Site icon صحيفة الوطن

عودة الزمن الجميل!

| عصام داري 

في لحظة تأمل عابرة نستعيد شريط حياتنا من أول صرخة أعلنت قدومنا إلى هذه الدنيا، إلى ما وصلنا إليه في وقتنا الراهن.
تتالى المشاهد وكأننا نتابع فيلماً طويلا يعرض علينا بسرعة مضاعفة، ونوقف الشريط لثوان معدودات لنتذكر محطات الفرح التي كانت على أي حال قليلة، ونطلق تنهيدة طويلة ونستعيد قول الشاعر «ليت الشباب يعود يوماً».
وفي مرات كثيرة نحاول أن نمحو من شريط حياتنا تلك المحطات الأليمة والموجعة والحزينة، ونحاول أن نقفز فوق تلك المشاهد التي كنا نظن أنها تدعو إلى الخجل، أو الشعور بالخيبة، وحتى العار في بعض الأحيان.
كم تغيرت الدنيا في كل تلك السنوات، تغيرت العلاقات الاجتماعية والأسرية، وذهبت عادات وتقاليد إلى ذمة الماضي، واخترعنا عادات وتقاليد جديدة كي تنسجم مع كل هذا التطور الهائل الذي طرأ على العالم.
مراجعة دفاتركم العتيقة ومقارنتها بالواقع الراهن لتكتشفوا المسافة الشاسعة التي تفصل الماضي عن الحاضر، وتدركوا لماذا نستخدم تعبير «الزمن الجميل» على تلك الأيام التي ذهبت ولن تعود.
حتى الحب و«تقاليد الحب» اختلفت بشكل جذري، ما عادت لحظات انتظار المحبوبة تحمل كل اللهفة والشغف والمعاناة، ولم تعد القلوب تخفق بشدة حتى إنها ستخرج من صدورنا، انظروا إلى علاقات «الحب» هذه الأيام، إذا جاز لنا أن نسميه حباً، إنها علاقات عابرة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ربما هي أشبه بالشهوة التي تنتهي في ساعات أو في أيام.
والتطور مرّ على كل شيء، وقبل كل شيء، دخل إلى الأسرة وعمل على تفكيكها وتفتيتها، كانت البيوت الكبيرة تتسع لرب الأسرة وزوجه وأبنائه وزوجاتهم والأحفاد، كانت أشبه بقبيلة صغيرة، وكان الحب يجمع أفراد الأسر في هذا البيت بغرفه وباحته السماوية التي تسمى «أرض الديار» والبحرة التي تتوسطها والماء يعزف لحناً بديعاً على مدار الساعة.
وكانت البيوت تكاد يلتصق بعضها ببعض، وكانت أيادي النسوة تتصافح عبر النوافذ والمشربيات المتجاورة، على حين صارت تلك الأسرة في هذه الأيام عدة أسر، والبيوت القديمة المصنوعة من الطين والخشب، بيوتاً إسمنتية جامدة صلبة كقلوب ونفوس معظم الناس هذه الأيام.
نحنُّ إلى تلك الأزقة القديمة التي صارت ذكرى، بل كأنها حلم من زمن عتيق، قد يعوضنا بعض الشيء عن هذه الصور التي نستعيدها من ذاكرة الأيام الجميلة، بعض البيوت القديمة التي لا تزال محافظة على جمالها وألقها، وعلى الجدران والنقوش والرسوم، لكنها أصبحت نادرة وقليلة ومعرضة للانقراض، أو للاستثمار السياحي، وتحويلها إلى مطاعم وفنادق مع كل ما يحمله هذا الأمر من مخاطر على هذه البيوت، وهي لا تتجاوز في مدينة دمشق الخمسين بيتا.
في إسبانيا (الأندلس) لا تزال البيوت القديمة (العربية– الأموية) على حالها الأول، ويمنع على سكانها تحريك حجر في هذه الأبنية، فلو سقط حجر واحد يتم استدعاء الخبراء ليعيدوه إلى حالته الأولى، وفي العاصمة الفرنسية باريس (المدينة القديمة) يمنع إجراء أي تعديل على واجهات الأبنية الأثرية، فهل نتعلم كيف نحافظ على ماضينا، ونعيش زمننا الجميل؟

Exit mobile version