدنا الصدى اللائق، فكان هناك عدد من الفنانين، والمفكرين، والفنانين والأدباء يتصلون بـ «هيام» ويتشكرون ويهنئون، وعندها أُثلج صدري، ولكن في الأصل وبسبب وجود هذه العملاقة كنت مطمئناً لأنها هي من دعمت البرنامج وأطلقتني وأوجدت لي المساحة والراحة في العمل الإذاعي».
اسم المولود
لدى سؤالنا عن انتقاء اسم «نثرات من دهب الزمان» ومن هو الذي وضعه، وأيضاً عن البرومو الذي يحمل إيقاعاً لافتاً للأذن، كانت الإجابة: «اختيار الاسم كان مشتركاً بيني وبين هيام فجزءٌ لها وجزءٌ لي، فـ«هيام» اختارت «دهب الزمان»، وأنا أضفت له «نثرات من»، فكان اسماً مشتركاً، وأيضاً اخترنا معاً برومو البرنامج بعناية، وقد حاولنا تغييره أكثر من مرّة، لكننا عدلنا عن ذلك وقررنا أن يبقى بهذا الشكل، وبهذه الصبغة، ففيه صوت محمد عبد الوهاب وفيه أصوات نادرة قديمة وتوحي بصبغة البرنامج وأهدافه».

عفويّة زادت الرصيد
يتصف البرنامج بعفويّة وبساطة، ويقدم هذا الثنائي «هيام وعثمان» نفسيهما وكأنهما يتحدّثان معاً في حديثٍ يقع بين الجديّة والعفويّة وإطلاق ضحكة أحياناً لفوز أحدهما على الآخر بدقة المعلومة، وغير ذلك من المحادثة والحوار الذي يستقطب إصغاء المستمع، وعن هذا التآلف بينهما يعلّق: «عندما كنت أستمع لصوتها أشعر بأن هناك صوتاً جميلاً آخر للمستمع بعد الصوت الملائكي للسيدة «فيروز»، وعندما اشتغلت معها اعترفت لها بأنني لا أحبّ صوتي، وربما سأرتبك على الهواء، لكنها أجابتني: «لا تخف، وخذ راحتك»، وذكرتني بأوّل ظهور لها أمام المايك، وما اعتراها من خوفٍ وارتباك. وبعد الحلقة الأولى كان تشجيعها لي أكثر، ونقلت لي ردّة فعل الناس بكلّ محبّة، وأدخلت فيَّ الاطمئنان الكبير». وبالتالي ولّدت «هيام» شعور الأمان والحبّ للبرنامج، فانطلقت بإعداد الحلقات التالية بكلّ طاقتي. كما أنني سألت أختي «ميادة» عن رأيها في صوتي، والحلقة الأولى، فكانت أن أثنت وشجّعتني أيضاً». الطبيعيّة والعفويّة صفتان يتصف بهما البرنامج، ولاسيما أن الإعلاميّة «هيام حموي» قررت أن يكون التسجيل في محل التسجيلات الخاصّ بالباحث الموسيقي «عثمان حناوي» وبعيداً عن أجواء الاستديو، التي قد تفرض نوعاً من التوتر، بالتالي يظهر الحديث بينهما؛ وكأنهما يناقشان أموراً فنيّة معاً، في حديثٍ قريب جداً لحديث أي شخصين يتبادلان وجهات النظر، ويستعرضان ما لديهما من نوادر، وأفكار، ومعلوماتٍ فنيّة.

التعاون صفة أساسية
يعدّ التعاون غالباً في البرنامج، فعناصر «نثرات من دهب الزمان» لا يمكن لها أن تتفوّق وتبقى على مدى 9 سنوات إلا إذا كان فريق هذا البرنامج قادراً على تجاوز سلبيات العمل الجماعي، وحول هذه الفكرة يعقب «الحناوي: «لم نتجادل يوماً عبر 9 سنوات مطلقاً، فـ«هيام حموي» إنسان عملاق في تجربته الإذاعيّة، وكذلك الأمر مع مخرج البرنامج «حسام العاتكة»، وهو إنسان حساس جداً، وحاضر معنا دائماً، وقادر على المواكبة بقوّة، وعندما نتناقش معاً يقبل كلّ من ثلاثتنا رأي الآخر، من دون إزعاجٍ، ونتناقش بحبّ لمصلحة هذا البرنامج. وأودّ أن أوجّه شكري لمدير «شام إف إم» «سامر يوسف» الذي أكد من خلال تبنيه للبرنامج أنه يدعم ما يصبو إليه من خلال أهداف الإذاعة، واليوم الجميع بات يعلم أنها إذاعة راقية تطرح الفكر الجميل، مديرها همه الارتقاء بالعمل والتركيز على الذوق العام والأغاني الجميلة القديمة دون دعم هبوط الأغنية العربيّة، كما تفعل القنوات العربيّة اليوم مع كلّ أسف».

الإعداد الناجح
كلّ برنامج ناجح ينم عن إعدادٍ ناجح، وبعض البرامج تحمل فريقاً كبيراً من المعدّين، ولبرنامج «نثرات من دهب الزمان» إعداده الخاصّ أيضاً، ففي رصيد كلّ من «هيام الحموي»، و«عثمان الحناوي» أرشيف غني، ونوادر لا يستهان بها، فلدى الإعلامية الحموي مسيرة عبر إذاعتي «مونتيكارلو»، و«الشرق» وكثير من اللقاءات مع الفنانين العرب بجميع اختصاصاتهم، وسهرات غنائية وحفلات مهمّة، أمّا الباحث الموسيقي «الحناوي» فله باعه وذكرياته مع عمالقة الزمن الجميل في مصر التي جمعت أجمل الأصوات العربيّة في مرحلة مهمّة جداً، وأثناء النقاش عن هذه الفكرة والعلاقة مع الصحفي المصري «وجدي الحكيم» ذكر هذه المعلومات: «منحني «وجدي الحكيم» أرشيفاً كبيراً، وهو كإعلامي كان أوّل من أطلق برنامج «أضواء المدينة» وهو من افتتح بصوته راديو «صوت العرب»، وهو صديق للفنانين العظماء، وقد توطّدت علاقتي معه من خلال «ميادة»، و«بليغ حمدي»، وعندما وجدني أبحث عن الأشياء القديمة، فتح مكتبته وأرشيفه أمامي، فأخذت منها الكثير مثل قصة حياة «أمّ كلثوم» بصوتها خلال عشرات الساعات، ومقابلات بين «محمد عبد الوهاب»، و«عبد الحليم حافظ»، وأخذ فيها «عبد الحليم» دور المذيع فيها، وبين «شادية»، و«أنيس منصور»، وغيرها، وفي الوقت نفسه أخذ مما أرشفته أنا عبر بحثي وجمعي مثل أغنية «ياريحين الغورية» لـ«عبد الحليم حافظ»، وأغنية لـ«أم كلثوم»، غنتها في عرس شاه إيران على الأميرة فوزية أخت الملك فاروق، وكذلك حديث مطول عن حياة بليغ حمدي، وغيرها».

خصائص ومميّزات
حمل البرنامج شكلاً تطوريّاً، فمن تابع البرنامج منذ 9 سنوات وحتى اليوم لم يملّ منه، فالبرنامج أسبوعي ولا يحمل حالة من التكرار، وهناك حلقات تحمل حالة من التحدّي بين «عثمان»، و«هيام»، من خلال طرح المعلومات، وحلقات تحمل المنوّعات لأصوات أو حلقات تخصّ الشعراء من مصر، وسورية، والدول العربيّة من القدامى وصولاً للأحدث، ، مثل: «أحمد رامي»، و«مأمون الشناوي»، و«بيرم التونسي»، ومن سورية «نظمي عبد العزيز»، و«عمر الحلبي»، ومن لبنان «الأخطل الصغير»، لتكون التشكيلة متنوّعة، وكذلك الأمر بالنسبة للملحنين مثل: «كمال الطويل»، و«الموجي»، و«بليغ حمدي»، و«زكريا أحمد»، و«السنباطي»، وهناك أسماء أساسية في البرنامج تتناوب الحلقات على أصواتهم وهم «أمّ كلثوم»، و«وردة الجزائريّة»، و«محمد عبد الوهاب»، و«عبد الحليم حافظ»، و«فريد الأطرش»، و«أسمهان» و«ميادة الحناوي»، و«شادية»، و«سعاد محمد»، و«فايزة أحمد»، و«نجاة الصغيرة»، ثم بين الحلقات تذكيرٌ لأصواتٍ أثّرت في الفنّ ولا يعرفها كثيرون مثل «بديعة مصابني» و«حورية حسن»، وفي حلقات أخرى تبثّ أغاني الأفلام الاستعراضيّة، بالتالي القضاء على عنصر الملل، من خلال التنوع والتركيز على رفع الذائقة الفنيّة من دون الهبوط في المستوى. أيضاً من مميّزات البرنامج أنه حمل صبغة بدأت بالمحليّة كمستمعين، ثم انطلقت نحو المستمع العربي، وفي العامين الأخيرين أصبحت الصبغة عالميّة، فهناك مستمعون عرب من كلّ دول العالم تتابع حلقات برنامج أسبوعياً ويتواصلون عبر الرسائل والاتصالات.

مقتطف
في إحدى الحلقات التي بثّت مؤخراً والتي حملت حلة خاصّة وفريدة والتي كانت تخصّ الموسيقار «سهيل عرفة» وهو أحد المساهمين الذين دعموا الأغنية العربيّة، ومنحوا الأغنية السورية هويّتها، سألنا عن هذه الحلقة وترتيبها وما جاء فيها من التحضير إلى البثّ وعنها يقول «عثمان الحناوي»: «هو ملحن قدير، وأتمنى له الشفاء العاجل، وهناك لقاءاتٍ قديمة بينه وبين «ميادة» و«فاتن»، وقد زرته مع «هيام حموي»، وتحادثنا كثيراً، وقال لنا حينها: «الذي لم تقدمه إذاعة دمشق على مدى خمسين عاماً تقدمانه اليوم أنت وهيام، فتذكرنا بـ«محمد فوزي» و«كارم محمود»، و«بديعة مصابني»، وغيرهم، فهذا البرنامج يعدّ تحفة. وبعد أن سجلت معه ما يلزم من معلومات من أجل بثّ حلقة تخصّ تاريخه الفنّي، وفور الانتهاء من بثّها يتصل بي الموسيقار «سهيل عرفة ليقول: «لقد بكيت في حياتي 3 مرات الأولى كانت لدى وفاة زوجتي والثانية لدى وفاة الرئيس «حافظ الأسد»، والثالثة هي اليوم أثناء سماع برنامج «نثرات من دهب الزمان».

الجديد
حدّثنا الباحث «عثمان الحناوي» عن جديده القادم فبالإضافة لبرنامج «نثرات من دهب الزمان»، هناك فكرة أخرى لبرنامج بعنوان «رجعت ليالي زمان» وهو برنامج يعتمد على حفلات قديمة، فلديه نحو 120 ساعة مسجّلة، من حفلات قديمة ونادرة، ومن حفلات برنامج «أضواء المدينة» التي جمعت أصواتاً وشخصيات قديمة جداً. كما ذكر بأن هناك كتاباً يوثّق كلّ هذه الأمور، وعلاقاته مع الفنانين الذين التقاهم، فهناك مطربون لا يتمّ ذكرهم مثل المطربة «فيروز» الحلبيّة، أو «نجاة علي» أو «صالح عبد الحي» وأسماء أخرى كثيرة.

Exit mobile version